المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رد جديد على الشبهة: - خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية - جـ ١

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌تقديم

- ‌الباب الأولمدخل إلى البحث* وظيفة التعبير اللغوي وتطورها.* قيمة الوجوه البلاغية في جمال التعبير اللغوي

- ‌الفصل الأولوظيفة التعبير اللغوي وتطورها

- ‌‌‌ الآراء حول نشأة اللغة:

- ‌ الآراء حول نشأة اللغة:

- ‌ أنواع التعبير اللغوي:

- ‌ تطور التعبير اللغوي:

- ‌ اللغة - إذن - - ما هي

- ‌ عناصر اللغة:

- ‌ عناصر المعنى اللغوي:

- ‌ الجملة اللغوية:

- ‌ رأى عبد القاهر الجرجانى:

- ‌ رأي ابن خلدون:

- ‌ الفروق بين العلمي والأدبي:

- ‌ صلة التعبير اللغوي بالتفكير:

- ‌ مناقشة سريعة:

- ‌ صلة التعبير اللغوي بالذكاء:

- ‌ وظيفة اللغة - إذن - ما هي

- ‌الفصل الثانيقيمة الوجوه البلاغية في جمال التعبير اللغوي

- ‌ العصر الجاهلي:

- ‌ العصر الإسلامي:

- ‌ العصر الأموي:

- ‌ العصر العباسي:

- ‌ كتاب البديع وسبب تأليفه:

- ‌ محاسن الكلام:

- ‌ قدامة بن جعفر:

- ‌ ابن طباطبا:

- ‌ أبو هلال العسكرى:

- ‌ قيمة الكتاب:

- ‌ الطبع والصنعة:

- ‌ صلة البلاغة بقضايا النقد الكبرى:

- ‌ تقديم اللفظ على المعنى:

- ‌ قيمة هذا المذهب:

- ‌ نظرة عادلة:

- ‌ وقفة:

- ‌ قيمة مذهب عبد القاهر:

- ‌ الموازنة بين معنى ومعنى:

- ‌ القاضي الجرجاني:

- ‌ حصيلة هذه الجولات

- ‌ الألفاظ:

- ‌ المعاني:

- ‌ منارات على الطريق:

- ‌الباب الثانيخصائص التعبير في القرآن الكريم* الإعجاز العلمي والتشريعي.* الإعجاز البياني الأدبي.* خصائص يغلب عليها جانب الألفاظ.* خصائص يغلب عليها جانب المعنى

- ‌الفصل الأولالإعجاز العلمي والتشريعي

- ‌ رأى آخر للنظام:

- ‌ تعقيب:

- ‌ رأى متطرف:

- ‌ ابن حزم والصرفة:

- ‌ الرماني والقول بالصرفة:

- ‌ ما هو مذهب الجاحظ في الإعجاز

- ‌ نقد مذهب الصرفة:

- ‌ مقارنة جديدة:

- ‌ وهم زائل:

- ‌ كيف تحدى القرآن العرب

- ‌ دليل آخر في إبطال القول بالصرفة:

- ‌ هل عورض القرآن

- ‌ التسليم بوجود المعارضة يخدم قضية الإعجاز:

- ‌ القيمة التاريخية لقصص القرآن:

- ‌ حكمة أُميًة النبي صلى الله عليه وسلم وقومه:

- ‌ قيمة هذه النظريات:

- ‌الفصل الثانيالإعجاز البياني الأدبى

- ‌ اضطراب الرماني في الرأي:

- ‌ نماذج من تحليلاته:

- ‌ وقفة مع الباقلاني:

- ‌ البديع والإعجاز عند الباقلاني:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ الإعجاز كائن في النظم:

- ‌ استداراك منصف:

- ‌ والخلاصة:

- ‌ نماذج من تحليلاته البيانية:

- ‌ وجوه الإعجاز البياني عند الرافعي:

- ‌ إيضاح لازم:

- ‌ قيمة ما انتهى إليه الرافعي:

- ‌ ما يؤخذ عليه:

- ‌ دفاع عنه:

- ‌ خصائص أسلوب القرآن عند دراز:

- ‌ تعقيب:

- ‌ اجتهد فخالف نصاً

- ‌ ليس في الجديد جديد

- ‌ تنويه:

- ‌ آراء منثورة في الإعجاز القرآني:

- ‌ تعقيب ونقد:

- ‌ دور البلاغة في الأسلوب الجميل:

- ‌ رأي جامع:

- ‌الفصل الثالثخصائص يغلب عليها جانب الألفاظ

- ‌ نقد وتحليل:

- ‌ أرجح الآراء في هذا المجال:

- ‌ تمثيل وإيضاح:

- ‌ المجموعة الشرطية:

- ‌ خصائص المجموعة الشرطية:

- ‌ سر الحروف الساكنة:

- ‌ حقيقة كبرى:

- ‌ معان إضافية موحية:

- ‌ مطالع سور المجموعة الشرطية:

- ‌ سِرُّ " إذا

- ‌ إيثار غير " إذا

- ‌ ظاهرتان عامتان:

- ‌ آراء العلماء حول السجع في القرآن:

- ‌ دليل السجع من القرآن نفسه:

- ‌ رد هذا الدليل:

- ‌ وظيفة الفواصل اللفظية:

- ‌ وظيفة الفواصل المعنوية:

- ‌ اختلاف الفواصل لاختلاف المعاني:

- ‌ اختلاف الفواصل مع اتحاد المعنى:

- ‌ فواصل تحتاج إلى تأمل:

- ‌ دليل من الشعر العربي:

- ‌ أقسام الفواصل:

- ‌ بحث جديد في الفوصل القرآنية:

- ‌ فواصل الآي الطوال:

- ‌ فواصل الآي القصار:

- ‌ غرضان من سورة " الغاشية

- ‌ تحليل آية " التداين

- ‌ دليل يؤيد هذه الفكرة:

- ‌ روعة اللفظ القرآني في نفسه

- ‌ ألفاظ حسنت في القرآن وعيبت في غيره:

- ‌ سمات أخرى لحسن اللفظ في القرآن:

- ‌ سياسة لغوية:

- ‌ توجيه القرآن لانتقاء الألفاظ:

- ‌ ملحظ بياني دقيق:

- ‌ إيثار أحد اللفظين للمناسبة:

- ‌ كنايات القرآن عما يقبح التصريح به:

- ‌ شُبه مردودة:

- ‌ وجوه الرد:

- ‌ إصابة اللفظ القرآني:

- ‌ طريق الدلالة في اللفظ القرآني:

- ‌الظل

- ‌ الجرس:

- ‌ الظل والجرس:

- ‌ تناسب اللفظ القرآني مع معناه:

- ‌ الذم:

- ‌ إجمال:

- ‌ الترغيب:

- ‌ العتاب:

- ‌ عتاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ عتاب المؤمنين:

- ‌ التشريع:

- ‌ منهج الالتزام:

- ‌ وجه آخر لنظرية الالتزام:

- ‌ الأب ليس والداً

- ‌ ملحظان هامان:

- ‌ اعتراض مدفوع:

- ‌ والوالدة. . أب

- ‌ سر التغليب:

- ‌ النعمة ليست نعيماً:

- ‌ مغزى السؤال:

- ‌ والمرأة. . ليست زوجاً:

- ‌ استعمال كلمة " المرأة

- ‌ شُبهة وردها:

- ‌ استعمال كلمة " زوج

- ‌4 - النغم القرآني:

- ‌ فرق جديد بين القرآن وغيره:

- ‌ مجيئه على تفاعيل الشعر في الظاهر:

- ‌ النغم القرآني عند المحدَثين:

- ‌ مطاعنهم في القرآن. . مبعثها الإعجاب:

- ‌ لماذا سموه شِعرا:

- ‌ خاصتان بارزتان:

- ‌ النغم في الآيات القصار:

- ‌ مراحل إعداد الطعام:

- ‌ مشاهد مطوية:

- ‌ هندسة الجمل:

- ‌ ثلاث فواصل متحدة:

- ‌ مغزى الفاصلة معنوي أولاً:

- ‌ شمس الدين ابن الحنفى، والفواصل القرآنية:

- ‌ وقفة ناقدة:

- ‌ التكرار:

- ‌ وظيفة التكرار في القرآن:

- ‌ تكرار الكلمة مع أختها:

- ‌ تكرار الفاصلة:

- ‌ تكرار الفاصلة في " القمر

- ‌ تكرار آخر في " القمر

- ‌ التكرار في " الرحمن

- ‌ التكرار في " المرسلات

- ‌ سبب عام:

- ‌ التكرار في القصة:

- ‌ دواعي التكرار في القصة:

- ‌دراسة تحليلية لقصة آدم

- ‌ عناصر القصة في سورة " ص

- ‌ عناصر القصة في " طه

- ‌ عناصر القصة في " الإسراء

- ‌ عناصر القصة في " الحِجْر

- ‌ عناصر القصة في " الكهف

- ‌ عناصر القصة في سورة " البقرة

- ‌ ملاحظة جديرة بالتسجيل:

- ‌ ملاحظات:

- ‌ سكنى الجنة:

- ‌ وسوسة الشيطان لهما وما ترتب عليها:

- ‌ أمر الله لهم بالهبوط إلى الأرض:

- ‌ الجديد في القصة في العهد المدني:

- ‌ ملاحظة مهمة أخرى:

- ‌ الملامح الخاصة بكل مصدر من مصادر قصة آدم:

- ‌ لماذا اختلفت أساليب الحكاية والمحكي عنه واحد

- ‌ خلاصة:

- ‌الفصل الرابعخصائص يغلب عليها جانب المعنى

- ‌ لماذا كان المعنى في القرآن ثريا

- ‌ توارد المعاني على اللفظ الواحد:

- ‌ السوء:

- ‌ احتمال اللفظ لمعان متعددة:

- ‌ الجمل والفقرات:

- ‌ القراءات وتعدد المعنى:

- ‌ القيود وتعدد المعنى:

- ‌ سر هذه الظواهر:

- ‌ سؤال لا بدَّ منه:

- ‌ الباقلاني وبلاغة القرآن:

- ‌ الرافعي وبلاغة القرآن:

- ‌ نصح وعناد:

- ‌ طى اسم الرسول:

- ‌ جواب اليهود:

- ‌ دور الرد والمناقشة:

- ‌ إفحام الخصم:

- ‌ صناعة القرآن:

- ‌ هل في القرآن اقتضاب

- ‌ مبنى الشُّبهة:

- ‌ رد الشبهة:

- ‌ حسن التخلص في القرآن:

- ‌ قانون الربط بين الكلام:

- ‌ فيما بين الزركشي والباقلاني:

- ‌ رد جديد على الشُّبهة:

- ‌ الكوثر وجارتاها في المصحف:

- ‌ ملاحظتان مهمتان:

- ‌ سياسة حكيمة:

- ‌ الناس ثلاثة أنواع:

- ‌ المستحيل. . ممكن

- ‌ التسامح مع المخالفين:

- ‌ عودة للتشريع:

- ‌ لقطات مثيرة:

- ‌ نصيب العاطفة:

- ‌ إغراء:

- ‌ ترقيق العاطفة:

- ‌ الدعوة إلى الإصلاح:

- ‌ الجدل القرآني:

- ‌ قضية التوحيد

- ‌ عرض مقولة المشركين:

- ‌ موقف القرآن من هذه الشُّبهة:

- ‌ طريقان لدعوة الناس إلى الحق:

- ‌ استدراج يؤدى إلى العجز:

- ‌ نماذج أخرى فيها دلالة التوحيد:

- ‌ حوارٌ حيٌّ:

- ‌ منطق تصويري:

- ‌ الكون دلالة التوحيد الكبرى:

- ‌ ضعف الأصنام:

- ‌ نُذُر على ألسنة الرسل:

- ‌ إبراهيم يجادل قومه:

- ‌ و (هودٌ) يجادل قومه:

- ‌ نجاة وهلاك المخالفين:

- ‌ السخرية من الأصنام:

- ‌ منهج تربوي:

- ‌ عرض ونقد:

- ‌ هدفنا من النقد:

- ‌ قطب واحد:

- ‌ المشكلة الثانية - قضية البعث:

- ‌ رد شُبه الإنكار:

- ‌ سببان للإنكار:

- ‌ صحة البعث حقيقة:

- ‌ استدلال ممتع:

- ‌ دعوى مردودة:

- ‌ منزع الأدلة في المشكلتين:

- ‌ خصائص الجدل القرآني

- ‌ حقيقة مهمة:

- ‌ جرائم ثلاث:

- ‌ نقض ". . في القرآن:

- ‌ نتيجة:

- ‌ القطع والوصل:

- ‌ ضعف العقيدة:

- ‌ صورة أدبية موحية:

- ‌ إثارة الخيال:

- ‌ صورتان متماثلتان:

- ‌ مقومات الجمال في النص:

- ‌ مجازان تمثيليان:

- ‌ تحليل المجاز في (شَفَا حُفْرَةٍ) :

- ‌ موازنة بين الصور الثلاث:

- ‌ أثر هذه الفروق:

- ‌ ملاحظة أخرى في الموازنة:

- ‌ سر الاختلاف

- ‌ كواكب مضيئة:

- ‌الريح

- ‌ الليل والنهار والصبح:ولكنها في القرآن أنفس حية

- ‌ الأرض تهتز وتنشط:

- ‌ الدعاء له طول وعرض:

- ‌ الحيرة والقلق:

- ‌ لفتة خاطفة:

الفصل: ‌ رد جديد على الشبهة:

ثم علق الزركشي على كلام القاضي بقوله: " انتهى. وفيه نظر ". .

لكنه لم يبين وجه النظر المخالف ولعله أراد أن بين الآيتين ارتباطاً ظاهراً،

وليستا من قبيل الاستطراد، فإن كانت هذه وجهة نظر الزركشي فنحن معه.

وإلا فإن عبارته في حاجة إلى إيضاح والحق يقال. . فصاحب البرهان قد أشار إلى مقصد عام وهام في مسألة الجمع بين المعاني التي يبدو عليها عدم التناسب في الظاهر.

وإن كان عزا ما ذكره إلى أنه نوع من الاستطراد.

قال: " ومنه الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطاً

للسامع كقوله تعالى: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) .

فإن هذا القرآن نوع من الذكر لما انتهَى ذكر الأنبياء، وهو نوع من التنزيل أراد أن يذكر نوعاً آخر وهو ذكرَ الجنة وأهلها فقال:(هَذَا ذكْر)

فأكد تلك الإخبارات باسم الإشارة.

* *

*‌

‌ رد جديد على الشُّبهة:

فيما مضى قدر كاف مما ذكره العلماء في هذا الموضوع.

فلندل بدلونا فيه بأمثلة غير التي تقدمت لهم.

ولنعمد أولاً إلى وحدة كاملة (سورة) من وحدات القرآن نتخذ منها شعاعاً

لمعرفة ما في التنزيل الحكيم من أسس قوية للربط بين المعاني والأحكام بين

الصياغات المختلفة.

ص: 407

بسم الله الرحمن الرحيم

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) .

والمتأمل في هذه السورة يستطيع أن يحللها إلى العناصر الآتية:

1 -

مقدمة قصيرة من آية واحدة مصدرة باستفهام تشويقي لما بعدها.

ولإثارة الشعور والاستعداد النفسي لموضوع الحديث.

2 -

إجابة على هذا الاستفهام التشويقي المثير، وقد استعدت النفس لتلقى

هذه الإجابة واشتاقت إليها.

وهذه الإجابة تشتمل على جزئين أساسيين:

أولهما: حديث عن المكذبين وما يعتريهم يوم الحشر من أسى.

وما أُعِد لهم فى النار من شراب وطعام.

ثانيهما: حديث عن المؤمنين الصادقين وما يغمرهم من سرور يوم الجزاء،

وما أعد الله لهم من مظاهر النعيم في دار الرضوان.

3 -

عود للحديث عن المكذبين موبخاً لهم في أنهم صائرون إلى ما صاروا

إليه، وعندهم من الآيات ما لو تأملوها لآمنوا وصدقوا، ولأنقذوا أنفسهم من العذاب المؤلم والمصير المهين.

ص: 408

4 -

إرشاد للنبى عليه الصلاة والسلام، يبيِّن له حدود وظيفته، ويحثه على

المضي في الدعوة غير آبهٍ بكفر مَنْ كفر، ولا إعراض مَنْ أعرض.

5 -

خاتمة فيها للنبى تسلية. وللمكذبين وعيد شديد. لو تدبروه لكفوا عما

هم فيه ولدخلوا في زُمرة المهتدين.

هذه أغراض خمسة رئيسية اشتملت عليها السورة الواعظة منذرة ومبشرة

ومرشدة.

والمتأمل يدرك في وضوح أن علاقة العنصر الثاني بجزئيه - عقاب العصاة،

وإثابة المصدِّقين - بالمقدمة القصيرة المثيرة هي علاقة الجواب بالسؤال لأن هذا

الاستفهام: (هَلْ أتَاكَ حَديثُ الغَاشيَة) ؟ يلزمه سؤال من النبي عليه

السلام. فكأنه قال: لا. لم يأَتني. فكان الجواب: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) .

وهذا هو الجزء الأول من العنصر الثاني.

أما الجزء الثاني فهو: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) .

وبهذا استوفى الحديث أركانه: سؤال وجواب عن أهل النار، أو كالسؤال

والجواب.

ويلاحظ الباحث أن الجزء الثاني - وهو الحديث عن أهل الإيمان - لم يعطف

عن نظيره المقدم عليه. وهو الحديث عن أهل الكفر.

وكان من حقه أن يعطف عليه لأنه قسيمه.

فلماذا إذن قدم الحديث عن أهل النار. وأخر الحديث عن أهل الجنة ولم

يعطف اللاحق على السابق؟ سؤال هام.

ص: 409

أما التقديم فبداهة أنه ليس للتكريم. . بل لداع بياني أراه فيما يأتى:

فقد تصدر السورة هذه الآية: (هَلْ أتَاكَ حَديثُ الغَاشيَة) .

والغاشية هى القيامة بأهوالها الشداد أو هي النار المحرقة. كما نص على ذلك

المفسرون، وفي التنزيل ما يقوى كلَا التفسيرين فقد جاء فيه:

(يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العَذَابُ)، وجاء فيه: َ (وَتغْشَى وُجُوهَهُمُ النارُ)

بَيْدَ أن إرادة القيامة هنا أولى للتقسيم الذي بعدها.

فإذا استقر ذلك فإن الأولى بالتقديم من الفريقين هو فريق النار لتتلاءم

الألفاظ، فالشدائد يناسبها خشوع الوجوه لا نعومتها. إرهاقها لا سرورها

ورضاها. أما ترك العطف بين القسمين فأرجح أن يكون لتغاير الفريقين تغايراً

تاماً في جميع الأحوال: كفر وإيمان، صلاح وفساد، ذل وإرهاق، وكرامة

وسرور، نار حامية وجنة عالية، عين آنية وعين جارية. . .

ولو عطف الفريق الثاني على الفريق الأولى لتوهم متوهم اشتراكهما في شيء

أى شيء من أجله صح العطف. ولدفع هذا التوهم ترك العطف في الظاهر، وإن بقى مقدَّراً منوياً كما يرى بعض العلماء.

ولما كان القرآن كتاب هداية وإرشاد. فإن منهج التريية الدينية والخُلقية فيه

يقتضي تقديم بعض النصح ليهتدي الضال بعد أن بانَ له ما أُعدَّ لأمثاله من

العذاب.

لذلك ناسب أن يلفت القرآن أنظارهم لفتاً قوياً إلى آيات القُدْرة التي تهدى

إلى الإيمان فجاء قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) .

ذلك نصحه لمن ضَلَّ. .

ص: 410

والآن أفتظن أن القرآن يهمل صاحب الدعوة - محمداً عقلي - وقد أجهد

نفسه في هداية هؤلاء.

لقد ذكر القرآن على سمعه هذه الآيات العظام التي يشاهدونها ولا يتأملونها

، يمرون عليها صباح مساء وهم عنها غافلون. إنه متابع باهتمام هذه النُّذُر،

وهذا التبشير واع لما ذكره الله من آيات وأعرض عنها القوم.

ألم يذكرهم بها فلم يهتدوا. ماذا بقى الآن؟

أيستخدم معهم أسلوباً آخر غير الكلمة والذكرى؟

أيترك هذه الذكرى التي لم يقدروها حق قدرها؟

لم يترك القرآن صاحب الرسالة في حيرة من أمره.

بل يقدم له التوجيه الرشيد فيلتفت إليه قائلاً: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) .

وهذا تثبيت لنفس النبي عليه السلام. حين يبيِّن له ربه أن سلطان الذكرى هو عنوان الرسالة، ولكن هناك خاطراً لم يزل في نفس الداعي الحريص على هداية الناس المخلص لهم في النصح.

. . . وهؤلاء يا رب. . . هؤلاء العتاة الذين لم يثمر فيهم نصح.

ولم يزعنوا لإصلاح. . وهنا يواصل القرآن إتمام الصورة:

(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) .

ولكن كيف ذلك؟

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) .

وهنا يُسدل الستار. مرحلة بدأت ثم انتهت. وبين البدء والنهاية

صور ومشاهد تلتئم كلها برباط وثيق.

كل مشهد يسلم للذى وراءه. . وهكذا تتابع المناظر في إطار واقعى

أو إرشادى أو نفسي. إطار مهما كانت خيوطه فإنه من وحدة واحدة.

ذلك دأب القرآن في الربط بين المعاني في السورة الواحدة.

*

ص: 411