الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الجديد في القصة في العهد المدني:
إن الجديد الذي ورد في العهد المدنى عناصر بارزة في القصة أرجأها الله
تعالى فلم ترد في المكي. وهي تتمثل فيما يلى:
أولاً: جاء فيه أنه قال للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ،
ولم يقل لهم كما قال في المكي: (إنَى خَالِقٌ بَشًراً مِن طِيَن) - مثلا
- كما في سورة " ص ".
وجعل آدم خليفة مرحلة أرقى من خلقه ولاحقة به في الوجود.
ثانياً: جاء فيه أن الملائكة تعجبوا من هذا الجعل وبنوا تعجبهم على وصفين
فى المجعول. ووصفين فيهم.
أما الوصفان اللذان في المجعول: فكونه مفسداً في الأرض وسافكاً للدماء.
وأما الوصفان اللذان فيهم: فكونهم مسبِّحين بحمد الله ومقدِّسين له.
فرد الله عليهم بأنه يعلم ما لا يعلمون.
ثالثاً: وجاء فيه تعليم الله آدم الأسماء كلها ومسمياتها وأعدَّه بذلك لمباراة
بينه وبين الملائكة ليتحقق له الانتصار عليهم.
رابعاً: وجاء فيه أن الله عرض المسميات على الملائكة وطلب منهم أن ينبئوه
بها فلم يستطيعوا وفوَّضوا الأمر إلى الله مسبِّحين له.
خامساً: وجاء فيه أن الله أمر آدم أن ينبئهم بالأسماء ففعل.
فلما أنبأهم بأسمائهم قال الله لهم: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) .
وأول ما يلاحظه الباحث - هنا - أن نص السورة (البقرة) حين اشتمل على
معان جديدة لم ترد في غيره قبلا. كما وضحناها آنفاً. واشتمل على معان
تحدثت عنها السور المكية، فإنه في بناء القصة في المدينة قدم القرآن المعاني
الجديدة، وبعد الفراغ منها ساق المعاني التي وردت في العهد المكي.
وبذلك اكتمل بناء القصة. ولم يعد فيها موضع لإضافة جديدة.
فى المدني كانت عبارة: (إنِّي جَاعلٌ في الأرضِ خَليفَةً) بديلا عن
عبارة: (إنًى خَالِقٌ بَشَراً)
لأن العهد المكي كان عهد تكوين في كل شيء. . تكوين للعقيدة الصالحة،
تكوين للأخلاق الإنسانية الفاضلة، تكوين لجماعة تؤمن بالحق وترفض الباطل.
فناسبه من قصة آدم عليه السلام مراحل التكوبن الأولى.
مراحل الخلق والإيجاد من الطين أو الصلصال والحمأ المسنون.
أما " الجعل " فمناسب للعهد المدني لأنه طور لاحق للإيجاد والخلق.
ولأن مفعوله خليفة، والخلافة مجعولة لآدم متنقلة في ذُريته جيلاً بعد جيل لأن فى الجعل معنى التحويل من شيء إلى شيء.
قال العلامة العمادي في تفسير أول سورة الأنعام:
" والجعل هو الإنشاء والإبداء كالخلق. خلا أن ذلك مختص بالإنشاء التكوينى وفيه معنى التقدير والتسوية.
وهذا عام له كما في قوله تعالى: (وَجَعَلَ الظلمَاتِ والنورَ)، وللتشريعي كما في قوله تعالى:(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) .
وأياً ما كان فهو إنباء عن مَلابسةَ مفعوله بشئَ آخًر يكونَ فيه أو له أو منه ".
فالخلق لا يُطلق إلا على الإيجاد والإبداع. أما الجعل فقد يُستعمل في معنى
الخلق. وقد يفارق ذلك المعنى إلى معان أخرى كما ذكره العمادي.
ولذلك وضع بإزاء الخلافة لأن الخلافة مجعولة لا مخلوقة.
(1) في الكتاب المطبوع النص هكذا: " والجعل هو الإنشاء والإبداء كالخلق. خلا إن مختص بالإنشاء التكوينى. وتم التصويب من تفسير أبي السعود (صاحب النص) . اهـ مصحح النسخة الإلكترونية.