الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب في الحِمْيَةِ
3856 -
حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ وَأَبُو عامِرٍ -وهذا لَفْظُ أَبي عامِرٍ- عَنْ فلَيْحِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الأَنْصاري، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبي يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ المُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الأنصارِيَّةِ قالَتْ: دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلي عليه السلام وَعَلي ناقِةٌ وَلَنا دَوالي مُعَلَّقَةٌ فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْها وَقامَ عَلي لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ لِعَليٍّ: "مَهْ إِنَّكَ ناقِهٌ". حَتَّى كَفَّ عَلي رضي الله عنه.
قالَتْ: وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا عَلي أَصِبْ مِنْ هذا فَهُوَ أَنْفَعُ لَكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ هارُونُ: العَدَوِيَّةِ (1).
* * *
باب في الحمية عن المؤذيات
وقد ذكرها اللَّه تعالى في آية الوضوء، فقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه عن كل مؤذٍ له من داخلٍ أو خارجٍ، فقد أرشد سبحانه عباده إلى الحمية التي أصل لكل (2) دواء وأدفع لكل داء وأنفع قواعد الطب، مصداقًا لقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (3).
(1) رواه الترمذي (2037)، وابن ماجه (3442)، وأحمد 6/ 363.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(59).
(2)
من (م) وساقطة من (ح) وفي (ل): لعله: لكل.
(3)
الأنعام: 38.
[3856]
(حدثنا هارون بن عبد اللَّه) البغدادي البزاز، شيخ مسلم. (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (وأبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي. (وهذا لفظ أبي عامر) العقدي (عن فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري، عن يعقوب بن أبي يعقوب) المدني، ثقة (عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية) المدنية، اسمها [سلمى](1)، صلت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القبلتين وقيل: إنها أخت سليط بن قيس بن عمرو الخزرجي.
(قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (وعلي) رضي الله عنه (ناقه) بالنون والقاف، يقال: نقه ينقه نقها، مثال بعث بعثا، ونقه نقوهًا مثل كلح كلوحًا. إذا برأ وأفاق من مرضه، وكان قريب العهد بالمرض لم يرجع إليه كمال صحته وقوته، والناقه على هذا هو الذي خلص من مرضه ولم يحصل له بعد صحة تامة، وبهذا ثبتت الحالة الوسطى الثالثة التي هي لا صحة ولا مرض التي أثبتها جالينوس وأنكرها غيره.
(ولنا دوالي) بفتح الدال والواو المخففة، جمع دالية، قال الهروي: هذا هو القياس، ولم أسمع به (2).
والدالية؛ العذق من البسر يعلق، فإذا أرطب أكل، والواو في الجمع منقلبة عن الألف، كذا قال في "النهاية"(3) في هذا الحديث تبعًا للهروي،
(1) ليست في جميع النسخ، والمثبت من مصادر ترجمتها.
(2)
"الغريبين" 2/ 650.
(3)
2/ 141.
لكن قال المنذري فيه: والعنب وأكثر الفواكه ينبغي أن يحمى عنه (1) الناقه؛ لقلة غذائها وكثرة فضلاتها، وهذا يدل على أن الدوالي من العنب، كما هو عرف البلاد الشامية أن لا تطلق الدالية إلا على العنب، لكن مما يبعد هذا ويرجح الأول أن العنب عندهم وأشجاره لا تكاد توجد، وليس عندهم إلا البسر والرطب على النخل، وكلا العنب والرطب من الفواكه التي تكثر الأمراض من كثرتها، لا سيما للناقه الذي لم ينصل من مرضه، وعلى كل حال ففي الحديث دليل على أن الناقه يحتمي، وإذا احتمى الناقه الذي لم يرجع إليه كمال صحته، فالمريض يحتاج إلى الحمية من باب الأولى، كما بوب عليه المصنف.
(معلقة) في البيت أو على أصولها. (فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأكل منها) قد يؤخذ منه الدليل على جواز الأكل من بيت الصديق بغير إذنه إذا علم أو غلب على ظنه رضاه بذلك، وكذا يؤخذ منه جواز الأكل قائمًا من فاكهة على أصولها أو معلقةً في البيت.
(وقام علي رضي الله عنه ليأكل) من الدوالي (فطفق) أي: شرع وأخذ (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه: مهْ) بسكون الهاء؛ اسم فعل بمعنى اكفف عن الأكل منه (حتى كفَّ عليٌّ رضي الله عنه) عن الأكل. فيه دليل على حمية الناقه من أكل ما يخاف عليه الضرر منه كما تقدم، والحمية إنما هي من الكثير الذي يؤثر أكله في البدن ويثقل المعدة، أما الحبة والحبتان فلا حمية لها.
(1) في (م): عنها.
(قالت) أم المنذر (وصنعت) لفظ ابن ماجه: فصنعت للنبي صلى الله عليه وسلم (1). (شعيرًا) الأفصح فيه فتح الشين، وكسرها لغة، أجوده النقي البياض، وهو بارد، ينفع أصحاب الأمزجة الحارة، ويختار منه الرقيق القشر، الحديث اللب، الحديث.
(وسِلْقًا) بكسر السين وسكون اللام، هي البقلة المعروفة، وأجوده العذب الطعم، وهو حارٌّ رطب، وبرطوبته يسهل القولنج، ويفتح السدد، ويحلل غلظ الطحال.
(فجئت به) الى النبي صلى الله عليه وسلم. فيه حمل صاحبُ الطعامِ الطعامَ بنفسه إلى الأكابر والعلماء دون أحد من جهته.
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك) لفظ الترمذي: "فإنه أوفق لك"(2). فيه أن طبيخ الشعير والسلق نافع للناقه؛ لأنه يزيد في جوهر الأعضاء، وهو سريع النفوذ والإصابة بفعل الطبيعة، بطيء الاستحالة إلى الفساد لا سيما إن كان الشعير مقشورًا أو سويقًا، فإنه موافق لرد ما نقص من جسد المريض، مخضب لبدنه، مبرد لما حصل له من الحرارة.
وفي الحديث دليل على فضل علم الطبيب، وأن الطبيب يقبل قوله ويرجع إليه في ترك المضر واستعمال النافع.
* * *
(1)"سنن ابن ماجه"(3442).
(2)
"سنن الترمذي"(2037).