الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ماض من المباعدة والمعنى على هذا يختلف من حيث الصياغة، ومن حيث
المقصود.
فعلى القراءة الأولى تكون العبارة إنشاءً طلبياً، وعلى الثانية خبر لا إنشاء.
وقد خرَّج الزمخشري المعنى على هذا الوجه فقال:
" والمعنى خلاف الأول هو استبعاد مسايرهم على قصرها ودنوها لفرط تنعمهم وترفههم، كأنهم يتشاجون على ريهم ويتحازنون عليه ".
إنهم في الأول يشكون من قرب أسفارهم ويطلبون بعدها.
وفي الثاني يمثكون من بعد أسفارهم، على الوجه الذي ذكره الزمخشري، ويطلبون قربها.
* *
*
القيود وتعدد المعنى:
قال سبحانه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
والشاهد في قوله " حُبِّهِ " فقد اختلفوا في مرجع الضمير على رأيين:
أولهما: أن يكون الضمير راجعاً للطعام لذكره قبله.
والمعنى: أنهم يطعمون الطعام وهم يحبونه لاحتياجهم إليه، وتعلق أغراضهم به، وهذا عملاً بقوله تعالى:(لن تَنَالُواْ البِر حَتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) .
وقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .
وثانيهما: أن يكون الضمير راجعاً إلى اسم الجلالة من باب الإضمار ولا ذكر
لقوة ظهوره. والمعنى عليه: ويطعمون الطعام على حب الله لا حب غيره،
أي لا يريدون عليه جزاءً ولا شكوراً.
ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى بعده: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) .
أي أنهم يطعمَونهم مخَلصيَن العَمل للهَ.
وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) .
والشاهد في هذه الآية: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) .
فإن الله سبحانه - لما بيَّن لرسوله نوعي الآيات المنزلة عليه:
نوع واضح فى الدلالة لا يُختلف فيه، ونوع محتمل لعدة وجوه. .
لما بيَّن له ذلك قال: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) . . ثم قال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) .
والعلماء في تفسير هذا لهم وجهان:
الأول: أن الواو للعطف. والمعنى عليه: أن تأويل المتشابه شركة بين الله
وبين " الراسخين " في العلم.
فهم يعلمونه بإلهام منه سبحانه، وعليه أيضاً فإن
موضع الجملة بعدها: " يقولون " استئنافية، أو هي حال من الراسخين ".
الثاني: أن الواو استئنافية. فهى ليست عاطفة.
والمتشابه هو الذي استأثر الله وحده بعلمه دون سواه.
وعلى هذا فإن موضع الجملة " يقولون " خبر " الراسخون " وهذا الرأي -
فيما يبدو - أقوى من السابق، لخلوه من الاعتراض لأن الأول اعترض عليه
بعضهم فقال: " كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون، والله يقول:
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) وإذا أشركهم في العلم انقطعوا
عن قوله " يقولَون " لَأنه ليس هنا عطفَ حتى يوجب للراسخين فعلين".
ولهذا حاول بعض العلماء الرد فقالوا: إن " يقولون " هنا في موضع الحال.
كأنه قال: " والراسخون في العلم قائلين: آمنا به ". .
كما قال الشاعر:
الرِّيحُ تَبْكِى شَجْوَها. . . والبَرْقُ يَلمَعُ فِى غمَامِهْ
أى لامعاً.
وقيل: المعنى: " يعلمون ويقولون " فحذف واو العطف كقوله:
(وُجُوهٌ يَوْمَئذ نَاضرَةٌ)
والمعنى: يقولون: علمنا وآمنا. لأن الإيمان قبل العلم محال.
إذَ لا يتصور الإيمان مع الجهل: وأيضاً لو لم يعلموها لما كانوا من
الراسخين، ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) .
نسوق هذه الآية دليلاً من نوع آخر على ما تحتمله القيود من وجوه فى
الإعراب، يتبعها اختلاف في المعنى.
قال صاحب الكشاف:
" تلقون ": فإن قلت: بِمَ يتعلق؟
يجوز أن يتعلق ب " لا تتخذوا " حالاً من ضميره وبـ " أولياء " صفة له ويجوز أن يكون استئنافاً.
والباء في " بالمودة " إما زائدة مؤكدة للتعدي مثلها في:
(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإما ثابتة على أن مفعول: