الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
وقفة:
والناظر في هذه النصوص يرى أن الرجل - عبد القاهر - يناقض نفسه، أو
أنه ما قال في شأن اللفظ والدفاع عنه إلا بعد نسيان ما قرره في جانب المعنى
ونسبة الفضل إليه، وإلا لما صح أن يقع منه هذا التضارب الذي لا يخفى شأنه على إنسان، ولا مخرج من هذا الإشكال إلا أن نقرر ما قلناه في مطلع الحديث عنه من أنه حين حمل على مَن يفضل المعاني على الألفاظ إنما كان يضع نصب عينيه مغالاة القائلين بها الرأي. وعندما حمل على مَن يفضل الألفاظ على المعاني كان كل همه أن يدفع مغالاتهم وتطرفهم فيها.
على أن في كتابه هذا - دلال الإعجاز - نصوصاً يمكن أخذ رأى عبد القاهر
من النظر إليها في وضوح.
ورأيه الذي يصل إليه الباحث هو المساواة بين العنصرين دون حيف منه على
أحدهما لحساب الآخر. فهو يقول: " ولا جهة لاستعمال هذه الخصال - يقصد حسن الدلالة - غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته. . ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له، وأحرى بأن يكسبه نبلاً ويظهر فيه مزية".
ويقول: " فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع مجالاً للشك أن الألفاظ لا
تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلمة مفردة. .
وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ ".
ولا ينسى عبد القاهر في كل ذلك فضيلة النظم التي من أجلها وضع أصول
الكتاب، فإنكاره لمزية اللفظ - مفرداً - إنكار - بدلالة اللزوم - لمزية المعنى المفرد - ولذلك فهو يقول: " علمتَ - بفتح التاء - أن الفصاحة والبلاغة، وسائر ما يجرى في طريقهما أوصاف راجعة إلى المعاني وإلى ما يدل عليه بالألفاظ دون الألفاظ أنفسها لأنه إذا لم يكن في القسمة إلا المعاني والألفاظ.
وكان لا يعقل تعارض في الألفاظ المجردة إلا ما ذكرت لم يبق إلا أن تكون
المعارضة معارضة من جهة ترجع إلى معاني الكلام المعقولة. . . دون ألفاظه
المسموعة ".
ذلك هو رأى عبد القاهر في قضية اللفظ والمعنى، وهو رأى حرى بالقبول
لخلوه من التصرف ولتمثيله للواقع.
وله في أسرار البلاغة ما يؤيد هذه الفكره. يقول فيه: " الألفاظ خدم
للمعاني والمصرِّفة في حكمها. وكانت المعاني هي المالكة سياستها المستحقة
طاعتها. فمَن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جهته. وأحاله عن طبيعته وذلك مظنة من الاستكراه ".
وهو في هذا النص يدفع الغلو من جهة اللفظ، وإهمال المعنى. .
وقبله يقول:
" فقد تبين لك أن ما يعطى التجنيس من الفضيلة أمر لم يتم إلا بنصرة المعنى،
إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه مستحسن ولا وُجِدَ فيه إلا معيب مستهجن ولذلك ذم الإكثار منه والولوع به ".
فلكل من المعنى واللفظ دوره في روعة العمل الأدبي.
ولكنا نراه فى " الأسرار " ينتصر للمعاني أكثر من إِثباته مزايا الألفاظ، وفي " الدلائل "