الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتى بأمر عظيم ولا شك في أنه صار كاتباً مفلقاً. وإذا نظر إلى كتاب زماننا
وجِدوا كذلك، فقاتل الله القلم الذي يجري في أيدى الجهال الأغمار ".
* * *
*
تقديم اللفظ على المعنى:
ويقابل هذا الرأي اتجاه آخر يرى القائلون به أن الصياغة هي المقوِّم الأساسى
للأدب، فلا بدَّ أن يستوفى الأسلوب مقوماته اللفظية، أن تكون الجمل
مستوفاة خصائص الصياغة الفنية ليدخل الكلام في باب الأدب لأن المعاني
مشاع بين الأدب وغيره من العلوم، ولكن الذي يُفرق بين الأدب والعلوم الأخرى إنما هي اللغة بما فيها من فنون تعبيرية وخصائص فنية، ولذلك فإن المعاني العلمية يمكن أن تؤدى في أساليب أدبية إذا سلك كاتبها مسالك المتأدبين.
وهذا الرأي يسمو بالألفاظ في نظرته لها، ويجعل المعنى دونها وإن كانت
الصلة بين العنصرين وثيقة العرى.
من هؤلاء الجاحظ حيث يقول: " والمعاني مطروحة على الطريق يعرفها
العجمى والعربي والبدوى والقروى والمدنى، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير
اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير ".
ومنهم قدامه بن جعفر، إذ يرى أن المعاني مادة الشعر، واللفظ صورته،
ولا ينبغى الحكم على الشعر بمادته - أي معناه - وإنماَ يُحكم عليه بصورته - أى عباراته - كما لا يُعاب النجار من حيث رداءة الخشب في ذاته، وإنما يُمدح أو يُذم من حيث صناعته هو.
ومنهم ابن خلدون إذ يعتبر الألفاظ أصلاً والمعاني تابعة لها. وهو في هذا
يردد ما ذهب إليه الجاحظ ولكنه غالى في قيمته. وأفرط في حكمه. وفي هذا
يقول ابن خلدون: ". . . وفي طوع كل فكر منها - أي المعاني - ما يشاء
ويرضى، فلا يحتاج إلى صناعة. وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج إلى
الصناعة. وكذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه. . باعتبار تطبيقه على المقاصد، والمعاني واحدة في نفسها.
وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللسان - إذا حاول
العبارة عن مقصوده ولم يحسن - بمثابة القعد الذي يروم النهوض ولا يستطيعه
لفقدان القدرة عليه ".
وعند أصحاب هذا الرأي: أن الأدب عبارة جميلة وكفى. .
وقد سئل الأصمعى: مَن أشعر الناس؟ . . .
قال: " مَن يأتى إلى المعنى الخسيس
فيجعله بلفظه كبيراً، أو إلى المعنى الكبير فيجعله بلفظه خسيساً ".
ويقول المرزوقي: " فمن البلغاء مَن يقول: فقر الألفاظ وغررها. كجوهر
العقود ودررها، فإذا رسم أغفالها بتحسين نظومها. وحلى أعطالها بتركيب
شذورها فراق مسموعها وجاء ما حرر منها مصفىً من كدر العيِّ والخطل،
مقوماً من أود اللحن والخطأ، يموج في حواشيه رونق الصفاء لفظاً وتركيباً.
قبله الفهم والتذ به السمع، وإذا ورد على ضد هذه الصفة صدئ الفهم منه.
وتأذى به تأذى الحواس بما يخالفها ".
وقد بحث ابن سنان الخفاجى معايير حسن اللفظ فذكر منه تباعد الحروف فى
المخرج، وذلك لأن الحروف أصوات تجرى من السمع مجرى الألوان من البصر، والألوان المتباعدة إذا جُمِعت كانت في النظر أحسن من المتقاربة. وجل كلام العرب مبنى على التأليف من الحروف المتباعدة، ولحروف الحلق الستة ميزة خاصة فى القبح إذا تقاربت مثل " الهقخع "، ومن معايير حسن اللفظ حسن وقعه على السمع فتسمية الغصن غصناً أو فنناً أحسن من تسميته عسلوجاً.
ومن معايير جمال اللفظ عند ابن سنان ألا تكون الكلمة وحشية غير مألوفة
الاستعمال، وقد مثل لذلك بقول أبى تمام:
. . . . . . . . بِلَا طائرٍ سَعْدٍ، وَلَا طائرٍ كَهْلِ
إذ المراد بـ ((الكهل " هنا: الضخم، وليس هذا المعنى معروفاً لها.
وألا تكون الكلمة مبتذلة أي أخلقها الاستعمال. ومثل لها بقول ابن نباتة:
فَقَدْ رَفَعَتْ أبْصَارَهَا كُل بَلدَةٍ. . . من الشوْقِ حتى أوْجَعَتْهَا الأخَادعُ
فكلمة " أوجعتها " عامية مبتذلة.
وأن تكون الكلمة جارية على قواعد اللغة، وأن تكون قليلة الحروف، لذلك عاب قول ابن نباتة أيضاً:
فَإياكُمو أن تَكْشِفُوا عَنْ رِءُوسِكُمْ. . . ألَا إن مغْنَاطيسَهُن الذوَائِبُ
لأن كلمة " مغناطيسهن " كثيرة الحروف.
ويورد معياراً آخر لجمال اللفظ: ألا تكون الكلمة عُثر بها عن معنى يُكره
ذكره، فإذا وردت غير مقصود بها ذلك المعنى قبحت. مثل كلمة " جنابة "
فى قول الشريف الرضى متغزلاً:
سَلَامُ على الأطلَالِ لَا عَنْ جنابَةٍ. . . وَلكِن يأسَاً حِينَ لم يَبْق مَطمَعُ
وصفوة القول: إن اللفظ المفرد لا يكون جميلاً عند ابن سنان إلا إذا خلا من
ثمانية عيوب ذكرها ومثل لها. فكان بلاغياً ناقداً في آن واحد.
ويسوق قدامة بن جعفر نصاً يبين فيه مقوِّمات جمال الألفاظ فيقول:
" وأحسن البلاغة الترصيع، والسجع، واتساق البناء. واعتدال الوزن واشتقاق لفظ من لفظ وعكس ما نظم من بناء وتلخيصه بألفاظ مستعارة وإيراد