الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواقع أن اللغة عامل هام في تنمية الذكاء وحدته. ما دامت اللغة هى
الأداة في التفكير. فالأشخاص الذين يفكرون تفكيراً عميقاً مضطرون للبحث
عن معلومات ومعارف، ونتيجة ذلك أنهم يحصلون على ثروة هائلة من تلك
الأفكار. وبديهى أن هذه الأفكار تستدعى الكلمات التي تدل عليها. وبها
يكون التحصيل والتفكير. . ونحن نطلق على مثل هؤلاء أنهم مفكرون أذكياء.
* * *
*
وظيفة اللغة - إذن - ما هي
؟
إن الشائع بين الناس - قديماً وحديثاً - أن اللغة وسيلة لنقل الأفكار.
وحول هذا المعنى حام كثير من المفكرين، فهذا " هنرى سويت " يُعرِّف وظيفة اللغة تعريفاً كلاسيكياً فيقول:" إن اللغة هي التعبير عن الأفكار بوساطة الأصوات الكلامية المؤتلفة في كلمات ".
ويذهب " إدوارد سابير ". نفس المذهب إذ يقول: " اللغة وسيلة إنسانية
خالصة وغير غرزية إطلاقاً لتوصيل الأفكار. والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقه إرادية ".
ويتابع الأستاذين " هنرى " و " إدوارد " كثير من المحدَثين على ما بينهم
من اختلافات في الذاهب الفكرية. . . إذ يرون أن الوظيفة الأساسية للغة هى أنها وسيلة من وسائل الاتصال أو التوصيل. أو النقل أو التعبير عن طريق
" الأصوات الكلامية " وأن ما توصله اللغة أو تنقله أو تعبر عنه هو الأفكار
والمعاني والانفعالات والرغبات. . . إلخ، فاللغة عندهم لا تعدو أن تكون مرآة عاكسة للفكر، أو مستودعاً للفكر النعكس. . ويلخص " جوفنز "" الإنجليزي وظيفة اللغة فيما يأتى:
1 -
أن اللغة وسيلة للتفكير.
2 -
إنها عون آلي للتفكير.
3 -
إنها وسيلة للتسجيل وللرجوع إلى ما سجل.
ويقول " جوفنز ": " إن اللغة في نشأتها الأولى كانت تستعمل في الغرض
الأولى على وجه المخصوص إن لم يكن استعمالها فيه وحده ".
ولم يرتض الأستاذ " يسبرسن " ما قاله " جوفتز " وناقشه مناقشة خرج
منها بأن الباحث المنصف لا يستطيع أن يتابع رأى " جوفنز " باعتبار ما ذكره
من أن الأغراض الثلاثة هو الغاية الوحيدة للغة؛ لأن هذا لا يتحقق إلا عند
المفكرين في أسمى لحظاتهم الأكاديمية.
وجاءا "فالينوفسكى " العالم الأنثروبولوجى فخطا خطوات ملحوظة فى
تغيير النظر إلى اللغة، فقد أدركَ عندما كان يدرس بعض المجتمعات البدائية
والفطرية أن دراسته لن تصح دون معرفة الوظيفة التي تقوم بها اللغة فى
المجتمع، ومن هنا كانت نظريته الهمة في اللغة. . . والتي أسهمت إلى حد
كبير في تطور الفكر اللغوي. . وخلاصة نظريته: " إن اللغة ليست مجرد
وسيلة للتفاهم أو التوصيل، بل هي حلقة في سلسلة النشاط الإنسانى المنتظم.
وهي جزء من السلوك الإنسانى. "هى ضرب من العمل وليست أداة "عاكسة" للفكر.
تبلورت هذه النظرية وتبناها الكثيرون، وذكروا أنماطاً من التعبير لم يكن
المراد من اللغة فيها هو مجرد النقل. ومن تلك الأنماط التي ذكرها:
1 -
المنولوج: ويُعرف بأنه حديث الإنسان لنفسه. أو الكلام الانفرادي
كالتفكير بصوت مسموع، ومثله الكلمات التي تتردد على الأفواه عند فقد عزيز. أو فراق صديق.
2 -
السلوك الجَماعى: ويُطلق هذا النوع على ما يدور بين الجماعات فى
المواسم الدينية - مثلاً - كالحج والجُمَع والأعياد، وكالأناشيد والأدعية.
3 -
لغة التأدب: ويقصدون بها ما يجرى بين الناس في مواقف معيَّنة مثل:
شكراً، وآسف.
4 -
عبارات التحية: ويقرب هذا النوع من سابقه مثل: " مرحباً بك "،
"كيف حالك؟.
لاحظ الباحثون أن هذه الأضرب من التعبير وما ماثلها، ليس ملحوظاً فيها
معنى النقل، لأن المراد بها مجرد الترويح عن النفس أو العبادة، أو إظهار
الأسف أو السرور.
ولذلك استنتجوا أن اللغة قد تستعمل - أحياناً - في أغراض غير النقل
والتوصيل ومَن يُقصر اللغة على هذه الوظيفة فقد قلل من شأنها. وبعد هذا
الغرض لآراء المفكرين نوجز: وظائف اللغة فيما يأتى:
أولاً: أن اللغة نشأت كضرورة من ضرورات المجتمع البَشرى، وكانت فى
عصورها الأولى ذات مظاهر بدائية كبدائية الإنسان نفسه، ثم تطورت بتطور
الحياة المستمر فأخذت تنمو حتى أصبحت ذات قواعد وأصول وفروع. وأنها فى نشأتها الأولى كانت مقصورة على التفاهم البسيط ونقل الأفكار من طرف إلى آخر، بعيدة كل البعد عن استخدامها في أغراض جَمالية.
ثانيا: أن اللغة تؤدى دوراً هاماً في صنع الحضارة الإنسانية وإليها يعزى
كل تقدم حضارى باعتبارها وسيلة هامة فيه مباشرة أو غير مباشرة.
ثالثاً: وللغة - أيضاً - وظيفة نفعية، وقد كانت - كذلك - في عصورها
الأولى. . ويراد بنفعية اللغة أنها كانت أداة من أدوات العمل لها علاقاتها
المباشرة بالمدلول، لا يلحظ منها معنى فنى جَمالى.
وعلماء النفس يسمون هذه الوظيفة: وظيفة اللغة الاجتماعية النفعية. . ويلخص " ألبرت " وظائف اللغة الاجتماعية فيما يأتى:
1 -
أنها تجعل للأفكار والمعارف الإنسانية قيماً اجتماعية.
2 -
أنها تحتفظ بالتراث والتقاليد الاجتماعية جيلاً بعد جيل.
3 -
أنها تساعد المفرد على تكييف سلوكه وضبطه.
4 -
إنها تزود الفرد بأدوات التفكير.
رابعاً: وللغة - كذلك - وظيفة جَمالية - وقد وُجدَت متأخرة عن الوظيفة
النفعية العملية، فجاءت الوظيفة الجَمالية نتيجة لرقى المجتمع وتطور الحياة.
ولعل أول مَن فرق بين وظيفة اللغة النفعية ووظيفتها الجَمالية الفنية هو
" أرسطو " حد تصدَّى للرد على الذين يقولون: إن القبيح يظل قبيحاً مهما
كان التعبير عنها ويذكر أن الأشياء القبيحة قد يُعبر عنها بما يستر قبحها -
كما إذا أسمينا أرسطى " قاتل أمه " أو سميناه " المنتقم لأبيه ".
ووظيفة اللغة الجَمالية هي الهدف من كل الفنون والآداب. . وغايتها الإمتاع
ولكنها لا تخلو من النفع غالباً، لأن الفن الجدير بالتقدير هو ما كان للمجتمع
وليس للفن. وهي في " الفن للفن "، وظيفة جَمالية إمتاعية فحسب،
أما في " الفن للمجتمع " فهى وظيفة جَمالية إمتاعية نفعية.
ولا شك أن الوظيفة الجَمالية الإمتاعية تتفاوت في القوة والضعف بحسب
النماذج اللغوية التي تؤديها، لأن الأساليب تتفاوت فيما بينها في هذا المجال
. . . ولجمال الأساليب أسس ومقومات إذا توافرت في الأسلوب عُدَّ من النماذج الأدبية الرفيعة وتناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل.
وسنعرض في الفصل التالى للأسس والمقومات التي تصقل العمل الأدبى
وتُكسبه الأصالة والجدة الخالدة.
* * *