الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشجرة، ثم تخلص من ذكرها إلى ذكر الزيت - ثم من ذكِر الزيت إلى صفة
النور وتضاعفه. ثم تخلصَ منه إلى نعمة الله بالهدى على مَنْ يشاء ".
ثم قال: ومنه قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) .
فإنه سبحانه ذكر أولاً عذاب الكفار وأن لا دافع له من الَله.
ثم تخلص إلى قوله: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) بوصف: (اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) .
ومنه قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) . . . إلى قوله: (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .
فهذا تخلص من قصة إبراهيم وقومه إلى قوله هذا.
وتمنى الكفار في الدار الآخرة الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا بالرسل،
وهذا تخلص عجيب.
ثم أخذ يسوق أمثلة كثيرة موضحاً ما فيها من اختلاف الأغراض وحسن
الربط بينها شأنه شأن ابن الأثير. بَيدَ أن ابن الأثير أطول منه باعاً، وأوسع
تحليلاً فيما عرض له.
هذه هي النظرة الصائبة إلى أسلوب القرآن، وبذلك يُدرك خطأ المخالفين.
* * *
*
قانون الربط بين الكلام:
ويضع الإمام بدر الدين الزركشي قانوناً لهذه الروابط في الجمل والمعاني غير
المعطوف بعضها على بعض، وكانت موضع توهم ألا ارتباط بينها.
ويُجمل هذا القانون في ثلاثة اعتبارات هي:
أولاً - التنظير:
فإن إلحاق النظير بالنظير دأب العقلاء، ومن أمثلته قوله تعالى:(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) .
عقب قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) .
فإن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله أن يمضى لأمره فى الغنائم على كره من أصحابه، كما مضى في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون.
وذلك أنهم اختلفوا يوم " بدر " في الأنفال، وحاجوا النبي صلى الله عليه وسلم وجادلوه فكره كثير منهم ما كان من فِعل الرسول صلى الله عليه وسلم في النفل، فأنزل الله هذه الآية، وأنفذ أمره بها.
وأمرهم أن يتقوا الله ويطيعوه، ولا يعترضوا عليه فيما يفعله فى شيء ما.
بعد أن كانوا مؤمنين. ووصف المؤمنين ثم قال: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) .
يريد أن كراهتهم لما فعلته من الغنائم ككراهتهم للخروج معك.
وقيل معناه: أولئك هم المؤمنون حقاً كما أخرجك ربك من بيتك بالحق.
كقوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) .
وقيل: الكاف صفة لفعل مضمر وتأويله: افعل في الأنفال كما فعلت فى
الخروج إلى بدر وإن كره القوم ذلك. . . فشبَّه كراهتهم فيما جرى من أمر الأنفال وقسمتها بالكراهة في مخرجه من بيته. . . وكل ما لا يتم الكلام إلا به من صفة أو صلة فهو من نفس الكلام.
وقد ذهب الزمخشري مذهباً قريباً من مذهب الزركشي.
وننقل فيما يأتي توجيهه للآية الحكيمة.
قال: " أن يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدأ
محذوف تقديره: هذه الحال كحال إخراجك. يعنى أن حالهم في كراهة ما رأيتَ من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب.
وأن ينتصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله: (الأنفَالُ لله
والرَسُول) أي الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتاً مثلَ
ثبات إخرَاج ربك إياك من بيتك وهم كارهون ".
وعلى ما ذكره صاحبا " البرهان " و " الكشاف " فالمناسبة واضحة.
إذ الكلام لم يخرج عن طريقة التشبيه، ولا يقال إن الجمع في الصورة التشبيهية بين المشبه والمشبه به، مع وضوح وجه الشبه،
اقتضاب أو جمع بلا تلاؤم.
ثانياً - المضادة:
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) .
فإن أول السورة كان حديثاً عن القرآن الكريم وأن من شأنه كيت وكيت.
وأنه لا يهدى الذين من صفاتهم كيت وكيت.
فرجع إلى الحديث عن المؤمنينِ، فلما أكمله عقب بما هو حديث عن الكفار. ففيهما جامع وهمي بالتضاد من هذا الوجه وحكمته التشويق والثبوت على الأول كما قيل:" وبضدها تتبين الأشياء ".
فإن قيل: هذا جامع بعيد، لأن كونه حديثاً عن المؤمنين بالعرض لا بالذات،
والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام؛ إنما هو الحديث عن الكتاب لأنه مفتتح القول.
قلنا: لا يُشترط في الجامع ذلك. بل يكفى التعلق على أي وجه كان،
ويكفى في وجه الربط ما ذكرنا، لأن القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به،