الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الظل والجرس:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)
والهدف من الآية الإنكار على المتقاعدين عن الجهاد.
واستثارة هممهم للغزو فى سبيل الله لأنهم كلما دُعوا إلى القتال تراخوا وفترت عزماتهم.
فجاءت كلمة " اثَّاقَلْتُمْ " تصور المعنى أبدع تصوير لأن التثاقل يقاوم
حركات الرافعين له. كلما رُفِعَ تساقط وهوى إلى الأرض.
والذين قعدوا عن الجهاد مثلهم مع الداعي إليه مثل التثاقل مع رافعيه
هذه صورة يدركها الخيال. ومنظر ماثل أمام الناظرين تصوره كلمة واحدة
هى " اثَّاقَلْتُمْ " بما تثيره من خيال " ظل "، وبما توحى به نغماتها من رنين
" جرس " فهى تتكون - بحسب نطقها - من أربعة مقاطع صوتية. وكل
مقطع منها مكون من فتح وسكون، والفتح والضم حركة تشبه دعوة الداعي.
والسكون على المقاطع تملص من تلك الحركات الرافعة، وإخلاد إلى الأرض.
ولنا أن نقارن بين الكلمة المدعوين إليها " انفروا " والكلمة الجانحين هم
إليها " اثَّاقَلْتُمْ " فللأولى خفة. توحي بمعنى الإنطلاق. وللثانية ثقل يوحى
باللصوق بالأرض، فبينهما ما بين الحركة السريعة والبطء المتثاقل!
وخذ إليك قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
وتأمل الصورة تأملاً تدرك منه سر اختيار هذه الكلمات: " حُمُر "
و" مستنفرة " و " فرت " و "قسورة "
وإذا وصلتَ إلى ذلك أدركتَ إلى أى مدى كان الكافرون يُعرضون عن الدعوة ويشردون منها شروداً بالغاً مداه كما تشرك الحُمُر المستنفرة إذا هاجها الصياد أو الأسد المفترس.
وهم يشرودن خائفين منها لا فيها من نُذُر تطير منها قلوبهم التي غمرها
الشيطان بغوايته ونفوسهم التي أسرها الهوى بضلاله. وكلمة " مستنفرة "
تزيد المعنى دقة ووضوحاً لأن من الحُمُر حُمُراً أهلية تأنس إلى مَن تراه وليست
هذه منها بل هي مستنفرة تفزعها مجرد الرؤية بله الطلب وتوقع الخطر. وكذلك كلمة " فرت " إذ تبين هذه الكلمة أنهم لشدة إعراضهم لم يشردوا من الداعي ماشين على أقدامهم فوق الأرض. بل طائرين في الفضاء كلما يصنع الطير المهيج.
وقد اشترك الظل مع الجرس في دلالة هاتين الكلمتين " مستنفرة "، " فرت "
كما ترى.
* *
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) َ.
هذه الآية تصور - كذلك - تملص رجل من الإذعان لهدى الله.
وقد اختير للدلالة على هذا المعنى كلمة " انسلخ " وهذا اللفظ يرسم لنا الصورة عنيفة فظيعة ولهذه الصورة رمز ومعنى.
فالانسلاخ لغة: إزالة الستور. يقال: انسلخ الرجل من ثيابه إذا طرحها،
والشاة إذا أزيل عنها جلدها.
فكان خروج هذا الرجل عن طاعة الله إلقاء لستوره وما يحفظ عليه أمره، فهو - بعد - لا يلوى على شيء من أسباب الكرامة ودواعى التوقير. .
قال الزمخشري في توجيه هذا المعنى:
" فحططناه ووضعنا منزلته ".
ومعنى آخر يُفهم من هذا التعبير. ذلك أن الانسلاح للشاة لا يكون إلا بعد
الذبح ومحال أن يُسلخ جلد شاة وهي على قيد الحياة.
وفي هذا تضمين يوحى بأن هذا الرجل ومَن كان على شاكلته أموات غير أحياء. وليس هذان المعنيان