الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الثالثة: فقد اختصت بالنعَم التي عليها تقوم مطالب الحياة الدنيا من
إنزال الماء من السماء وسلكه فى الأرض عيونا، وإنبات النبات به والزروع
والأشجار. فيأكل الناس والأنعام مما تنبت الأرض.
وهذه النعَم تقتضى شكر المنعِم بها من المنعَم عليه. فكان - بحسب الظاهر - أن تكون فَاصلته: " لقوم يشكَرون "
فعدل عنها إلى: " لقوم يؤمنون " لنكتة أوجبت ذلك.
لأنها كما تقتضى شكر المنعم بما تقتضى الإيمان بواهبها.
والإيمان أصل فى الشكر فأوثر على الفرع.
واكتفى به لتضمنه إياه.
ومثل هذا التضمين يسمى " المضاعفة " في علم البديع
قلنا: إن اختلاف الفواصل هنا كان لاعتبارات فيما هي فاصلة له من اختلاف فى جنس المنعَم به وقد تختلف الفاصلتان والمعنى واحد!
* * *
*
اختلاف الفواصل مع اتحاد المعنى:
ولكن في القران ما هو مثير للدهشة. ذلك أن الفاصلتين قد تختلفان
والمحدَّث عنه واحد في الموضعين.
ومن هذا قوله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) .
وقوله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) .
وقد أجاب ابن المنير على هذا الاختلاف في الفاصلتين مع اتحاد الموضوع فقال: " كأنه - أي الله - يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة. فأنت آخذها. وأنا
معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان كونك ظلوماً وكونك كفاراً. " وحصل لى عند إعطائها وصفان: أنى غفور وأني رحيم، أقابل ظلملت بغفرانى وكفرك برحمتى".
وتخريج ابن المنير لاختلاف الفاصلتين مقبول، لكنه لم يعالج الموضوع من
جميع أطرافه لأن فيه سؤالاً ما زال قائماً حاصله: لماذا أوثر وصف الإنسان فى
سورة إبراهيم على وصف الله؟
ثم لماذا أوثر - كذلك - وصف الله في سورة النحل على وصف الإنسان؟
وعندى. . أن إيثار وصف الإنسان في سورة إبراهيم لأن السورة عددت كثيراً من مظاهر النعم، فروعى جانب الإنسان فيها.
وقليل من الناس الشكور.
فقررت السورة موقف سواد الناس من النعم.
وإيثار وصف الله في سورة النحل. لأن السورة تحدثت عن كثير من صفات
الله في موطن يدَّعي فيه المضللون وجود شريك لله - سبحانه - فناسب أن
يراعى فيها وصف الله دون الإنسان.
وعلى عكس هذه المسألة قد يختلف موضوعا الحديث وتأتى الفاصلتان
متفقتين في الموضعين، ومثال ذلك:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) .
وسر اتفاق الفاصلتين أن الغرض من الكلامين واحد. هو أدب الاستئذان،
والمناسبة في الموضعين واضحة لأن المعنى.
الله عليم بما فيه صلاحكم حكيم فيما شرعه لكم.