الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" والذي أقوله: إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون لها مدلولاً متداولاً بينهم
لكانوا أول مَن أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلا عليهم (حم) و (ص)
وغيرهما فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع
تشوقهم إلى عثرة. وحرصهم على زَلة. فدل على أنه كان أمراً معروفاً بينهم
لا إنكار فيه.
ومما يضعف هذا الرأي أن منشأه جماعة من اليهود. ظنوا الأمر كذلك حين
سمعوا القرآن. ثم لم يلبثوا أن تبينوا خطأ ظنهم.
كذلك - فإن القول بأنها رموز لكثرة ورودها في السور التي هي فيها أكثر
من غيرها من الحروف الأخرى. لا عمق فيه. وما يمكن أن يُثار حوله من نقد.
ما هي القيمة البيانية لهذه الإشارات؟!
وهل هذا القول لائق بجلال القرآن وعلومنزلته؟ ؟
* * *
*
أرجح الآراء في هذا المجال:
وبعد هذه المناقشة السريعة يبدو واضحاً أن أرجح هذه الاتجاهات على
الإطلاق ما ذهب إليه قطرب والفراء من أن تلك الحروف علامات دالة ورموز منصوبة فحواها أن هذا القرآن الذي أعجز العرب أمره. وبانَ لهم وجه التحدى فيه ليس بلغة غير لغتهم بل هو مؤتلف من مادة اللغة التي يحذقونها.
ويجيدون التبارى فيها. ولهم تفنن في أساليب وطرق تعبيرها. إذ لو كان بغير
لغتهم لما صح به التحدى ولكان لهم عذر في الإعجاز من أوسع طريق. وأغنى مورد.
ويرجِّح هذا الرأي أمور:
أ - أن ستاً وعشرين سورة مما فواتحه حروف مقطعة مكية النزول، والعلة أن
مظاهر العناد والتحدى للدعوة الجديدة في مكة قد بلغ نهايته فناسب ذلك أن
يورد القرآن كثيراً من النماذج التي تؤيد صحة الدعوة، وتؤكد نسبتها إلى الله تعالى.
2 -
أن معظم هذه السور فيها حديث - بعد الفواتح مباشرة - عن سمو
القرآن وعلو طبقته: (ذَلِكَ الكتَابُ لَا رَيْبَ فيه هُدىً لّلمُتقينَ) ،
و (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلتْ) . . . إلىَ آخر هذه الآيات والمطالع.
وقد تنبه العلماء قديماً إلى هذه الظاهرة، فنص عليها الرازى،
والزركشى وغيرهما.
قال الزركشي: " واعلم أن عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن. .
وقد جاء بخلاف ذلك في العنكبوت والروم فيُسأل عن حكمة ذلك ".
والمشكلة تتصور في العرض الآتى: فقد حرص القرآن الكريم في كل سورة
بدئت بالحروف المقطعة أن يذكر معها ما يتعلق بالقرآن.
وتخلف هذا المنهج فى ثلاث سور هي: مريم - العنكبوت - الروم. فقد جاءت مطالعها هكذا:
(كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) .
(الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) .
(الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) .
والحق أن المتتبع لهذه السور الثلاث يجد في غضونها ذكراً وحديثاً عن
القرآن، أو الانتصار للقرآن كما يقول الحافظ ابن كثير.
ففى مريم تكرر قوله تعالى خطاباً للنبى عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. . .) خمس مرات.
ثم تأتى في نهاية السورة هذه الآية: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) .
وكذلك الحال في سورة العنكبوت فقد وردت فيها الآيات الآتية:
(اتْلُ مَا أوحِىَ إليْكَ مِنَ الكِتَابِ. . .) .
(وكَذَلِكَ أنَزْلنَا إليْكَ الكِتَابِ) .
(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
(بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أوتُواْ العِلمَ) .
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) .
وجاء - كذلك - في سورة الروم: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) .
وبهذا يمكن أن نخرج بما يأتى:
أولاً: أن كل سورة بدئت بالحروف المقطعة، فيها حديث مباشر عن روعة
القرآن الكريم وإعجازه.