المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ نماذج من تحليلاته: - خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية - جـ ١

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌تقديم

- ‌الباب الأولمدخل إلى البحث* وظيفة التعبير اللغوي وتطورها.* قيمة الوجوه البلاغية في جمال التعبير اللغوي

- ‌الفصل الأولوظيفة التعبير اللغوي وتطورها

- ‌‌‌ الآراء حول نشأة اللغة:

- ‌ الآراء حول نشأة اللغة:

- ‌ أنواع التعبير اللغوي:

- ‌ تطور التعبير اللغوي:

- ‌ اللغة - إذن - - ما هي

- ‌ عناصر اللغة:

- ‌ عناصر المعنى اللغوي:

- ‌ الجملة اللغوية:

- ‌ رأى عبد القاهر الجرجانى:

- ‌ رأي ابن خلدون:

- ‌ الفروق بين العلمي والأدبي:

- ‌ صلة التعبير اللغوي بالتفكير:

- ‌ مناقشة سريعة:

- ‌ صلة التعبير اللغوي بالذكاء:

- ‌ وظيفة اللغة - إذن - ما هي

- ‌الفصل الثانيقيمة الوجوه البلاغية في جمال التعبير اللغوي

- ‌ العصر الجاهلي:

- ‌ العصر الإسلامي:

- ‌ العصر الأموي:

- ‌ العصر العباسي:

- ‌ كتاب البديع وسبب تأليفه:

- ‌ محاسن الكلام:

- ‌ قدامة بن جعفر:

- ‌ ابن طباطبا:

- ‌ أبو هلال العسكرى:

- ‌ قيمة الكتاب:

- ‌ الطبع والصنعة:

- ‌ صلة البلاغة بقضايا النقد الكبرى:

- ‌ تقديم اللفظ على المعنى:

- ‌ قيمة هذا المذهب:

- ‌ نظرة عادلة:

- ‌ وقفة:

- ‌ قيمة مذهب عبد القاهر:

- ‌ الموازنة بين معنى ومعنى:

- ‌ القاضي الجرجاني:

- ‌ حصيلة هذه الجولات

- ‌ الألفاظ:

- ‌ المعاني:

- ‌ منارات على الطريق:

- ‌الباب الثانيخصائص التعبير في القرآن الكريم* الإعجاز العلمي والتشريعي.* الإعجاز البياني الأدبي.* خصائص يغلب عليها جانب الألفاظ.* خصائص يغلب عليها جانب المعنى

- ‌الفصل الأولالإعجاز العلمي والتشريعي

- ‌ رأى آخر للنظام:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأى متطرف:

- ‌ ابن حزم والصرفة:

- ‌ الرماني والقول بالصرفة:

- ‌ ما هو مذهب الجاحظ في الإعجاز

- ‌ نقد مذهب الصرفة:

- ‌ مقارنة جديدة:

- ‌ وهم زائل:

- ‌ كيف تحدى القرآن العرب

- ‌ دليل آخر في إبطال القول بالصرفة:

- ‌ هل عورض القرآن

- ‌ التسليم بوجود المعارضة يخدم قضية الإعجاز:

- ‌ القيمة التاريخية لقصص القرآن:

- ‌ حكمة أُميًة النبي صلى الله عليه وسلم وقومه:

- ‌ قيمة هذه النظريات:

- ‌الفصل الثانيالإعجاز البياني الأدبى

- ‌ اضطراب الرماني في الرأي:

- ‌ نماذج من تحليلاته:

- ‌ وقفة مع الباقلاني:

- ‌ البديع والإعجاز عند الباقلاني:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ الإعجاز كائن في النظم:

- ‌ استداراك منصف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ نماذج من تحليلاته البيانية:

- ‌ وجوه الإعجاز البياني عند الرافعي:

- ‌ إيضاح لازم:

- ‌ قيمة ما انتهى إليه الرافعي:

- ‌ ما يؤخذ عليه:

- ‌ دفاع عنه:

- ‌ خصائص أسلوب القرآن عند دراز:

- ‌ تعقيب:

- ‌ اجتهد فخالف نصاً

- ‌ ليس في الجديد جديد

- ‌ تنويه:

- ‌ آراء منثورة في الإعجاز القرآني:

- ‌ تعقيب ونقد:

- ‌ دور البلاغة في الأسلوب الجميل:

- ‌ رأي جامع:

- ‌الفصل الثالثخصائص يغلب عليها جانب الألفاظ

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ أرجح الآراء في هذا المجال:

- ‌ تمثيل وإيضاح:

- ‌ المجموعة الشرطية:

- ‌ خصائص المجموعة الشرطية:

- ‌ سر الحروف الساكنة:

- ‌ حقيقة كبرى:

- ‌ معان إضافية موحية:

- ‌ مطالع سور المجموعة الشرطية:

- ‌ سِرُّ " إذا

- ‌ إيثار غير " إذا

- ‌ ظاهرتان عامتان:

- ‌ آراء العلماء حول السجع في القرآن:

- ‌ دليل السجع من القرآن نفسه:

- ‌ رد هذا الدليل:

- ‌ وظيفة الفواصل اللفظية:

- ‌ وظيفة الفواصل المعنوية:

- ‌ اختلاف الفواصل لاختلاف المعاني:

- ‌ اختلاف الفواصل مع اتحاد المعنى:

- ‌ فواصل تحتاج إلى تأمل:

- ‌ دليل من الشعر العربي:

- ‌ أقسام الفواصل:

- ‌ بحث جديد في الفوصل القرآنية:

- ‌ فواصل الآي الطوال:

- ‌ فواصل الآي القصار:

- ‌ غرضان من سورة " الغاشية

- ‌ تحليل آية " التداين

- ‌ دليل يؤيد هذه الفكرة:

- ‌ روعة اللفظ القرآني في نفسه

- ‌ ألفاظ حسنت في القرآن وعيبت في غيره:

- ‌ سمات أخرى لحسن اللفظ في القرآن:

- ‌ سياسة لغوية:

- ‌ توجيه القرآن لانتقاء الألفاظ:

- ‌ ملحظ بياني دقيق:

- ‌ إيثار أحد اللفظين للمناسبة:

- ‌ كنايات القرآن عما يقبح التصريح به:

- ‌ شُبه مردودة:

- ‌ وجوه الرد:

- ‌ إصابة اللفظ القرآني:

- ‌ طريق الدلالة في اللفظ القرآني:

- ‌الظل

- ‌ الجرس:

- ‌ الظل والجرس:

- ‌ تناسب اللفظ القرآني مع معناه:

- ‌ الذم:

- ‌ إجمال:

- ‌ الترغيب:

- ‌ العتاب:

- ‌ عتاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ عتاب المؤمنين:

- ‌ التشريع:

- ‌ منهج الالتزام:

- ‌ وجه آخر لنظرية الالتزام:

- ‌ الأب ليس والداً

- ‌ ملحظان هامان:

- ‌ اعتراض مدفوع:

- ‌ والوالدة. . أب

- ‌ سر التغليب:

- ‌ النعمة ليست نعيماً:

- ‌ مغزى السؤال:

- ‌ والمرأة. . ليست زوجاً:

- ‌ استعمال كلمة " المرأة

- ‌ شُبهة وردها:

- ‌ استعمال كلمة " زوج

- ‌4 - النغم القرآني:

- ‌ فرق جديد بين القرآن وغيره:

- ‌ مجيئه على تفاعيل الشعر في الظاهر:

- ‌ النغم القرآني عند المحدَثين:

- ‌ مطاعنهم في القرآن. . مبعثها الإعجاب:

- ‌ لماذا سموه شِعرا:

- ‌ خاصتان بارزتان:

- ‌ النغم في الآيات القصار:

- ‌ مراحل إعداد الطعام:

- ‌ مشاهد مطوية:

- ‌ هندسة الجمل:

- ‌ ثلاث فواصل متحدة:

- ‌ مغزى الفاصلة معنوي أولاً:

- ‌ شمس الدين ابن الحنفى، والفواصل القرآنية:

- ‌ وقفة ناقدة:

- ‌ التكرار:

- ‌ وظيفة التكرار في القرآن:

- ‌ تكرار الكلمة مع أختها:

- ‌ تكرار الفاصلة:

- ‌ تكرار الفاصلة في " القمر

- ‌ تكرار آخر في " القمر

- ‌ التكرار في " الرحمن

- ‌ التكرار في " المرسلات

- ‌ سبب عام:

- ‌ التكرار في القصة:

- ‌ دواعي التكرار في القصة:

- ‌دراسة تحليلية لقصة آدم

- ‌ عناصر القصة في سورة " ص

- ‌ عناصر القصة في " طه

- ‌ عناصر القصة في " الإسراء

- ‌ عناصر القصة في " الحِجْر

- ‌ عناصر القصة في " الكهف

- ‌ عناصر القصة في سورة " البقرة

- ‌ ملاحظة جديرة بالتسجيل:

- ‌ ملاحظات:

- ‌ سكنى الجنة:

- ‌ وسوسة الشيطان لهما وما ترتب عليها:

- ‌ أمر الله لهم بالهبوط إلى الأرض:

- ‌ الجديد في القصة في العهد المدني:

- ‌ ملاحظة مهمة أخرى:

- ‌ الملامح الخاصة بكل مصدر من مصادر قصة آدم:

- ‌ لماذا اختلفت أساليب الحكاية والمحكي عنه واحد

- ‌ خلاصة:

- ‌الفصل الرابعخصائص يغلب عليها جانب المعنى

- ‌ لماذا كان المعنى في القرآن ثريا

- ‌ توارد المعاني على اللفظ الواحد:

- ‌ السوء:

- ‌ احتمال اللفظ لمعان متعددة:

- ‌ الجمل والفقرات:

- ‌ القراءات وتعدد المعنى:

- ‌ القيود وتعدد المعنى:

- ‌ سر هذه الظواهر:

- ‌ سؤال لا بدَّ منه:

- ‌ الباقلاني وبلاغة القرآن:

- ‌ الرافعي وبلاغة القرآن:

- ‌ نصح وعناد:

- ‌ طى اسم الرسول:

- ‌ جواب اليهود:

- ‌ دور الرد والمناقشة:

- ‌ إفحام الخصم:

- ‌ صناعة القرآن:

- ‌ هل في القرآن اقتضاب

- ‌ مبنى الشُّبهة:

- ‌ رد الشبهة:

- ‌ حسن التخلص في القرآن:

- ‌ قانون الربط بين الكلام:

- ‌ فيما بين الزركشي والباقلاني:

- ‌ رد جديد على الشُّبهة:

- ‌ الكوثر وجارتاها في المصحف:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌ سياسة حكيمة:

- ‌ الناس ثلاثة أنواع:

- ‌ المستحيل. . ممكن

- ‌ التسامح مع المخالفين:

- ‌ عودة للتشريع:

- ‌ لقطات مثيرة:

- ‌ نصيب العاطفة:

- ‌ إغراء:

- ‌ ترقيق العاطفة:

- ‌ الدعوة إلى الإصلاح:

- ‌ الجدل القرآني:

- ‌ قضية التوحيد

- ‌ عرض مقولة المشركين:

- ‌ موقف القرآن من هذه الشُّبهة:

- ‌ طريقان لدعوة الناس إلى الحق:

- ‌ استدراج يؤدى إلى العجز:

- ‌ نماذج أخرى فيها دلالة التوحيد:

- ‌ حوارٌ حيٌّ:

- ‌ منطق تصويري:

- ‌ الكون دلالة التوحيد الكبرى:

- ‌ ضعف الأصنام:

- ‌ نُذُر على ألسنة الرسل:

- ‌ إبراهيم يجادل قومه:

- ‌ و (هودٌ) يجادل قومه:

- ‌ نجاة وهلاك المخالفين:

- ‌ السخرية من الأصنام:

- ‌ منهج تربوي:

- ‌ عرض ونقد:

- ‌ هدفنا من النقد:

- ‌ قطب واحد:

- ‌ المشكلة الثانية - قضية البعث:

- ‌ رد شُبه الإنكار:

- ‌ سببان للإنكار:

- ‌ صحة البعث حقيقة:

- ‌ استدلال ممتع:

- ‌ دعوى مردودة:

- ‌ منزع الأدلة في المشكلتين:

- ‌ خصائص الجدل القرآني

- ‌ حقيقة مهمة:

- ‌ جرائم ثلاث:

- ‌ نقض ". . في القرآن:

- ‌ نتيجة:

- ‌ القطع والوصل:

- ‌ ضعف العقيدة:

- ‌ صورة أدبية موحية:

- ‌ إثارة الخيال:

- ‌ صورتان متماثلتان:

- ‌ مقومات الجمال في النص:

- ‌ مجازان تمثيليان:

- ‌ تحليل المجاز في (شَفَا حُفْرَةٍ) :

- ‌ موازنة بين الصور الثلاث:

- ‌ أثر هذه الفروق:

- ‌ ملاحظة أخرى في الموازنة:

- ‌ سر الاختلاف

- ‌ كواكب مضيئة:

- ‌الريح

- ‌ الليل والنهار والصبح:ولكنها في القرآن أنفس حية

- ‌ الأرض تهتز وتنشط:

- ‌ الدعاء له طول وعرض:

- ‌ الحيرة والقلق:

- ‌ لفتة خاطفة:

الفصل: ‌ نماذج من تحليلاته:

أما المتلائم في الطبقة العليا فهو القرآن وحده. كله لا بعضه ونص عبارته:

" والتلائم في الطبقة العليا القرآن كله، وذلك بَينٌ لمن تأمله ".

* * *

*‌

‌ نماذج من تحليلاته:

قال في باب الإيجاز: " والإيجاز على وجهين: حذف وقصر.

فالحذف إسقاط كلمة للاجتزاء عنها، بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام.

والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.

فمن الحذف:

(وَاسْأل القَرْيَةَ) ، و (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) . .

ومنه حذف الأجوبة وهذَا أبلغ من الذِكر وما جاء منه فى القرآن كثير ".

" وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف

غامضاً. . فمن ذلك: (وَلكُمْ في القصَاص حَيَاةٌ)، ومنه:(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) . .

وهَذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير.

وقد استحسن الناس من الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل.

ويينه ويين لفظ القرآن تفاوت في البلاغة والإيجاز.

وقال في باب التشبيه: ". . ونحن نذكر بعض ما جاء في القرآن من

التشبيه وننبِّه على ما فيه من البيان بحسب الإمكان.

فمن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كفَرُواْ أعْمَالُهُمْ كسَرابٍ) ، فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحَاسة إلى ما تقع عليه.

وقد اجتمعا في بطلان التوهم مع شدة الحاجة، وعظم الفاقة.

ولو قيل: يحسبه الرائى ماء، ثم يظهر أنه على خلاف ما قدر

ص: 140

لكان بليغاً. وأبلغ منه لفظ القرآن: لأن الظمآن أشد حرصاً عليه، وتعلق قلبه به. ثم بعد هذه الخيبة، حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد فى النار. . . وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة ".

وقال في باب الاستعارة: "ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة

على جهة البلاغة.

قال الله عز وجل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) : حقيقة " قدمناَ " هنا: عمدنا. و " قدمنا "

أبلغ منه، لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر، لأنه من أجل

إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم. ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم.

وفى هذا تحذير من الاغترار بالإمهال، والمعنى الذي يجمعهما العدل، لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل. والقدوم أبلغ لما بيَّنا.

وأما " هباءً منثوراً " فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه حاسة ".

وعلى هذا النمط الرائع يمضى الرماني في كثير من الأمثلة التي ذكرها شواهد

على الفنون البلاغية في الأبواب الثلاثة المذكورة، وفي غيرها من الأبواب

السبعة الأخرى.

وفي كل موضع ينتصر لأسلوب القرآن ويكشف مظاهر الجمال

فيه، ويخلص إلى أحكام نقدية مهمة حتى أصبح ما كتبه مصدراً غنياً للاحقين

سواء أكان ذلك في فنون البلاغة نفسها، أو هي من حيث صلتها بإعجاز

القرآن.

ومن هنا فإن فكرة الإعجاز البياني الأدبي كانت هي المسيطرة على منهج

الرجل حتى وإن ذكرها ضمن ما يناقضها - الصرفة - ويكفيه أنه رائد في هذا السبيل فيما كتبه ابتكار وغناء وإن قَل.

* * *

ص: 141

3 -

الخطابي:

الخطابى ناقد موضوعى، وأديب مرهف الحس، صادق الذوق، وكتابه

فى الإعجاز ذو قيمة خاصة في موضوعه. وقد بدأ كتابه بمناقشة الآراء التى

قيلت في الإعجاز ولم تكن منه. ثم رفضها.

رفض أن يكون وجه الإعجاز الإخبارى عن الغيوب، كما رفض بدعة

ْ- الصرفة وهكذا، ثم أخذ في بيان وجوه الإعجاز في نظم القرآن وتأليفه.

وقد وصل إلى نتائج عظيمة الأثر في فهم الإعجاز.

فقد بنى رأيه فيه على خصائص الأسلوب نفسه، وحددها في ثلاث جهات

هى:

1 -

لفظ حامل

2 -

معنى به قائم

3 -

رباط لهما ناظم.

ثم حدَّد بعد ذلك أسباب عجز العرب عن محاكاة القرآن في ثلاث جهات

أيضاً هي:

1 -

عجزهم عن الإحاطة بأسماء اللغة العربية وألفاظها التي هي ظروف

المعاني وحواملها.

2 -

جهلهم بجميع المعاني التي تحملها تلك الألفاظ. أي جهلهم بالمعاني

كلها على سبيل الاستقصاء لا جهلهم بها مطلقاً.

وإن لم يصرح هو بهذا إلا أن المقام يقتضيه.

3 -

عدم إدراكهم لجميع وجوه النظومِ التي يكون بها ائتلافها وارتباط

بعضها ببعض.

ص: 142

ويسششهد على هذا فيقول: " فقد روى أن عمر بن الخطاب - وهو من

الفصاحة بمكان - كان يقرأ قوله عز وجل: (وَفَاكِهَةً وَأبًَا) ، فلا يعرفه

فيراجع نفسه ويقول: ما الأبُّ؟

وكان ابن عباس رحمه الله يقول: لا أعرف " حناناً "، ولا " غسلين "،

ولا "الرقيم ".

ثم يقول: " فأما المعاني التي تحملها الألفاظ، فالأمر في معاناتها أدق،

لأنها نتائج العقول، وولائد الأفهام. وبنات الأفكار ".

ثم يقول: " وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر، لأنها

لجام الألفاظ، وزمام المعاني، وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض،

فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان ".

ويخلص من هذا كله إلى رأيه في الإعجاز على الوجه التالى:

1 -

" أن القرآن إنما صار مُعجِزاً، لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن

نظوم التأليف، مضمناً أصح المعاني ".

2 -

صنيعه في القلوب، وتأثيره في النفوس. فإنك لا تسمع كلاماً غير

القرآن منظوماً أو منثوراً إذا قرع السمع خلص إلى القلب. من اللذة والحلاوة فى حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى. ما يخلص من القرآن إليه ".

وبهذا يتضح رأى الخطابى في الإعجاز البياني، إعجاز القرآن عنده كامن

فى روعة لفظه. وحسن معناه، ودقة نظمه، وفي تأثيره في النفوس وسريانه

إلى القلوب.

* * *

ص: 143

4 -

الباقلاني:

يعتبر كتاب الباقلاني - بحق - أهم ما كُتِبَ قديماً في هذا الموضوع، وقد

حاز رضا المتأخرين، فأكثروا من الثناء عليه والذي يهمنا - الآن - أن

نستوضح رأيه في الإعجاز، ونبين قيمته في إيجاز لاستفاضة ما كُتِبَ في هذا

المجال.

لم يهجم الباقلاني على المشكلة هجوماً. بل مهَّد للوصول إليها.

فذكر ما ذهب إليه غيره. وذكر من ذلك ثلاثة آراء:

1 -

الإخبار عن الغيوب المستقبلة.

2 -

الإخبار عن الأمم والأحداث الغابرة.

3 -

القول بالصرفة.

ولكنه لم يرتض أن يكون واحد منها وجهاً من وجوه الإعجاز.

وبعد أن فرغ من الرد عليها بدأ يذكر خصائص الأسلوب القرآني على الوجه الآتى:

أولاً - خروج نظم القرآن عن سائر كلام العرب ونظومهم، وفي ذلك يقول: " إن قدر ما يقتضيه التقدم والحذق في الصناعة قدر معروف لا يخرق العادة

مثله. ولا يعجز أهل الصناعة. ولا المتقدمين فيها عنه مع التحدى والتقريع

بالعجز والقصور، لأن العادة جارية بجمع الدواعى والهمم على بلوغ منزلة

الحاذق التقدم في الصناعة، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج عن حد ما يُكسب بالحذق.

ويقول: " إن عجز القوم عن معارضته دليل خروجه عن نمط كلامهم ".

ثانياً - انفراده بالحسن رغم طوله، وفي ذلك يقول: " إنه ليس للعربى كلام

مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع والمعاني اللطيفة، والفوائد

ص: 144

الغزيرة والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة، على هذا

الطول. وعلى هذا القدر. وإنما تُنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة،

وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما يغنيه بعد من

الاختلال ".

ثالثاً - بديع تأليفه، وفي ذلك يقول: " إنه عجيب نظمه، وبديع تأليفه،

لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها من ذكر قصص، ومواعظ، واحتجاج. وحكم وأحكام، وإعذار وإنذار، ووعد ووعيد.

وتبشير وتخويف، وأوصاف وتعليم، وأخلاق كريمة، وشيمة رفيعة. . . .

ونجد كلام الناس البلغاء الكاملين، والشاعر المفلق، والخطيب المصقع يختلف

حسب اختلاف هذه الأمور ".

رابعا - حسن الربط، وفي ذلك يقول: " إن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتاً

بينا في الفصل والوصل، والعلو والنزول، والتقريب والتبعيد، وغير ذلك مما

ينقسم إليه الخطاب عند النظام، ويتصرف فيه القول عند الضم والجمع. على أن القرآن على اختلاف ما يتصرف إليه من الوجوه الكثيرة، والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف، والتباين كالتناسب، والتنافر في الأفراد إلى حد الآحاد.

وهذا أمر عجيب، تتبين به الفصاحة وتظهر به البلاغة. ويخرج به الكلام عن

حد العادة ويتجاوز العُرف ".

(ملاحظة: يمكن دمج هذه الخاصة مع السابقة عليها دون أن يمس ذلك جوهر الموضوع لأن الموضعين متشابهان إلى حد كبير كما ترى) .

خامساً - بلاغته، وفي ذلك يقول: " إن نظم القرآن وقع موقعاً من البلاغة، خرج به عن حد العادة في كلام الإنس والجن، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزناً.

ص: 145

سادساً - اشتماله على طرق تعبيرهم مع تفوقه، وفي ذلك يقول: " إن الذى

ينقسم إليه الخطاب من البسط والاختصار، والجمع والتفريق، والاستعارة

والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القرآن.

وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم العتاد في الفصاحة

والبلاغة والإبداع ".

سابعاً - خلابة عباراته دائماً، وفي ذلك يقول: " إن المعاني التي تتضمن

فى أصل وضع الشريعة، والأحكام، والاحتجاج في أصل الدين، والرد على

الملحدين، على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها لبعض في اللطف

والبراعة مما يتعذر على البَشر ".

ثامناً - تألق التعبير القرآني إذا قُرِنَ بتعبير آخر، وفي ذلك يقول: " إن

الكلام بين فضله، ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة، في تضاعيف

الكلام، أو تُقذف بين شِعر فتأخذه الأسماع، وتتشرف إليه النفوس، ويرى وجه رونقه بادياً عامراً سائر ما يقرن به كالدُّرَّة التي تُرى في سلك الخرز وكالياقوتة فى واسطة العقد ".

تاسعاً - فواتح سوره، وفي ذلك يقول: " إن الحروف التي بنى عليها كلام

العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون، وحملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف

المعجم نصف الجملة وهي أربعة عشَر حرفا ليدل بالمذكور على غيره. وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينتظم بها كلامهم ".

ص: 146