الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المتلائم في الطبقة العليا فهو القرآن وحده. كله لا بعضه ونص عبارته:
" والتلائم في الطبقة العليا القرآن كله، وذلك بَينٌ لمن تأمله ".
* * *
*
نماذج من تحليلاته:
قال في باب الإيجاز: " والإيجاز على وجهين: حذف وقصر.
فالحذف إسقاط كلمة للاجتزاء عنها، بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام.
والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.
فمن الحذف:
(وَاسْأل القَرْيَةَ) ، و (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) . .
ومنه حذف الأجوبة وهذَا أبلغ من الذِكر وما جاء منه فى القرآن كثير ".
" وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف
غامضاً. . فمن ذلك: (وَلكُمْ في القصَاص حَيَاةٌ)، ومنه:(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) . .
وهَذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير.
وقد استحسن الناس من الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل.
ويينه ويين لفظ القرآن تفاوت في البلاغة والإيجاز.
وقال في باب التشبيه: ". . ونحن نذكر بعض ما جاء في القرآن من
التشبيه وننبِّه على ما فيه من البيان بحسب الإمكان.
فمن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كفَرُواْ أعْمَالُهُمْ كسَرابٍ) ، فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحَاسة إلى ما تقع عليه.
وقد اجتمعا في بطلان التوهم مع شدة الحاجة، وعظم الفاقة.
ولو قيل: يحسبه الرائى ماء، ثم يظهر أنه على خلاف ما قدر
لكان بليغاً. وأبلغ منه لفظ القرآن: لأن الظمآن أشد حرصاً عليه، وتعلق قلبه به. ثم بعد هذه الخيبة، حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد فى النار. . . وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة ".
وقال في باب الاستعارة: "ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة
على جهة البلاغة.
قال الله عز وجل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) : حقيقة " قدمناَ " هنا: عمدنا. و " قدمنا "
أبلغ منه، لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر، لأنه من أجل
إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم. ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم.
وفى هذا تحذير من الاغترار بالإمهال، والمعنى الذي يجمعهما العدل، لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل. والقدوم أبلغ لما بيَّنا.
وأما " هباءً منثوراً " فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه حاسة ".
وعلى هذا النمط الرائع يمضى الرماني في كثير من الأمثلة التي ذكرها شواهد
على الفنون البلاغية في الأبواب الثلاثة المذكورة، وفي غيرها من الأبواب
السبعة الأخرى.
وفي كل موضع ينتصر لأسلوب القرآن ويكشف مظاهر الجمال
فيه، ويخلص إلى أحكام نقدية مهمة حتى أصبح ما كتبه مصدراً غنياً للاحقين
سواء أكان ذلك في فنون البلاغة نفسها، أو هي من حيث صلتها بإعجاز
القرآن.
ومن هنا فإن فكرة الإعجاز البياني الأدبي كانت هي المسيطرة على منهج
الرجل حتى وإن ذكرها ضمن ما يناقضها - الصرفة - ويكفيه أنه رائد في هذا السبيل فيما كتبه ابتكار وغناء وإن قَل.
* * *
3 -
الخطابي:
الخطابى ناقد موضوعى، وأديب مرهف الحس، صادق الذوق، وكتابه
فى الإعجاز ذو قيمة خاصة في موضوعه. وقد بدأ كتابه بمناقشة الآراء التى
قيلت في الإعجاز ولم تكن منه. ثم رفضها.
رفض أن يكون وجه الإعجاز الإخبارى عن الغيوب، كما رفض بدعة
ْ- الصرفة وهكذا، ثم أخذ في بيان وجوه الإعجاز في نظم القرآن وتأليفه.
وقد وصل إلى نتائج عظيمة الأثر في فهم الإعجاز.
فقد بنى رأيه فيه على خصائص الأسلوب نفسه، وحددها في ثلاث جهات
هى:
1 -
لفظ حامل
2 -
معنى به قائم
3 -
رباط لهما ناظم.
ثم حدَّد بعد ذلك أسباب عجز العرب عن محاكاة القرآن في ثلاث جهات
أيضاً هي:
1 -
عجزهم عن الإحاطة بأسماء اللغة العربية وألفاظها التي هي ظروف
المعاني وحواملها.
2 -
جهلهم بجميع المعاني التي تحملها تلك الألفاظ. أي جهلهم بالمعاني
كلها على سبيل الاستقصاء لا جهلهم بها مطلقاً.
وإن لم يصرح هو بهذا إلا أن المقام يقتضيه.
3 -
عدم إدراكهم لجميع وجوه النظومِ التي يكون بها ائتلافها وارتباط
بعضها ببعض.
ويسششهد على هذا فيقول: " فقد روى أن عمر بن الخطاب - وهو من
الفصاحة بمكان - كان يقرأ قوله عز وجل: (وَفَاكِهَةً وَأبًَا) ، فلا يعرفه
فيراجع نفسه ويقول: ما الأبُّ؟
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: لا أعرف " حناناً "، ولا " غسلين "،
ولا "الرقيم ".
ثم يقول: " فأما المعاني التي تحملها الألفاظ، فالأمر في معاناتها أدق،
لأنها نتائج العقول، وولائد الأفهام. وبنات الأفكار ".
ثم يقول: " وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر، لأنها
لجام الألفاظ، وزمام المعاني، وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض،
فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان ".
ويخلص من هذا كله إلى رأيه في الإعجاز على الوجه التالى:
1 -
" أن القرآن إنما صار مُعجِزاً، لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن
نظوم التأليف، مضمناً أصح المعاني ".
2 -
صنيعه في القلوب، وتأثيره في النفوس. فإنك لا تسمع كلاماً غير
القرآن منظوماً أو منثوراً إذا قرع السمع خلص إلى القلب. من اللذة والحلاوة فى حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى. ما يخلص من القرآن إليه ".
وبهذا يتضح رأى الخطابى في الإعجاز البياني، إعجاز القرآن عنده كامن
فى روعة لفظه. وحسن معناه، ودقة نظمه، وفي تأثيره في النفوس وسريانه
إلى القلوب.
* * *
4 -
الباقلاني:
يعتبر كتاب الباقلاني - بحق - أهم ما كُتِبَ قديماً في هذا الموضوع، وقد
حاز رضا المتأخرين، فأكثروا من الثناء عليه والذي يهمنا - الآن - أن
نستوضح رأيه في الإعجاز، ونبين قيمته في إيجاز لاستفاضة ما كُتِبَ في هذا
المجال.
لم يهجم الباقلاني على المشكلة هجوماً. بل مهَّد للوصول إليها.
فذكر ما ذهب إليه غيره. وذكر من ذلك ثلاثة آراء:
1 -
الإخبار عن الغيوب المستقبلة.
2 -
الإخبار عن الأمم والأحداث الغابرة.
3 -
القول بالصرفة.
ولكنه لم يرتض أن يكون واحد منها وجهاً من وجوه الإعجاز.
وبعد أن فرغ من الرد عليها بدأ يذكر خصائص الأسلوب القرآني على الوجه الآتى:
أولاً - خروج نظم القرآن عن سائر كلام العرب ونظومهم، وفي ذلك يقول: " إن قدر ما يقتضيه التقدم والحذق في الصناعة قدر معروف لا يخرق العادة
مثله. ولا يعجز أهل الصناعة. ولا المتقدمين فيها عنه مع التحدى والتقريع
بالعجز والقصور، لأن العادة جارية بجمع الدواعى والهمم على بلوغ منزلة
الحاذق التقدم في الصناعة، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج عن حد ما يُكسب بالحذق.
ويقول: " إن عجز القوم عن معارضته دليل خروجه عن نمط كلامهم ".
ثانياً - انفراده بالحسن رغم طوله، وفي ذلك يقول: " إنه ليس للعربى كلام
مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع والمعاني اللطيفة، والفوائد
الغزيرة والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة، على هذا
الطول. وعلى هذا القدر. وإنما تُنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة،
وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما يغنيه بعد من
الاختلال ".
ثالثاً - بديع تأليفه، وفي ذلك يقول: " إنه عجيب نظمه، وبديع تأليفه،
لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها من ذكر قصص، ومواعظ، واحتجاج. وحكم وأحكام، وإعذار وإنذار، ووعد ووعيد.
وتبشير وتخويف، وأوصاف وتعليم، وأخلاق كريمة، وشيمة رفيعة. . . .
ونجد كلام الناس البلغاء الكاملين، والشاعر المفلق، والخطيب المصقع يختلف
حسب اختلاف هذه الأمور ".
رابعا - حسن الربط، وفي ذلك يقول: " إن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتاً
بينا في الفصل والوصل، والعلو والنزول، والتقريب والتبعيد، وغير ذلك مما
ينقسم إليه الخطاب عند النظام، ويتصرف فيه القول عند الضم والجمع. على أن القرآن على اختلاف ما يتصرف إليه من الوجوه الكثيرة، والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف، والتباين كالتناسب، والتنافر في الأفراد إلى حد الآحاد.
وهذا أمر عجيب، تتبين به الفصاحة وتظهر به البلاغة. ويخرج به الكلام عن
حد العادة ويتجاوز العُرف ".
(ملاحظة: يمكن دمج هذه الخاصة مع السابقة عليها دون أن يمس ذلك جوهر الموضوع لأن الموضعين متشابهان إلى حد كبير كما ترى) .
خامساً - بلاغته، وفي ذلك يقول: " إن نظم القرآن وقع موقعاً من البلاغة، خرج به عن حد العادة في كلام الإنس والجن، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزناً.
سادساً - اشتماله على طرق تعبيرهم مع تفوقه، وفي ذلك يقول: " إن الذى
ينقسم إليه الخطاب من البسط والاختصار، والجمع والتفريق، والاستعارة
والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القرآن.
وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم العتاد في الفصاحة
والبلاغة والإبداع ".
سابعاً - خلابة عباراته دائماً، وفي ذلك يقول: " إن المعاني التي تتضمن
فى أصل وضع الشريعة، والأحكام، والاحتجاج في أصل الدين، والرد على
الملحدين، على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها لبعض في اللطف
والبراعة مما يتعذر على البَشر ".
ثامناً - تألق التعبير القرآني إذا قُرِنَ بتعبير آخر، وفي ذلك يقول: " إن
الكلام بين فضله، ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة، في تضاعيف
الكلام، أو تُقذف بين شِعر فتأخذه الأسماع، وتتشرف إليه النفوس، ويرى وجه رونقه بادياً عامراً سائر ما يقرن به كالدُّرَّة التي تُرى في سلك الخرز وكالياقوتة فى واسطة العقد ".
تاسعاً - فواتح سوره، وفي ذلك يقول: " إن الحروف التي بنى عليها كلام
العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون، وحملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف
المعجم نصف الجملة وهي أربعة عشَر حرفا ليدل بالمذكور على غيره. وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينتظم بها كلامهم ".