الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد يتوهم متوهم أن الساقط عليه قد ينجو وإن تعرض لطفيف الإصابات.
فكان هذا الاحتراس الحكيم الدافع لكل وهم: (فِى نَارِ جَهَنمَ) وهي - أى
النار - كفيلة بهلاكه ولو لم يسقط فيها. بل ولو دخلها في زينة عروس. . .
وهذه رابعة.
ثم " النار " ليست هي مطلق نار. فقد تكون ضعيفة لا تصيبه إلا بالحروق
التي - يمكن النجاة منها. لذلك، ودفعاً لهذا الاحتمال - كذلك - كانت النار المنهار فيها هي نار جهنم وهي معلوم شأنها:
(لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) .
(نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) .
(وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ) . . وهذه خامسة.
* *
*
ملاحظة أخرى في الموازنة:
وصفوة القول: لقد ناسب التعبير القرآني حال كل
من الصور أدق مناسبة قدر لها تقديراً
دون إيجاز مخل، ولا إطناب ممل.
بقيت ملاحظة أخيرة. .
فقد جاء في الصورة الأولى قوله تعالى: (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) .
وجاء في سورة آل عمران: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) .
الانقلاب في الموضعين مجاز تصويرى على طريقة الاستعارة التمثيلية،
شبهت فيه أحوال معقولة بصور محسوسة.
ومع ذلك نلحظ بينهما فرقين هامين:
أولهما: الانقلاب في آية الحج على الوجه.
أما في آية آل عمران فعلى العقبين.
الأول انكفاء على الوجه الذي هو أشرف ما في الإنسان.
والثاني سقوط إلى الخلف.
ثانيهما: جاء بعد الانقلاب في آية الحج قوله تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) .
وهذه الخاتمة تجعلنا في يأس من إصلاح حال مَن كان الحديث في شأنه.
كما أننا نتبين مدى خسرانه وكونه ظاهراً لفداحته.
وجاء بعد الانقلاب في آية آل عمران قوله تعالى:
(وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) .
وهذه الخاتمة تدلنا على شيئين:
أن الانقلاب لا يضر إلا صاحبه فلا يلحق بالله - سبحانه - منه شيء.
وأن الله مع هذا كفيل بجزاء الشاكرين.
الخاتمة - كما ترى - في الموضعين مختلفة من حيث الدلالة:
الأولى ميئسة، والثانية فاتحة لأبواب الرجاء.
* *