الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
خصائص يغلب عليها جانب الألفاظ
فى القرآن الكريم خصائص امتاز بها من غيره. وذلك أمر مسلم، وقد كانت
تلك الخصائص - وما زالت - مثار الإعجاب، ومصدر الإعجاب من عصر
ْالنزول حتى الآن، وحتى تقوم الساعة.
وقد لحظ العرب الخُلص في عصر النزول، هذه الخصائص التي بدت لهم فوق ما يحسنون فراحوا - رغم عدائهم للقرآن وصاحبه - يثنون عليه، ويصفونه بما يستطيعون من أوصاف الجمال والروعة.
وما حديث الوليد بن المغيرة في وصف القرآن ببعيد عن الأذهان (1) .
وفي دراستنا لهذه الخصائص قسمناها - تسهيلاً للضبط - إلى قسمين
كبيرين. .
أحدهما: خصائص يغلب عليها جانب الألفاظ - وهو ما ندرسه في هذا
الفصل - وليس المراد بغلبة اللفظ طغيانه على المعنى، بل المراد أن الملحظ
فيها إنما يرجع إلى اللفظ. مع وفاء العبارة بالمعنى على أكمل وجه.
(1) نريد بهذه الخصائص أمرين: ما لا وجود له خارج القرآن. كفواتح السور. وما له وجود خارج القرآن، لكنه في القرآن على أكمل وج اوأدق تصوير. فحرى ألا يعتبر ما في سواه،
وذلك كالتكرار المحكم. وفي كل فإن ما نذكره تمثيل وليس استقصاء، فكتاب الله لا تنتهى عجائبه.
وذلك مثل فواتح السور، والتكرار الحكم. والفواصل بين الآي.
وثانيهما: خصائص يغلب عليها جانب المعاني، لأنه الملحوظ فيها مع روعة
اللفظ وتوافر مقومات الحسن فيه.
وذلك مثل ثراء معاني اللفظ في القرآن.
اختلاف الأغراض في السورة الواحدة.
دقة النظم بين تراكيبه.
وفي هذا الفصل ندرس الخصائص الآتية:
فواتح سور القرآن - فواصل آى القرآن - ألفاظ القرآن - النغم الصوتى
لألفاظ القرآن - التكرار المحكم في القرآن.
1 -
فواتح السور:
ذكر السيوطي أن ابن أبى الإصبع قد أفرد فواتح السور القرآنية في كتاب
سماه " الخواطر السوانح في أسرار الفواتح ". ثم قال: " وأنا ألخص هنا
ما ذكره مع زوائد من غيره " ثم عرض أن فواتح سور القرآن تنحصر فى
عشرة أصول وهي:
الثناء: مثل: (الحَمْدُ لله) و (تَبَارَكَ) و (سُبْحَانَ) وجاء الثناء
فواتح لأربع عشرة سورة.
حروف التهجى: مثل: " ألم " و " حم " وقد جاءت هذه الحروف فواتح
لتسع وعشرين سورة سنعرض لها في شيء من التفصيل.
النداء: - مثل: (يَا أيُهَا الناسُ) و (يَا أيُهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)
وقد - جاء النداء فواتح لعشر سور: خمس بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: الأحزاب،
والطلاق، والتحريم، والمزمل، والمدثر. وخمس بنداء الأمة وهي: النساء،
والمائدة، والحج، والحجرات، والمتحنة.
الخبر: مثل: (يَسْألُونَكَ) و (ألهاكُمُ) وقد جاء الخبر فواتح
لثلاث وعشرين سورة من سور القرآن.
القَسَم: مثل: (وَالسمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ) و (والنجْم إذا هَوَى)
وقد جاء القَسَم فواتح في عشر سور.
الشرط: مثل: (إذَا جَاءَك المنَافِقُونَ) و (إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ)
وقد جاء الشرط فواتح لسبع سور. وسيأتى الحديث عنها في شيء من التفصيل كذلك.
الأمر: مثل: (قُلْ أُوحِىَ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وكان الأمر فواتح
لست سور ثنتين من طوال المفصل، وأربع من قصاره.
الاستفهام: مثل: (هَلْ أتَى عَلى الإنسَانِ حِينٌ مَنَ الدهْرِ)
و (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) وكان الاستفهام فواتح لست سور أيضاً.
الدعاء: مثل: (وَيْلٌ لَكُلً هُمَزَةٍ) و (تَبَّتْ يَدَا أبِى لهَبٍ)
وجاء فواتح لثلاث سور.
التعليل: وقد جاء فاتحة لسورة واحدة هي قوله تعالى: (لإيلافِ قُرَيْش) .
هذا. . وقد ذكر السيوطي في نهاية الحديث عن هذه الأصول قوله:
" هكذا جمع أبو شامة قال: وما ذكرناه في قسم الدعاء يجوز أن يُذكر
مع الخبر، وكذا الثناء كله خبر إلا " سَبِّحْ " فإنه يدخل في قسم الأمر،
و" سُبْحَانَ " يحتمل الأمر والخبر ".
ومعنى هذا أن مرد هذه الأصول نوعان: نوع لا يحتمل توجيهاً غير المذكور
فيه، ونوع يمكن التصرف فيه حسب ما بيَّنه.
وليس هذا يعنينا. إنما الذي أريد ذكره هنا أن الحديث عن هذه الأصول ليس بمستطاع: لأن موضوعها القرآن كله، ولذلك فإننى أعمد هنا إلى نوعين لأفصل الحديث عنهما وهما: ما كانت فواتحه حروفاً هجائية مقطَّعة، ثم ما كانت فواتحه شروطاً.
* * *
10 لحر وف:
جاءت الحروف الهجائية غير المؤتلفة فى كلمات ذات معنى متفَق عليه وضعاً
لتسع وعشرين سورة على الوجه الآتى:
(أ) ما بدئ بحرف واحد، وهي ثلاث سور:
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) .
(سورة ص - مكية النزول)
(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
(سورة ق - مكية النزول) .
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) .
(القلم - مكية النزول)
(ب) ما بدئ بحرفين، وهو نوعان:
1 -
ما اختلف فيه حقيقة الحرفين وهو ثلاث سور:
(طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
(طه - مكية النزول) .
(طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
(النمل - مكية النزول) .
(يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
(يس - مكية النزول) .
2 -
ما اتحد فيه حقيقة الحرفين، وهو ست سور هى:
(حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
(غافر - مكية النزول) .
(حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)
(فصلت - مكية النزول) .
(حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) .
(الزخرف - مكية النزول)
(حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
(الدخاَن - مَكيةَ النَزول)
(حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) .
(الجاثية - مكية النزول)
(حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
(الأحقاف - مَكية النزول) .
(ب) ما بدئ بثلاثة أحرف. وهو ثلاثة أقسام بالنسبة لحقيقة الحروف
المفتتح بها:
1 -
" الم " وجاءت فاتحة لست سور:
(الم* ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لَلمُئقِينَ) .
(البقرة - مدنية النزول)
(الم* اللَهُ لا إلْهَ إلا هُوَ الحَيُّ القَيُومُ)
(آل عمران - مدنية النزول) .
(الم* أحسِبَ الناسُ أن يُتْركُواْ أن يَقُولُواْ آمَنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) .
- -) العنكبوت - مكمِة النزول)
(الم* غُلِبَتِ الرومُ)
(الروم - مكية النزول) .
(الم* تِلكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيم)
(لقمان - مكية النزول) .
(الم* تَنزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن ربِّ العَالمِينَ) .
(السجدة - مكية النزول)
2 -
" الر " وجاءت فاتحة لخمس سور هي:
(الر، تِلكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيم)
(يونس - مكية النزول) .
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) .
(هود - مكية النزول)
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ)
(يوسف - مكية النزول) .
(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) .
(إبراهيم - مكية النزول)
(الر تِلكَ آيَاتُ الكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ)
(الحجر - مكية النزول) .
3 -
" طسم " وجاءت فاتحة لسورتين:
(طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
(الشعراء - مكية النزول) .
(طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
(القصص - مكية النزول) .
(د) ما بدئ بأربعة أحرف وهو سورتان كذلك:
(المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ. .) .
(الأعراف - مكية النزول)
(المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ. .) .
(الرعد - مكية النزول)
(هـ) ما بدئ بخمسة أحرف وهو - كذلك - سورتان:
(كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
(مريم - مكية النزول) .
(حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
(الشورى - مكية النزَول)
* * *
ويسيرٌ من النظر يُبين أن الحروف التي بدأت بها هذه السور، تبلغ - بعد
حذف المكرر - أربعة عشر حرفا هي:
ا - ح - ر - س - ص - ط - ع - ق - ك - ل - م - ن - هـ - ى.
وقد أثار هذا النوع من الفواتح دهشة العرب النازل بلغتهم القرآن، كما أثار جدلاً كبيراً بين العلماء والمفسرين: لأنهم رأوا فيه غرابة وعزة غير معهودتين فى متعارف القول ومشهور الأساليب.
ونتج عن هذا الخلاف اتجاهان رئيسيان. .
الأول: يقضى بتفويض السرِّ في ذلك إلى الله، ويرى عدم الخوض فيه،
ويعده من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلا الله.
ومن القائلين به خليفة الرسول أبو بكر الصديق، وعلىَ بن أبى طالب، وعمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد اللهَ بن مسعود.
فقد نقل السمرقندى أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفسَّر. وقال أبو حاتم: لا ندري ما أراد الله عز وجل بها.
وقد تابع الشعبى هذا الرأي وقال: إن لكل كتاب سراً. وإن سر هذا القرآن
فواتح السور.
هذه خلاصة هذا الاتجاه.
أما الاتجاه الثاني. . فيرى ضرورة تخريجها والبحث عن معانيها ومدلولاتها
* وقد تشعبت آراء هذا الفريق حول فهم معناها. ويمكن تلخيص حصيلة ما
قالوا به فيما يأتى:
1 -
منهم مَن يرى أنها - أي الحروف المبدوءة بها السور - أسماء لله
سبحانه أو هي الاسم الأعظم. ويُعزَى هذا القول لابن عباس رضى الله عنه وقد تابعه الكلبى وجعلها مقسماً بها. وفي كشاف الزمخشري كلام طويل حول رأى الكلبى في موضعها من الإعراب.
2 -
ويرى آخرون أنها أسماء للسور التي صدرت بها. ويُنسب هذا الرأي
إلى زيد بن أسلم.
3 -
وقال آخرون إنها رموز دالة على كلمات هي بعض حروفها. و "الم "
مثلاً بعض حروف كلمة هي: أنا الله أعلم. . . . وهكذا.
وقد اختار الزجاج هذا الرأي حيث قال: أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدى عن معنى، وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة. نظماً لها ووضعاً بدل الكلمات التي الحروف منها.
وقد استدل على مذهبه بمأثور كلام العرب. من ذلك:
قُلتُ لهَا قِفِى. . . قَاَلتْ: قَافْ
يعنى: وقفتُ.
وذكر السيوطي نصوصاً أخرى وردت عن العرب استعملت فيها الحروف
المقطعة بدل الكلمات. وكذلك ابن جنى في الخصائص.
4 -
ويرى آخرون أن هذه الفواتح رموز يراد بها قيمتها العددية على طريقة
" أبجد "، وممن يرى هذا الرأي السهيلي حيث يقول: " لعل عدد الحروف التي فى أوائل السور - مع حذف المكرر - للإشارة إلى مدة بقاء هذه الأمة.
وقد تعقب هذا الرأي ابن حجر، وحكم عليه بالبطلان كما ثبت عن ابن عباس رضى الله عنه النهي عن عد " أبجد ".
5 -
وفريق آخر يرى أن هذه الحروف إشارة لورودها أكثر من غيرها فى
السور التي بدئت بها.
6 -
ونقل زكى مبارك في كتابه " النثر الفنى " أن هذه الحروف هي وحدات
صوتية تكوًن لحناً موسيقياً يراد به تحريك الشعور وإيقاظ الوجدان.
كما يكون ذلك في التراتيل الدينية لتهيئة النفوس لتلقى النصائح والإرشادات.
ويعزى هذا الرأي إلى مستشرق فرنسى يدعى " بلانشو ".
7 -
ويرى فريق أنها أدوات للتنبيه، عمد إليها القرآن ليكون في غرابتها
ما يثير الالتفات. . ولكى يكون أبلغ في قرع الأسماع.
وقد اختلف القائلون بهذا الرأي في مَن هو المنبَّه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم أم المشركون؟
فأبو حيان يرى أنها تنبيه للمشركين إلزاماً لهم بالحُجة، ليستغرق بها
المشركون فيفتحوا لها أسماعهم، فتجب عليهم الحُجة بسماع القرآن.
ويرى الفخر الرازى أن المنبَّه هو الرسول عليه السلام؟ لأنه إنسان قد تشغله
بعض الأمور.
وقد ارتضى الإمام الجويني - فيما حكاه عنه السيوطي - هذا الرأي.
وأخذ يعرض ما يراه مبرراً له.
وذهب الزركشي إلى أن مجيء هذه الحروف في أوائل السور إشارة إلى غلبة
مجيئها في كلمات هذه السورة. كما حاول أن يثبت وجه اختصاص كل سورة بما بدئت به بحيث لا تصلح (الم) بدءاً لسورة
قد افتتحت بـ " الر ". . ذكر ذلك في تفصيل واف.
من ذلك تكرار الخصومات في " سورة ص " حيث بدئت به.
ففيها خصومة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار، والخصمان اللذان عند داود عليه السلام، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى، ثم تخاصم إبليس في شأن آدم.
8 -
وذهب الشيخ طنطاوى جوهرى إلى ما خلاصته: أن القرآن كتاب
سماوى. والكتب السماوية تُصرح تارة وترمز أخرى.
وساق على ذلك دليلين:
أحدهما: أن اليهود كان لهم رمز، يتضح ذلك من حساب الجُمَّل حيث جعلوا الحروف رموزاً للأعداد.
ثانيهما: كذلك فإن النصارى قد اتخذوا الحروف رموزاً دينية معروفة فيما
بينهم أيام نزول القرآن، وكانت اللغة اليونانية هي الرسمية في مصر، وكانوا
يرمزون بلفظ " إكسيس " عن: يسوع المسيح ابن الله المخلِّص.
فالألف من " إكسيس " هي الحرف الأول من " إبسوس " يسوع. والكاف
هى الحرف الأول من " كرستوس " المسيح. والسين مبدلة من حرف الثاء فى
" ثبو " الله. والياء تدل على " إيوث " ابن. والسين الثانية منها تشير إلى
" توتير " المخلص. ومجموع هذه الكلمات عندهم هو: يسوع المسيح ابن الله المخلِّص "! ؟
وهذا الرأي يبدو في ظاهره دفاعاً عن مبدأ الرمز بالحروف الوارد في القرآن
الكريم وليس محاولة لفهم هذه الظاهرة الفريدة.
9 -
ويروى مالك بن نبى، نقلاً عن " النقد الحديث "، أن هذه الفواتح
ترجع إلى حالة اضطراب عضوى يحدث للنبى عليه السلام في حالة الكشف
والتلقى.
لكنه يدفع هذا الفرض بما هو معروف عن النبي عليه السلام؟ لأنه كان يمثل
أكمل المعادلات الشخصية في نواحيها الثلاثة: الخلقية، والعقلية، والبدنية.
ولم يدع التاريخ أدنى ريب في هذه النقطة. فلا مجال إذن لأن نتخيل أى
افتراض عن الذات المحمدية، حتى نشرح هذا الإبهام أو ذلك المرض العضوى.
" ومن وجهة أخرى لسنا نجد في أدب هذه الذات الشخصى الغنى
- وهو " الحديث " - أي أثر لتلك المغلقات، ولا توجد أية رواية مشافهة عن النبي صلى الله عليه وسلم مشتملة عن مثل هذا التصدير الرمزى ".
هذا رده. وهو دفع ناجح بلا شك. ولكننا نرى في المسألة دفعاً آخر مستمداً من طبيعة الظاهرة نفسها لا من شيء خارج عنها ذاتاً، أو أدب ذات.
وحاصل هذا الرد:
" فقد تنبه السَّلف إلى أن مجموع هذه الحروف - بغير المكرر منها - أربعة
عشر حرفاً هي نصف الحروف العربية.
كما أطال بعضهم النظر في هذه الحروف، فلفتهم عنها أنها نصف الحروف
الهجائية على أي وجه من الوجوه التي اصطلح عليها علماء اللغة بعد نزول
القرآن بزمن طويل.
ففيها خمسة حروف مهموسة، وعدد المهموس من الحروف عشرة، وفيها
نصف الحروف المهجورة وفيها ثلاثة من حروف الحَلق. هي نصف الحروف
الحلقية، كما أن فيها نصف الحروف غير الحلقية.
وفيها نصف الحروف الشديدة، كما أن فيها نصف الحروف الرخوة، وفيها
حرفان من الأحرف الأربعة المطبقة، كما أن فيها نصف الحروف الأخرى المنفتحة غير المطبقة.
وفيها نصف الحروف المستعلية، كما أن فيها نصف الحروف
المنخفضة".
فهل هذه الدقة الرائعة، والتوزيع السحرى بين جمل الحروف وأنصافها يمكن
أن يعزى إلى ذات مريضة، أو أعصاب مضطربة؟!
هذا ما يرفضه العقل والواقع معاً. ولا يمكن أن يُعزَى مثله إلا إلى الوحى.
10 -
وذهب قطرب والفراء إلى أن هذه الحروف إشارة إلى حروف الهجاء
لا تتعداها، أعلم الله بها العرب حين تحدَّاهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هى التي منها بناء كلامهم، ليكون عجزهم عن محاكاته أبلغ في الحُجة عليهم.
إذ لم يخرج عن طريقة كلامهم في أصل التأليف.