الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
آراء العلماء حول السجع في القرآن:
وقد سموا التشاكل الواقع بين الحروف في أواخر الآي فواصل.
وسموا نظيره في الأساليب الأخرى سجعاً.
لأن مجيء السجع في القرآن لم يكن محل إتفاق
بين العلماء، فانقسموا إزاء هذه القضية قسمين:
الأول: يمنع أن يكون في القرآن سجع.
ولهم في ذلك حجج وأسباب ذكروها وبنوا مذهبهم عليها.
الثاني: يرى جواز مجيء السجع في القرآن، بل هو وارد فيه فعلاً. ولهم
ردود على حجج وأسباب المانعين.
وأسباب أخرى مهَّدوا بها لمذهبهم. .
وبنوا فكرتهم عليها.
ومن أدلة المانعين:
1 -
أن القرآن وصف لله. فلا يجوز وصفه بما يرد به إذن شرعاً.
2 -
أن السجع من قولهم: " سجع الطير " وشرف القرآن ألا يُستعار لشيء
فيه لفظ أصله مهمل.
3 -
أن السجع يُقصد ثم يُحال المعنى عليه وفي هذا ضرب من التكلف،
أما الفاصلة فيُقصذ بها المعنى أولاً. ثم يُحال عليه اللفظ.
فالسجع عيب والفواصل بلاغة.
4 -
لو كان في القرآن سجع لما كان خارجاً عن أساليب كلامهم.
ولو كان كذلك لما كان فيه إعجاز ولو كان جاز أن يقال: إنه سجع معجز لجاز أن يقال: إنه شعر معجز، وكيف والسجع مما كانت تألفه الكهان من العرب.
ونفيه عن القرآنَ أجدر أن يكون حجة من نفى الشعر. لأن الكهانة تنافى النبوات. وليس كذلك الشعر.
5 -
ولو سلمنا بأن في القرآن سجعاً لكان مذموماً في بعض المواضع لمجيئه
على غير شرط السجع الحسن. وهو ما كان متقارب الحروف.
ولعدم استواء
مقاطعه في الطول - أحياناً - وهذا غير مرضٍ. ولا محمود.
لأن للسجع منهجاً محفوظاً وطريقاً مضبوطاً مَن أخل به وقع الخلل في كلامه (1) .
وهذه خلاصة أدلة المانعينِ وكان أولهم الأشاعرة، ثم تابعهم كثير من العلماء
مثل ابن خلدون والرماني والباقلاني. . وغيرهم.
يقول ابن خلدون: ". . . . أما القرآن - وإن كان من النثر - إلا أنه خارج عن الوصفين ليس يسمى مرسلاً مطلقاً ولا مُسْجعاً.
بل تفصيل آيات ينتهى إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها.
ثم يُعاد الكلام في الآية الآخرى بعدها.
ويثنى من غير التزام حروف تكون سجعاً ولا قافية. ويسمى آخر
الآيات منها فواصل إذ هي ليست أسجاعاً.
ولا التزم فيها ما التزم في السجع، ولا هي قوافى أيضاً.
ويبدو أن ابن خلدون أول مَن أطلق هذه التسمية وقد طرق في نصه هذا أهم
قضايا هذه الفكرة وكان موفقاً أيما توفيق حيث اشتق تسمية: " الفاصلة " من استعمال القرآن نفسه لهذه المادة في حديثه عن القرآن اسماً وفعلاً. . ولذلك فإن هذه التسمية ليست بغريبة عن روح القرآن ولغته.
أما المجيزون لورود السجع في القرآن. فكثيرون كذلك.
منهم أبو هلال العسكرى وضياء الدين ابن الأثير. والعلوى صاحب الطراز وابن سنان الخفاجى.
والفراء من النحاة والزركشي صاحب " البرهان " والسعد وابن النفيس. .
وغيرهم.
وكان على هؤلاء أن يقوموا بعملين لإثبات مذهبهم. .
أولاً: الرد على شُبه المانعين. وأقوى أدلتهم - فيما نرى - أن السجع من
المحسنات اللفظية، والفواصل من المحسنات المعنوية، وبين النوعين بون شاسع.
(1) ردد هذه الشُبه القاضي أبو بكر الباقلاني فى كتابه " إعجاز القرآن؟.
ثانياً: أن يأتوا بجديد من الأدلة التي تؤيد وجهتهم فضلاً عن رد شُبه
المانعين. وهذا هو الذي فعلوه فلننظر في أقوالهم.
يقول ابن الأثير: ". . وإلا لو كان مذموماً - يعنى السجع - لما ورد فى
القرآن الكريم. فإنه قد أتى منه بالكثير حتى إنه ليؤتى بالسورة كلها
مسجوعة. كسورتى الرحمن والقمر. وغيرهما. .
وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور ".
ويقول أبو هلال العسكرى: " جميع ما في القرآن الكريم مما يجرى على
التسجيع والازدواج مخالف في تمكين المعنى وصفاء اللفظ، وتضمن الطلاوة
والماء لما يجرى مجراه من كلام الخلق ".
وكذلك يقول صاحب " الطراز "، وابن النفيس، وهما إنما يدفعان ما ذكره
المانعون من شُبَه ولم يأتيا بجديد يؤيد هذه الوجهة.
أي أنهما يدوران فى مجال العمل الأول فحسب.
وجاء ابن سنان الخفاجى فأتى بالعملين معاً. رد شُبه المانعين. وإِثبات جديد من الأدلة ليس في وسع منصف إنكارها، فكان أكثر النقاد حسماً للخلاف. وأشدهم حماساً لإثبات السجع في القرآن الكريم. ك
ان منهجه على النحو التالى:.
1 -
بدأ بذكر مذاهب المانعين. وذكر عبارة الرماني: " الفواصل بلاغة،
والسجع عيب ". وفند أدلتهم واحداً واحداً.
2 -
فرق بين الفواصل والأسجاع تفرقة فنية بأن الأسجاع حروف متماثلة فى مقاطع الفصول أما الفواصل فمنها ما يكون متماثل الحروف ومنها ما يكون متقارب الحروف. فالأول سجع والثاني فاصلة.
وكلا النوعين إما أن يأتى طبعاً سهلاً تابعاً لمعناه، وإما أن يأتى على الضد.
فالأول محمود والثاني مذموم.