الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك عرض موجز لدور الفواصل القرآنية من حيث الشكل " الألفاظ "
والموضوع " المعنى "، على أن لنا ملاحظة جديدة لم أر أحداً أشار إليها.
وسأرجئ الحديث عنها بعد إيجاز ما ذكره ابن أبى الإصبع من تقسيم الفواصل فى القرآن.
* *
*
أقسام الفواصل:
قسَّم ابن أبى الإصبع فواصل القرآن أربعة أقسام وهي:
1 -
التمكين: وحقيقته أن يمهد للقرينة تمهيداً تأتى به السجعة متمكنة فى
مكانها غير نافرة ولا قلقة متعلقاً معناها بمعنى الكلام تعلقاً تاماً.
بحيث لو طرِحت لاختل المعنى. ولو سُكتَ عنها لأدركها السامع بطبعه. . ومثال ذلك من القرآن: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) .
فقد تقدمَ في الآية ذكر العبادة. ثم تلاه ذكر التَصرف فَى الأموال.
فجاءت الفاصلة على الترتيب، " الحليم "، " الرشيد ".
فالحليم باعتبار العبادة، والرشيد باعتبار التصرف في الأموال.
ومثله: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) .
فاللطيفَ يناسب عدم إدراك الأبصاَر له. والخبير يناسب إدرَاكه
لما سَواه ومنه الأبصار.
2 -
التصدير: وهذه تسمية المتأخرين، والمتقدمون - كابن المعتز - سموه
رد الأعجاز على الصدور. وقد قسَّمه ابن المعتز ثلاثة أقسام:
(أ) توافق آخر الفاصلة مع آخر كلمة في صدر ما قبلها مثل: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) .
(ب) توافق الفاصلة مع أول كلمة. في صدور ما قبلها ومثاله:
(وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) .
(جـ) توافق الفاصلة مع إحدى كلمات الوسط، ويسمى تصدير الحشو،
ومثاله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) . ًً
3 -
التوشيح: وهو أن يتقدم في أول الكلام ما يدل على الفاصلة دلالة
معنوية.
ومثاله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) .
لأن لفظ " اصطفى " يقتضي أن تكون الفاصَلة " العالَمين "
لأن المصطفىَ منه يجب أن يكون جنس المصطفى، ويفرق بين التصدير والتوشيح - بهذا المعنى - أن التوافق في التصدير لفظي.
وفي التوشيح معنوي.
4 -
الإيغال: وهو أن يختم الكلام بزيادة يتم المعنى بدونها.
ولكنها لا تخلو من الفائدة والتوكيد. وقد خصَّه ابن رشيق بالشعر، والصحيح خلافه.
ومثاله من القرآن الكريم: (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) .
فقولهَ تعالى: (وهم مهتدون) تأكيد لذلك المعنى، وتقرير له على وجه أمكن وأمثل، لأن اتباع المهتدي أمر مستحسن في نفسه تميل إليه النفوس ولا يختلف في فضله منصفان.
وقد تواترت الأخبار التي تدل على ما للفواصل من دور في خدمة المعاني
تأكيداً وتقريراً وتوضيحاً ورمزاً.
ومؤدى تلك الأخبار واحد هو أن الفاصلة واقعة موقعها من الكلام بحيث لا يسد غيرها مسدها.
ولشدة تمكنها فإن الكلام الذي يتقدمها يستدعيها فنجد السامع يتوقعها ويكاد يحدد نوعها متى أدرك معنى سابقها.