الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ)(و) إقناع العقل. . وإمتاع العاطفة:
فى النفس قوتان، قوة تفكير وقوة وجدان. وحاجة كل واحدة منهما غير
حاجة الأخرى. ولا تجد بليغاً يفى لك بحاجة القوتين في عبارة واحدة. ولكنك تجد ذلك في القرآن الحكيم. في أجمل صورة وأوضح بيان.
(ز)، (ح) البيان. والإجمال:
وهذه عجيبة أخرى لا تجدها في غير القرآن؛ لأن الناس إن عمدوا إلى تحديد
أغراض لم تتسع لتأويل. وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام والإلباس، أو اللغو
الذي لا يفيد، ولا يكاد يجتمع لهم هذان الطرفان في كلام واحد.
أم القرآن فإنه يستثمر برفق أقل ما يمكن من الألفاظ في أكثر ما يمكن من
المعاني يستوى في ذلك مواضع إجماله. التي يسميها الناس مقام الإيجاز،
ومواضع تفصيله التي يسمونها الإطناب. . . ولذلك نسميه إيجازاً كله لأننا نراه فى كِلا المقامين لا يجاوز سبيل القصد، ولا يميل إلى الإسراف.
* * *
*
تعقيب:
هذه خلاصة أمينة لخصائص القرآن كما ذكرها دراز، حاولتُ قدر المستطاع أن أحافظ على عبارته إلا ما قَل من التصرف توخياً للإيجاز.
ونحن مع المؤلف في نتائجه، لكننا لا نرى سنداً يمكن أن يُعتمد عليه فى
عده أسلوب القرآن إيجازاً كله. وذلك للأسباب الآتية:
1 -
أنه خرقٌ لما أجمع عليه العلماء من أن في القرآن إيجازاً وإطناباً ومساواة
وقد أقاموا الدليل القاطع على كل أولئك.
2 -
أن القرآن نفسه حين يقارن بين موضعين فيه اتحدا في الفكرة نجد فروقاً
بين ذينك الموضعين أحدهما: ملحوظ فيه الإطناب في موضع، والثاني:
الإيجاز، ومن أمثلة ذلك:
ما ورد في قصة آدم عليه السلام في سورة " أهل الكهف " حيث لم يتعد
الآية الواحدة، بينما جاء في مواضع أخرى " الحجر " و " سورة ص "
- مثلاً - مطنباً إذا ما قسناه بآية الكهف.
3 -
أن هذا الرأي - اعتبار القرآن إيجازاً كله - فيه خروج بالأسلوب عن
طبيعته، وقد علمنا انقسام الكلام إلى هذه الأنواع الثلاثة. . وأن كلا منها
مقتضى حال له دواعيه.
ومجاراة المؤلف على رأيه عجلة لا مبرر لها. ولو أنه قال: " إن ما فى
اللفظ أو التركيب القرآني من ثراء المعنى وتعدد جهاته ما يكاد يعتبر القرآن على ما فيه من إطناب ومساواة إيجازاً كله " لكان له مندوحة من القول، أما وقد أصرَّ على رأيه إصراراً. فإن الحيطة تقتضى النظر إليه بحذر فلا ننساق.
ومهما كان في هذا الجانب من مغالاة، فإن درازاً عالم ضليع. وفيلسوف
عميق النظر استطاع أن يخرج لنا كتاباً في القرآن فيه جدة. ومتعة. وتوجيه.
* * *
9 -
محمد عبد العظيم الزرقاني:
وضع الزرقانى كتاباً في جزءين أسماه " مناهل العرفان في علوم القرآن "
وهو كتاب غنى بالمعلومات الوفيرة، والاجتهادات الصائبة التي تختص بعلوم
القرآن المختلفة.
وقد تحدث في الجزء الثاني منه عن إعجاز القرآن وذكر لذلك أربعة عشر
وجها هي على الترتيب:
لغته وأسلوبه - طريقة تأليفه - علومه ومعارفه - وفاؤه بحق
البَشر - موقف القرآن من العلوم الكونية - سياسته في الإصلاح
- أنباء الغيب فيه - آيات العتاب - ما نزل بعد طول انتظار
- مظهر النبي صلى الله عليه وسلم عند هبوط الوحي عليه - آية الباهلة - عجز الرسول عن الإتيان بمثله! - الآيات التي تجرد الرسول من نسبته إليه - تأثير القرآن ونجاحه.
ذلك وجه الإعجاز عنده. وما رأيتُ بين من كتب في إعجاز القرآن مَن
يخلط مثل هذا الخلط. فيُدخل في الإعجاز ما ليس منه. وهذه الأوجه التى
ذكرها لا يدخل في باب الإعجاز منها سوى الأولين وإن أمكن دمجهما
تحت " الأسلوب ".
وإلا فما صلة ما نزل بعد طول انتظار بالإعجاز؟ وما صلة مظهر النبي عند
نزول الوحى بالقرآن به؟ كذلك وما صلة آية الباهلة به؟
ثم كيف ساغ للمؤلف أن يجعل " عجز النبي عن الإتيان بمثله " عنواناً لوجه
من وجوه الإعجاز؟ وهذا العنوان يوحى في ظاهره أن النبي عليه السلام حاول أن يأتى بمثله فكبا!!
والآيتان اللتان استشهد بهما وهما قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) .