الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) أجرى الخطاب بمقتضى العادة لأن العادة أن يقال: جوعان عريان.
كما أن الضاحى الذي لا يستر جسمه ساتر، متعرض لحرارة الشمس فيشعر
كثيراً بالعطش. . فصار " الضحاء " كأنه سبب فيه فقُرِنَ به.
(جـ) في هذه المخالفة لمحة من لمحات البيان الآسر، سماها البديعيون:
" قطع النظير عن النظير " والغرض من ذلك تحقيق تعداد النِعَم.
ولو قرن كل بمماثله لتوهم متوهم أن المعدود نعمتان لا أربع.
* * *
*
دليل من الشعر العربي:
وهذا السلوك البياني معروف لدى فحول الشعراء جاهليين وإسلاميين.
وقد أثار النقاد حوله جدلاً كثيراً.
واحتكموا فيما بعد إلى القرآن فيما نحن بصدد
ذكره. فاتخذوه معياراً للقياس فيما قاله الشعراء.
فقد قال امرؤ القيس الشاعر الجاهلى:
كَأنًىَ لمْ أركَبْ جَواداً للذةٍ. . . وَلمْ أتَبَطنْ كَاعباً ذاتَ خُلخَال
وَلمْ أسْبأ الزِّقَ الروِيَّ وَلمَْ أقُلْ. . . لِخَيْلِىَ كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ
فقطع ركوب الخيل عن كره، وقطع تبطن الكاعب عن اشتراء الخمر، مع أنه المناسب وغرضه تكثير ملاذه. . والفخر بها.
وقد تبعه المتنبي وهو شاعر إسلامى فقال يمدح سيف الدولة:
وَقَفْتَ وَمَا فِى الموت شَلٌّ لِوَاقِف. . . كَأنكَ فِى جَفْنِ الردَى وَهُوَ نَائِمُ
تَمُر بِكَ الأبْطالُ كَلْمَى جَرِيَحة. . . وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
ويذكر الثعالبى أن سيف الدولة عاب قول الشاعرين امرئ القيس والمتنبى
لأن الوجه - عنده - أن يقول امرؤ القيس:
كَأنًىَ لمْ أركَبْ جَواداً وَلمْ أقُلْ. . . لِخَيْلِىَ كُرى كَرة بَعْدَ إجْفَالِ
وَلمْ أسْبأ الزقَ الروِي لِلذةٍ. . . وَلمْ أتَبَطنْ كَاعِباً ذاتَ خُلخَالِ
وأن يقول المتنبي:
وَقَفْتَ وَمَا فِى الموتِ شَكٌّ لِوَاقِف. . . وَوَجْهُكَ وَضاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
تَمُر بِكَ الأبْطالُ كَلمَى جَرِيَحةً. . . كَأئكَ فِى جَفْنِ الردَى وَهُوَ نَائِمُ
وقد صوب بعض النقاد نقد سيف الدولة، منهم ابن طبَاطبَا إذ يقول: " هما
بيتان حسنان، ولو وضع مصراع كل واحد منهما مكان الآخر لكان أشكل
وأدخل في استواء النسيج ".
لكن المتنبي لم يُسَلِّم بهذا الحكم في شِعره، وشِعر امرئ القيس ولم يمنعه
صدوره من السلطان أن يدفع التخطئة الموجهة إليهما.
وابن رشيق في " العمدة "
ينتصر لقول المتنبي بعد أن ساق الرواية بأسلوب آخر فقال:
" قول امرئ القيس أصوب، ومعناه أعز وأغرب، لأن اللذة التي ذكرها إنما هي للصيد، ثم حكى عن شبابه وغشيانه النساء، فجمع في البيت معنيين ولو نظمه على ما قال المعترض لنقص فائدة عظيمة وفضيلة شريفة تدل على السلطان، وكذلك البيت الثاني لو نظمه على ما قال لكان ذكر اللذة حشواً لأن الزِّق لا يُسبأ إلا للذة.
فامرؤ القيس وصف نفسه بالقتوة والشجاعة. بعد وصفها بالتملك
والرفاهة".
وقد رجح بعض النقاد قول الشاعرين على ما هما عليه لورود نظيرهما فى
القرآن الكريم وكان دليله في ذلك آيتى (طه) المتقدمتين.