الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
كتاب البديع وسبب تأليفه:
ألف ابن المعتز - أبو العباس عبد الله بن المعتز (المتوفى 296 هـ) كتابه
" البديع " سنة 274 هـ.
وكان الباعث له على تأليفه ما يوضحه هو نفسه:
" قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة، وأحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم. . وأشعار المتقدمين من الكلام
الذي سماه المحدثون بديعاً ليعلم أن بشاراً ومسلماً وأبا نواس ومَن تقبَّلهم لم
يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في زمانهم حتى سمى بهذا الاسم فأعرب عنه
ودل عليه، ثم إن حبيب بن أوس الطائى - من بعدهم - شغف به حتى غلب
عليه. . . وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض. . . وتلك عقبى
الإفراط وثمرة الإسراف ".
* البديع. . خمسة:
وقد بحث ابن المعتز في كتابه خمسة فنون تحت اسم " البديع " هي:
الاستعارة والتجنيس، والمطابقة، ورد الأعجاز على الصدور، والمذهب
الكلامى. . وحد ينتهى من الحديث عنها يردف عليها فنوناً أخرى بلغ بها ثلاثة عشر فناً سماها " محاسن الكلام ".
ويوضح أن هدفه من ذكر هذه الأنواع كلها لم يكن الحصر الشامل لجميع أنواع البديع ولا لجميع أنواع المحاسن،
وليس لأحد أن يدعى ذلك.
ويبدأ بالاستعارة فيُعرفها بأنها: " استعارة الكلمة لشيء لم يُعرف بها من
شيء قد عُرف بها ". وساق لها شواهد كثيرة من القرآن منها: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ،
ومن الحديث النبوى: ". . . كلما سمع هيعة طار إليها ".
ومن كلامَ الصحابة قول علىَ كرم الله وجهه:
". . . واحلل عُقد الخوف عنهم "،
ومن كلام غيرهم قال: قال بعض الصالحين في ذم الدنيا:
دار غرست بها الأحزان. . . ".
وتكاد تكون الأمثلة التي ذكرها من قبيل
الاستعارة المكنية، كما تحدث عن الاستعارات الرديئة وذكر طائفة منها مثل! :
فَضَرَبْتُ الشتا في أخْدَعَيْهِ. . . ضَربةً غَادَرَتْهُ عَوْداً ركُوبا
وينتقل إلى الحديث عن التجنيس، ويُعرفه بقوله: أن تجيء الكلمة تجانس
أخرى في شعر أو كلام، ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على
السبيل الذىَ ألف الأصمعى كتاب " الأجناس " عليها. .
ويقسمه إلى نوعين: ما تجانس فيه الكلمتان في الحروف والمعنى، ومثل له بقول الشاعر:
يَوْمَ خَلجْتَ على الخليج نُفوسَهُمْ. . . غَضَباً وأنْتَ بِمْثِلهَا مُسْتَتامُ
أو يكون تجانسهما في الحروف دون المعنى، ومثل له بقول الشاعر:
يا صاحِ إنٌ أخَاكَ الصبَ مَهْمُومُ. . . فَارْفِقْ بِهِ إن لوم العَاشِقُ اللُّومُ. . .
أى اللؤم.
وبقوله تعالى: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ،
وقوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) . . .
وبقوله عليه الصلاة والسلام:
" عصيّة عصت الله، وغفَار غفر الله لها ".
ومن الشعر بقول أبى تمام:
جَلَا ظلُلماتِ الظُلم عَنْ وَجْهِ أُمَّةِ. . . أضَاءَ لهَا مِنْ كَوكَبِ الحقِّ آفِلُهْ
وقد ساق كثيراً غير الذي ذكرناه.
وهو: إن لم يقسم الجناس إلى أنواعه المعروفة.
فإن كثرة الأمثلة التي ساقها كانت دليلاً للمتأخرين الذين نظروا فيها
وتوصلوا إلى وضع أقسام الجناس المختلفة وضبطها.
وطفق يتحدث عن الطباق - أو المطابقة - ويذكر تعريف الخليل له: " يقال
طابقتُ بين الشيئين إذا جمَعتهما على حذو واحد ".
ويمثل له من القرآن بقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) ،
ويقول الرسول عليه السلام: "إنكم لتكثرون عند الَفزع، َ وتقلون عند الطمع ".
ومن الشعر بقول عبد الله بن الزبير الأسدى:
فَرَد شُعُورَهُن السودَ بِيضاً. . . وَرَد وَجُوهَهُن البِيضَ سُود،
وبعد أن أفاض في ذكر أمثلة الطباق الجيد ذكر ما رديء منه ممثلا له بقول
الأخطل:
قُلتُ المقامُ وَناعِبٌ قَالَ النوَى. . . فعَصَيْتُ أمْرِى وَالمطاعُ غُرابُ
ويُعلق عليه بقوله: وهذا من غث الكلام وبارده.
ثم تحدث عن رد الإعجاز على الصدور، وقسمه ثلاثة أقسام.
أولها ما وافق فيه آخر كلمة من البيت، آخر كلمة في نصفه الأول،
ومثل له بقول الشاعر:
تَلقَى إذ ما الأمْرُ كَانَ عَرَمْرَمَا. . . في جَيْشِ رَأى لَا يُفَل عَرْمَوِمُ
وثانيها: ما يوافق فيه آخر كلمة من البيت أول كلمة في نصفه الأول،
ومثاله قول الشاعر:
سَرِيعٌ إلى ابْنِ العَئمَ يَلطمُ وَجْهَهُ. . . وَليْسَ إلى داع الندَى بِسَرِيع
وثالثها: ما يوافق فيه آخر كلمة من البيت بعض ما فيه، ومثاله قول
الشاعر:
عَمِيدُ بَنى سُليْم أقْصَدَتْهُ. . . سِهَامُ الموْتِ وَهِى لهُ سِهَامُ
ثم ختم حديثه عن فنون البديع الخمسة بالحديث عن المذهب الكلامى، ويقول:
إن الجاحظ هو الذي دعاه بهذا الاسم وإنه باب لم يجيء في القرآن منه شيء وهو ينسب إليه التكلف - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وهو - لهذا - يقتصر في أمثلته على غير القرآن والحديث.
ولم يذكر له تعريفاً كما صنع في الأنواع الأربعة السابقة، وأمثلته التي ذكرناها لم تبلغ من حيث الإفاضة مثل ما أفاض في غيره.
ويبدو من هذا كله أن ابن المعتز - وهو الشاعر الرقيق الحس والناقد الحاد الذكاء - لم يرتح لهذا الفن لجريه على طريقة
أهل المنطق، كما جاء في كتاب " الصناعتين " لأبى هلال.
ونرى أبا هلال يحذ حذو ابن المعتز في أن القرآن يخلو من استخدام المذهب
الكلامى، أو هو - على الأقل - يردد ما قاله ابن المعتز، ثم يمثل له من غير
القرآن ومن غير الأحاديث، والباحث المدقق إذا نظر إلى هذا الفن - المذهب الكلامى - من حيث تعريفه عندهم ومن حيث الأمثلة التي ذكروها - تطبيقاً عليه - لا يعدم له مثالاً أو أمثلة في القرآن الكريم بل والسنة. والحُجة التي ذكروها وهي " التكلف ". ليست بلازمة في المذهب الكلامى. وهي عيب اشترط النقاد براءة البديع كله منه لا المذهب الكلامى فحسب.
فكلما استخدم القرآن البديع بألوانه المختلفة - خالياً من كل عيب - استخدم - كذلك - المذهب الكلامى - خالياً من عيب التكلف وغيره من العيوب الأخرى.
وحسبنا أن نذكر أن له أمثلة من القرآن، لا تختلف مع ما ذكروه من أمثلة
عليه من خارج القرآن، من حيث اندراجها تحت التعريف.
جاء في هامش " الصناعتين " ما يأتى:
" قالوا في تعريفه: هو إيراد حُجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام.
وهو أن تكون المقدمات بعد تسليمها مستلزمة للمطلوب. .
وعلى ذلك لم يستشهد على المذهب الكلامى بأعظم من شواهد القرآن، وأوضح الأدلة في شواهد هذا النوع قوله تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) ، قالوا فى
تقرير ذلك: وتمام الدليل أن تقول: لكنهما لم تفسدا فليس فيهما آلهة
غير الله.
وهذا الذي ذكره حق، ومن أمثلته - أيضاً - في القرآن:(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) .
وقوله: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) .
وقوله: (كَمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ) .
وقوله: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) .
وقوله: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) .
وغير ذلك كثير، وإذا جاز لابن المعتز ومن بعده أبو هلال أن ينكرا وجود هذا النوع في القرآن، ابن المعتز بالأصالة وأبو هلال بالتقليد، فالأمر يسير لتقدم زمنيهما، فكيف يجوز لبعض المحدثين متابعتهما في ذلك؟
فقد رأينا الدكتور شوقى ضيف يذكر عن ابن المعتز هذه الشبهة - شُبهة
التكلف في المذهب الكلامى وعدم وروده في القرآن لذلك - دون أن يُنبه إلى وجه الصواب فيها على كثرة معالجته لكثير من المشاكل التي تعرض لها كتاب " البديع "
* * *