الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
الرافعي:
الرافعي رائد من رواد النهضة الحديثة، وكتاباته تتسم بالعمق والأصالة
ومنها ما كتبه حول إعجاز القرآن والبلاغة النبوية.
وقد خصهما بكتاب، كتب فيه فصولاً عن الإعجاز القرآني بعد أن سرد
أقوال السابقين فيه. وقد أبان في مقدمتها أنه سيتناول الإعجاز القرآني من
غير الجهة التي مضى عليها الأقدمون، بعد أن أوضح أن الإعجاز القرآني
إنما يرجع إلى الأسلوب والنظم والتأليف.
قال: " وهذا الأسلوب. إنما هو مادة الإعجاز العربي في كلام العرب كله، ليس من ذلك شيء إلا وهو مُعجِز. . وهو
الذي قطع العرب دون المعارضة واعتقلهم عن الكلام فيها.
وضربهم بالحُجة، من أنفسهم وتركهم على ذلك يتلكأون ".
وبقول: " ورد عليهم من طرق نظمه، ووجوه تركيبه، ونسق حروفه فى
كلماتها، وكلماته في جملها، ونسق هذه الجمل في جملته، وما أذهلهم عن
أنفسهم، من هيبة رائعة وروعة مخوفة ".
والإعجاز عند الرافعي - كما يبدو من نصيه المذكورين - إنما هو في النظم
والتألف، وعندما عمد الرافعي إلى الحديث الفصل عن الإعجاز نراه قد جمع
فى آرائه بين ما قاله الأولون. وبين ما اتفق له ولم يسبق لغيره. فهو - إذن -
لم يتحدث عنه من وجهة جديدة كما قال.
ولذلك فسنوجز آراءه إيجازاً غير مخل فيما يأتى:
*
وجوه الإعجاز البياني عند الرافعي:
1 -
الكمال اللغوي: وذلك بالنزول عن التحدى بمثل القرآن كله. . إلى عشر سور مثله مفتريات - كما زعموا - إلى سورة واحدة من مثله. .
ولو هم أرادوا
هذه السورة الواحدة ما استطاعوها. لأن إحساسهم منصرف إلى أصل الكمال اللغوي في القرآن، مستغرق فيه. فلا يرون المعارضة تكون إلا على هذا الأصل وهو شيء لا تناله القُدرة.
2 -
التكرار: الذي يجيء في بعض آيات القرآن فتختلف في طرق الأداء
وأصل المعنى واحد في العبارات المختلفة.
وهو مذهب للعرب معروف ولكنهم
لا يذهبون إليه إلا في ضروب من خطابهم للتوكيد والتهويل.
بَيْدَ أن وروده فى القرآن مما حقق للعرب عجزهم بالفِطرة عن معارضته، وأنهم يخلون عنه لقوة غريبة فيه لم يكونوا يعرفونها إلا توهماً، ولضعف غريب في أنفسهم لم يعرفوه إلا بهذه القوة، لأنهم عجزوا عن السورة الواحدة. فكان عجزهم عن السورتين، وما عداهما أبين وأظهر.
3 -
وجه تركيبه: فإنه مباين بنفسه لكل ما عُرِف من أساليب البلغاء فى
ترتيب خطابهم وتنزيل كلامهم، على أنه يؤاتى بعضه بعضاً، وتناسب كل آية منه كل آية أخرى في النظم والبلاغة. على اختلاف المعاني وتباين الأغراض. . .
إذ يبدو كأنه قطعة واحدة، والبلغاء تختلف أساليبهم في أنفسها من القوة إلى
الضعف لأسباب. وعِلل لا يصعب الكشف عنها في نفس القائل.
4 -
لأنه ليس وضعاً إنسانياً ألبتة، ولو كان من وضع إنسان لجاء على
طريقة تشبه أسلوباً من أساليب العرب، أو مَن جاء بعدهم إلى هذا العهد، ولا من الاختلاف فيه بين في طريقته ونسقه ومعانيه.
وقد كان هذا سبباً من أسباب ضعف المعارضة فيهم.
لأنهم لم يبلغوا شأواً يؤهلهم للإتيان بمثل القرآن.
5 -
سلامة أسلوبه من القلق والاضطراب، فليس فيه من الغرابة التى
يكسوها البلغاء كلامهم في تجويد وصفه وحبكه. إنما فيه غرابة الانسجام،
والسهولة التي يسيل بها القرآن، وهي سهولة الأوضاع الإلهية، التي يعرفها
كل الناس ويعجز عنها كل الناس.
6 -
ليس فيما بين الدفتين إلا رهبة ظاهرة، وإلا أثر من التمكن يصف لك
منزلة المخلوق من أمر الخالق، ولا تجد من أغراضه إلا ما كان في وصفه مادة
لتلك الرهبة. ولذلك الأثر والروح.
7 -
ما في أسلوبه من اللين والمطاوعة على التقليب والمرونة في التأويل
بحيث لا يصادم الآراء الكثيرة المتقابلة، التي تخرج بها طبائع العصور المختلفة، وكلام الناس لا يحتمل مثل هذه الوجوه. بل إنه كلما كان أدنى إلى البلاغة
كان نصاً في معناه، ثابتاً في حيزه.
8 -
ما فيه من البلاغة والفصاحة يقتضيه اقتضاءً طبيعياً. بحيث يبنى هو
عليها ولا تبنى هي عليه فكل ما فيه من مجاز وتمثيل وكفاية لا يصح فى
الجواز أو فيما يسعه الإمكان أن يصلح غيره في موضعه، ولو أدرت اللغة
على هذا الوضع.
9 -
أن موسيقى ألفاظه نمط فريد ليس معروفاً لهم في كلامهم، حتى لم
يكن لمن يسمعه بدٌّ من الاسترسال إليه، فإنه إنما يسمع ضرباً خالصاً من
الموسيقى اللغوية، كأنما يوقع إيقاعاً لا يتلى تلاوة.
10 -
أنه لا يخلق على كثرة الرد، وطول الدهر، ولا تجد لذلك سراً إلا
دقة النظم وإعجازه، وخصائصه الموسيقية، وتساوق حروفه على أصول مضبوطة من بلاغة النغم بالجهر والهمس والمد والغن، ثم اختلاف ذلك في الآيات بسطاً وإيجازاً وإفراداً وتركيباً.
11 -
أن القرآن انفرد بصوت الحس الذي خلت من صريحه لغتهم وهو الذى يتكون من دقة التصوير المعنوي، والإبداع في تلوين الخطاب، بمجاذبة النفس مرة ومداهنتها منها مرة أخرى، والتنقل بها من شأن إلى شأن حتى تتصل بالمعنى وتصبح كأنها هي التي تطلبه فتقع في أسره.
هذا الصوت خَلتْ منه لغتهم وانفرد به القرآن. لأنه من الكمال اللغوى الذى تعاطوه ولم يعطوه.
12 -
أن بلاغة القرآن لا تعتمد على الخيال الشعرى، أو العادة الثابتة،
أو العاطفة المطمئنة، وإنما يرجع الأسر فيها إلى جرس الحروف في الكلمات
ومواقع الحروف والكلمات وطريقة نظمها.
13 -
أنه يتلطف في تحريك الشاعر والرفق بها فلا تضيق به النفس،
ولا تتخونها منه ملالة.
14 -
أن القرآن بمادته اللغوية أصبح فوق اللغة التي يحذقها اللسن من
الناس لأنها في القرآن في تركيب ممتنع أن يأتي بمثله الناس. فخرجت من لغة
الاستعمال إلى لغة الفهم. وكونت طبقة عقلية من اللغة ومن ثَم تتنزل الأفكار منزلة التوهم الطبيعى الذي يؤثر بالصفة ما يؤثر بالشيء الموصوف. بل بما وفَّى وزاد.
15 -
أن الحركات النحوية والصرفية في القرآن لها من حكم البلاغة
والفصاحة ما للكلمات والتركيب، لشدة ما بينها من تلازم واتساق.
وهذا سر من أسرار الإعجاز فيه.
* * *