الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) .
هذا نص تشريعي خالص أدى بكلمات هادئة - كما ترى - حتى في مواضع
الإثارة من النص فأنت ترى فيه هذه التعبيرات وهي في مواطن الإثارة والحث
على عمل الخير: (لعَلكُمْ تَتقُونَ) - (فَمَن تَطوع خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) -
(وأن تَصُومُواْ خَيْرٌ لكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلمُونَ) - (وَلعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) .
وصفوة القول في ذلك أن ألفاظ القرآن فضلاً عن اختيارها وروعتها فى
أنفسها تأتى ملائمة للمقام الذي وردت فيه. ولو أدرتَ اللغة من ألفها إلى يائها لتضع موضع اللفظ آخر يسد مسده من كل الوجوه رجوتَ مستحيلاً. وعُدتَ كليلاً.
أما خواص اللفظ القرآني من حيث التعبير، بعد انتقائه في نفسه، وإصابته
المقتل في الدلالة على معناه. . فإننا منذ الآن يجدر أن نصطلح على نظرية نحن
بصدد التدليل عليها. وهذه النظرية هي:
*
منهج الالتزام:
ولهذه النظرية عدة جوانب: فمن التفرقة الدقيقة بين الألفاظ واستعمال كل
لفظ في معنى دون غيره مع استعمال نظيره فيه دون ما خلط بين استعمال
اللفظين. وهذا المنهج غير مألوف في أساليب الناس، وقد تقع تلك التفرقة
الدقيقة بين الألفاظ في استعمالات المادة الواحدة كأن يختص استعمالها فعلاً فى معنى ويطرد ذلك الاستعمال فيه. ويختص استعمالها اسماً في معنى آخر
كذلك. .
إلى التزام جمع الكلمة دون أن يأتى منها مفرد أو مثنى. أو التزامها مفردة
دون أن يستعملها مجموعة أو مثناة.
أو التزام استعمالها منفية. ولم ترد فيه مثبتة بحال من الأحوال.
إلى غير ذلك من الاعتبارات مما لا يقع تحت حصر إلا باستقراء الألفاظ
القرآنية كلها في بحث متخصص في هذه الناحية.
وهذا إجمال لا بدَّ له من تفصيل. وسنحاول عند التنبيه على هذه الخصائص
فى نماذجها توجيه هذا السلوك بقدر ما يهدى إليه النظر. مفوضين علم ذلك إلى الله فهو وحده المستأثر بأسرار كتابه.
- التزام الجمع:
فقد التزم القرآن جمع كلمتى: " الأرجاء " و " الألباب ". ولم يأت
منهما بمفرد ولا بمثنى. قال: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) .
وقال: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
- التزام الإفراد:
والتزم الإفراد في كلمة " الأرض " في كل موضع ذكِرَت فيه. وما أكثر
مواضع ذكرها فيه مصاحبة للسماء. أو السموات. وهي سواء أفردت السماء أو جُمِعتَ مذكورة معها فإن الإفراد هو طابعها في كل موضع.
قال: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) .
وقال (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) .
وحين يريد القرآن صيغة الجمع من الأرض فإنه لا يخرج عن مبدأ هذا الالتزام
فيأتى بالأرض مفردة. ويدل على الجمع منها بالوصف.
قال: (وَمِنَ الأرْضِ مِثْلهُن) .
أي مثل السموات سبع أرضين.
وقال: (وَفِى الأرْضِ قِطعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ. . .) .
ومما التزم فيه صيغة الجمع كلمة " أكواب " وكلمة " الظلمات ".
فلم تأت واحدة منهما في موضع منه مثناة أو مفردة.
قال: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) .
وقال: (فَنَادَى فِى الظُلُمَاَتِ) .
وكذلك التزم الجمع في كلمة " الأرائك " قال: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) .
وقالَ: (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) .
وفي مظاهر الكون التزم الإفراد في " الشمس " و " القمر ". و " الضحى "
و" النهار ". قال: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) .
وقال: (وَالضُحَى (1) وَاللَيْلِ إذَا سَجَى) .
ووجه الإفراد في الشمس والقمر ظاهر، إذ لا ثاني لهما في الوجود.
والتأمل إنما في الضحى والنهار.
فإذا أُريد بالنهار الجمع عدل عن لفظه إلى لفظ " الأيام " قال:
(سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) .
كذلك التزم الإفراد في لفظ " النور "، عكس التزامه الجمع في لفظ
" الظلمات ". والتزم التعريف في كلمتى " الناس " و " الصدور " مجموعاً
أو مفرداً.
قال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .
وقال: (يَا أيُّهَا الناسُ إنَّا خَلقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) .
وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
وقال: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) .
وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) .
وقال: (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلَامِ) .
وقال: (أَلمْ نَشْرَحْ لكَ صَدْرَكَ) .
- التزام التنكير:
والتزم التنكير في كلمة " شيء " في كل موضع وردت فيه.
قال: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وقال: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) .
وقال: (وَمِن كُل شَىءٍ خَلقْنَا زَوْجَيْنِ لعَلكُمْ تَةَبهرُونَ) .
وقال: (فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) .
وقال: (. . . لا تَسْألُواْ عَنْ أشْيَاءَ إن تُبْدَ لكُمْ تَسُؤكُمْ) .