الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
سكنى الجنة:
جاء أمر الله لآدم عليه السلام أن يسكن الجنة هو وزوجه في ثلاث سور:
الأولى: " البقرة "، قال سبحانه:(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) .
الثانية: " الأعراف "، قال سبحانه:(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) .
الثالثة: " طه "، قال سبحانه:(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (1)(117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) .
ولعل أول ما يلاحظه الباحث في هذه النصوص الثلاثة "أن الأمر بالسكنى فى
الجنة جاء صريحاً في آيتى البقرة والأعراف. وخولف ذلك في طه لأن ما فيها
نصح وتحذير لآدم وزوجه من إغواء الشيطان لهما. لأنه لهما عدو. فجاء قوله تعالى: (فَلَاَ يُخْرِجَنكُمَا مِنَ الجَنة فَتَشْقَى) دليلاً على تمكنهما من الجنة.
حيث نهاهما الله أن يخرجهما منها الشَيطان.
وفي طه - كذلك - تفصيل لمظاهر النعيم التي كانا ينعمان بها فى الجنة.
ويقابل هذا التفصيل في البقرة والأعراف الإذن لهما بأن يتمتعا بما شاءا حيث
كانا فيها مع زيادة وصف الأكل بـ " الرغد " في البقرة.
(1) الراجح في إفراد الخطاب هنا - كما أرى - هو أن آدم بما يحصل من مسئولية القوامة وتدبير أمر الأسرة يكون أول مَن يشعر بالشقاء.
كما يلاحظ الباحث أن آية البقرة قد صُدِّرَت بقوله: (وَقُلنَا يَا آدَم) ، أما
الأعراف فقد حُذفَ منها القول وصُدِّرَت بالنداء وحده: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أنتَ وَزَوْجُكَ الجَنةَ)، كما صُدِّرَت آية طه بالقول مسبوقاً بالفاء دون الواو كما فى البقرة:(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) .
ولعل السر في ذلك أن القول في البقرة عطف على نظيره في صدر الآية
السابقة: (وَإذْ قُلنَا لِلمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ) .
أما في الأعراف فقد حُذفَ القول. وبُدِئَ في خطاب آدم بالنداء لأنه قد سبق
عليه قوله تعالى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) .
فلو قال بعده: " وقلنا. . " لتَوهم متوهم أن " قال " في الآية السابقة ليست عن قول الله لإسناده إلى ضمير الغائب وإسناد " قلنا " لضمير المتكلم، وقد عرفنا حرص القرآن على إسناد القول إلى ضمير المتكلم في موضع الأمر بالسكنى لآدم وزوجه.
والأظهر هنا أن الواو للاستئناف في: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ) حتى تظهر
المغايرة التامة بين مأمور بالخروج مذءوماً مدحوراً، ومأمور بالتمكن معرزاً
مكرماً.
أما العطف في طه بـ " الفاء ": (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) فلما في " الفاء " من الترتيب والتعقيب. وما تفيده كذلك من
معَنى السببية. إذ تقدم عليها امتناع إبليس عن السجود له.
فأبان العطف بـ " الفاء " ترتب نصح الله لآدم على امتناع إبليس عن
السجود. وأن ذلك حدث دونما فصل بين الامتناع والنصح - هذا من حيث الترتيب والتعقيب - أما من حيث السببية فإن كون إبليس ممتنعاً عن السجود لآدم. فذلك سبب في أنه عدوهما والحقود عليهما.
* *