الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون أن يكون قد ألف مع غيره. أفلا ترى أنه إن قدر في " اشتعل " من قوله
تعالى: (وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْباً) أن لا يكون " الرأس " فاعلاً له،
ويكون " شيباً " منصوباً عنه على التمييز لم يتصور أن يكون مستعارا وهكذا السبيل في نظائر الاستعارة فاعرف ذلك ".
* * *
*
والخلاصة:
فالإعجاز إذن عند عبد القاهر في النظم والتأليف على طريقة
مخصوصة وليس شيئاً خارجا عنه.
وأن الوجوه البلاغية ليست أصلاً فى الإعجاز.
وإنما تدخل في مقدماته من حيث إنها دعامة في بناء الأسلوب أو
النظم الرفيع، والقرآن إنما أعجز العرب بهذا الوصف دون ما سواه.
وقد حلل عبد القاهر في مواضع مختلفة بعض نصوص القرآن الكريم مبينا
ما فيها من سمات أسلوبه الدقيق. ونظمه الرائع.
مثل قوله تعالى: (وَقيلَ يَا أرْضُ ابْلعِى مَاءَكِ. . . . . .) .
وقوله تعالى: (وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْباً. . . .) .
وكان في تحليله لهما بارعاً كل البراعة. فاهما كل الفهم لجودة الأسلوب
ومواطن الجمال فيه.
ولهذا كان منهج عبد القاهر ذا خطر عظيم في فهم النصوص ونقدها منتهيا
من كل ذلك إلى نتائج تكاد تشبه القوانين الرياضية لا يكاد يختلف معه فيها
منصف.
وكان كتابه " دلائل الإعجاز " فتحاً جديدا في النقد الجمالى، ومن أوضح وأعمق ما كُتِبَ في دلائل الإعجاز.
* * *
6 -
جلال الدين السيوطي:
وضع السيوطي كتاباً في إعجاز القرآن أسماه " معترك الأقران في إعجاز
القرآن " ويقع في ثلاثة أجزاء كبار وقام بتحقيقه لأول مرة الأستاذ على محمد
البجاوى، وبلغت صفحات الجزء الأول منه " ستمائة وثلاثاً وأربعين صفحة"،وهو الجزء الذي تمكن لى الاطلاع عليه.
وعنوان الكتاب يوحى بموضوعه. فقد جمع فيه السيوطي آراءً وأقوالاً
مستفيضة حول إعجاز القرآن وعلومه المختلفة.
والكتاب مليء بالمعارف والتوجيهات العلمية فهو بحق سفر من أسفار الدراسات القرآنية الجادة.
وبلغت وجوه إعجاز القرآن في هذا الجزء خمسة وثلاثين وجهاً قال السيوطي
فى مقدمة ذكرها: " وقد أفرد علماؤنا - رضى الله عنهم - بتصنيف إعجاز
القرآن، وخاضوا في وجوه إعجازه كثيراً، منهم الخطابى والرماني،
والزملكانى، والإمام الرازى، وابن سراقة، والقاضي أبو بكر الباقلاني (1) .
وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين.
والصواب أنه لا نهاية لوجوه إعجازه كما قال السكاكى في الفتاح:
" اعلم أن إعجاز القران يُدرك ولا يمكن وصفه. كاستقامة الوزن تُدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة. وكما يُدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت، ولا يدرك تحصيله لغير ذوى الفطر السليمة، إلا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهاً.
ويؤخذ من هذا النص ما يأتى:
أولاً: أن السيوطي مؤمن بأن ما ذكره من الوجوه الخمسة والثلاثين التي عزا إليها
(1) فات المؤلف ذكر عبد القاهر الجرجانى والجاحظ من قبله. وهو وإن كان له العذر في إغفال الجاحظ لضياع كتابه " نظم القرآن " فليس له عذر في إغفال عبد القاهر وكتابه " الدلائل " ذائع الصيت.
الإعجاز القرآني، والتي أنهاها بعضهم إلى ثمانين كما ذكر هو، مؤمن بأن
هذه الوجوه كلها تصلح توجيها لبيان الإعجاز القرآني.
ثانياً: ومما يراه السيوطي كذلك أن وجوه الإعجاز لا تقف عند هذا الحد. بل هى لا نهاية لها.
ثالثاً: أنه يتخذ من عبارة السكاكى التي نقلها دليلاً على رأيه.
والحق أن عبارة السكاكى لا يُفهم منها صراحة أن السكاكى يرى تعدد وجوه الإعجاز على الوجه الذي نهج عليه السيوطي. فقد يكون الإعجاز عنده - السكاكى - وجهاً واحداً يُدرك ولا يمكن ضبطه وجعله تحت مقياس معين. وقد يكون وجوها كثيرة لا تخضع لقواعد الحساب.
وعلى كل فإن استشهاد السيوطي بكلام السكاكى غير مسلم.
فهل لاستقامة الوزن عامل واحد أدى أن يكون جميلاً آسراً. أم له عوامل متعددة.
الذي أفهمه أن السكاكى يرى أن الجمال الفنى - وفي قمته الإعجاز - إحساس نفسي لا تتيسر العبارة عنه، وذلك شأن الحقائق الكبرى.
فإذا رجعنا إلى ما ذكره السيوطي فإننا نجد بين ما ذكره وجوهاً هي قطعاً
ليست من الإعجاز في شيء. وإن كانت لازمة من لوازم القرآن.
من ذلك أنه ذكر أول وجه من وجوه إعجازه " العلوم المستنبطة منه "،
ثم " كونه محفوظاً من الزيادة والنقصان "، و " مشتبهات آياته "،
و" ورود مشكله "، و "وقوع ناسخه ومنسوخه "، ثم " ما انطوى
عليه من الإخبار بالمغيبات "، ثم " إخباره بأحوال القرون السالفة والأمم
البائدة "، ثم " تيسيره تعالى حفظه وتقريبه " هذه وجوه ثمانية، ولها