الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولجت في عتوها ونفورها. فليس لها من ماضيها أو حاضرها ما يشفع لها
ويدفع عنها سوء المصير.
* * *
*
أثر هذه الفروق:
إذا وضعنا أمامنا هذه الفروق الواضحة بين أبطال الصور الثلاث.
ثم عمدنا نحلل التعبير إزاء كل صورة منها، رأينا الدقة والسحر يتمثلان أروع تمثيل فى الصور الثلاث.
فـ " الحرف " في الصورة الأولى: (مَنْ يَعْيُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)
و" الشفا " في الصورة الثانية: (وكُنتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مَنَ النارِ) نلحَظ
بينهما هذا الفرق: أن " الحرف " متروك على حالته. لم يستتبع بوصف يفيد
أكثر من أنه حرف، حرف وكفى، أما " الشفا " فقد وُصفَت بأنها حفرة من
النار.
هناك حرف مجرد، مطلق حرف، وهنا شفا ممتدةَ على محيط حفرة
تشتعل فيها النار.
لماذا كان التعبير هكذا. . . .؟
ولعل السر العجيب في ذلك أن مَن يعبد الله على حرف هو على شعبة من
إيمان في حال عبادته. فهو إذن على شيء من هدى.
ولما كان حظه من الإيمان لا يؤهله لاحتمال الشدائد والصبر على المكروه - وقَلَّ أن يسلم منهما إنسان - ناسبت حاله تلك حال مَن يقف على طرف شيء يخشى سقوطه منه وترديه.
ولكن كيف؟ . . يسقط وكفى.
أما الأوس والخزرج فقد كانوا قبل إسلامهم في ضلال وحروب أذهبت من
نفوسهم المروءة وطبعتهم بطابع وحشي.
فناسب من هذه الوجهة أن تشبه حالهم بحال مَن يقف على طرف حفرة تتأجج فيها النار وتستعر.
فمَن تردى منهم هلك واحترق. ولكن الله سلم.
هناك مجرد وقوف على حرف.
وهنا وقوف على طرف حفرة تضطرم بالنار.
الصورة الثانيه أكثر رهبة من الأولى، وأسوأ مصيراً - لأن المخالفة المستوجبة
للعقاب في الأولى أهون شأناً منها في الثانية.
وتأتى الصوره الثالثة. . وقد علمنا موقف بطلها السادر في الضلال،
العرض عن الهدى المتصف بالكفر والنفاق.
لأن الجزاء من جنس العمل.
فهو أشد خطراً من سابقيه، وأفظع ذنباً.
فجاء التعبير القرآني أشد ما يكون اتساقاً مع ما ثبت له من صفات الكفر والنفاق: (عَلى شَفَا جُرُف هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ) .
فـ " الشفا " - هنا - غير الشفا وغير الحرف هناك: الشفا شفا جرف.
والجرف ما يجرفه السيل. إذن فهو شفا رخو هش تغوص فيه الأقدام، بل
الركب والأجسام. . . هذه واحدة.
وهو (هَارٍ) . . هكذا بالنص. متفتت لا تبثت عليه خطىً، ولا يمكن عليه
سير، ضعف فوق ضعف فأنى يستقيم له بنيان؟ . . . وهذه ثانية.
(فَانْهَارَ بِهِ) انهار به فعلاً، وليس مشرفاً على الانهيار.
وهنا تكمل نهاية المأساة من حيث نتائجها الطبيعية.
تكمل بالتردى والسقوط الذي كان متوقعاً، لأن المقدمات صادقة، موصلة - لا محالة - إلى هذه النهاية. . .
وهذه ثالثة.
(فِى نَارِ جَهَنمَ) لم يكن السقوط على الأرض وفي قاع الحفرة فحسب.
لماذا؟ لأن قاع الحفرة أو سطح الأرض قد يكون - كذلك - رخواً هشاً.