الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
27 -
الأشربة
1 - باب في تَحْرِيمِ الخَمْرِ
3669 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو حيّانَ حَدَّثَني الشَّعْبيُّ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْياءَ مِنَ العِنَبِ والتَّمْرِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ، والخَمْرُ ما خامَرَ العَقْلَ وَثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفارِقْنا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهي إِلَيْهِ: الجَدُّ والكَلالَةُ وَأَبْوابٌ مِنْ أَبْوابِ الرِّبا (1).
3670 -
حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الخُتّليُّ، أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قَالَ: لمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في البَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآيَةَ قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً. فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في النِّساءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَكانَ مُنادي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1) رواه البخاري (5588)، ومسلم (3032).
إِذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُنادي: أَلا لا يَقْرَبَنَّ الصَّلاةَ سَكْرانُ. فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً. فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنا (1).
3671 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَطاءُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ دَعاهُ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَسَقاهُما قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ فَأَمَّهُمْ عَليٌّ في المَغْرِبِ فَقَرَأَ:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَخَلَطَ فِيها فَنَزَلَتْ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (2).
3672 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} نَسَخَتْهُما التي في المائِدَةِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} الآيَةَ (3).
3673 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ ساقِيَ القَوْمِ حَيْثُ حُرِّمَتِ الخَمْرُ في مَنْزِلِ أَبي طَلْحَةَ وَما شَرابُنا يَوْمَئِذٍ إِلَّا الفَضِيخُ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رَجُلٌ فَقالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، وَنادى مُنادي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنا: هذا مُنادي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (4).
(1) رواه التِّرمِذي (3049)، والنَّسائي 8/ 286، وأحمد 1/ 53.
وصححه الألباني.
(2)
رواه التِّرمِذي (3026).
وصححه الألباني.
(3)
رواه البيهقي 8/ 285، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 130.
وحسن إسناده الألباني.
(4)
رواه البخاري (2464)، ومسلم (1980).
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
أول كتاب الأشربة
باب في تحريم الخمر
[3669]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية (حدثنا أبو حيان) بالمهملة وشدة التحتانية، وبالنون يحيى بن سعيد التيمي الكوفي.
(حدثني الشعبي، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل) وللبخاري والنسائيُّ زيادة وهي: عن ابن عمر قال: سمعت عمر ابن الخطاب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: أما بعد، أيها الناس، فإنَّه نزل تحريم الخمر يوم نزل (1). وحرمت الخمر في السنة الثانية (2) من الهجرة بعد أُحد، وسميت الخمر خمرًا لسترها العقل، ومنه يقال: دخل في خمار الناس وخمارهم، مثل غمار الناس [وغمارهم. أي: دخل فيما يستره منهم، وقيل: سميت خمرًا لمخامرتها العقل. أي: مخالطته] (3)، وقيل: سميت خمرًا؛ لأنها تركت فاختمرت، واختمارها تغير ريحها (وهي) هذِه واو الحال (من خمسة أشياء) والمراد بنزول تحريم الخمر آية المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
(1)"صحيح البخاري"(4619)، "سنن النسائي" 8/ 295.
(2)
في (م): الثامنة.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقطة من (م).
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) وفي آية أخرى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} (2) الآية.
وقد نهى الله عن الخمر في كتابه وأمر باجتنابها، وتوعد على استباحتها، وقرنها بالميسر والأنصاب والأزلام، وهذا إبلاغ في الوعد، ونهاية في التهديد.
قال ابن رشد: وإن طالب متعسف جاهل بوجود لفظ التحريم لها في القرآن فإنَّه موجود في غير موضع، فإن الله سماها رجسًا، ثمَّ نص على [تحريم الرجس في قوله:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وسماها إثمًا في قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، ثمَّ نص على] (3) تحريم الإثم في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (4) ولو لم يرد في القرآن إلا النهي لكان بيانه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله حرم الخمر"(5). فمن قال: إن الخمر ليس بحرام فهو كافر بالإجماع (6).
(من العنب والتمر) وفي البخاري: قال حجاج، عن حماد، عن أبي حيان: مكان العنب: الزبيب (7). ثمَّ قال في رواية أخرى: الخمر يصنع من
(1) المائدة: 90.
(2)
المائدة: 91.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(4)
الأعراف: 33.
(5)
سلف برقم (3485) من حديث أبي هريرة.
(6)
"المقدمات الممهدات" 1/ 441، وتتمة كلامه: يستتاب كما يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قُتل.
(7)
انظر: "صحيح البخاري"(5588).
خمسة: من الزبيب والتمر والحنطة والشعير والعسل (1)(والعسل والحنطة والشعير) وروى صفوان بن محرز قال: سمعت أبا موسى على المنبر يقول: ألا إن خمر أهل المدينة: البسر والتمر، وخمر أهل فارس: العنب، وخمر أهل اليمن: البتع، وهو العسل، وخمر الحبشة: الأسكركة (2). وهو الأرز، والمزر ما يصنع [من الشعير] (3) (والخمر) هو (ما خامر العقل) أي: غطاه وأزاله، والعقل هو آلة التمييز والعلم، ولهذا ناسب أن يذكر المصنف باب الأشربة عقيب كتاب العلم؛ فلذلك يحرم ما يغطي العقل ويستره، إذ بذاك يزول الإدراك المطلوب من العباد. والخمر مجاز من باب تسمية المعنوي بالمحسوس الذي يغطى به الأواني وغيرها.
قال ابن بطال: في هذا الحديث رد على الكوفيين في قولهم: إن الخمر من العنب خاصة، وأن كل شراب يتخذ من غيره فغير محرم [ما دون السكر منه] (4). قال المهلب: وهذا التفسير من عمر مقنع، فليس لأحد أن يقول: إن الخمر من العنب وحده، وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصحاء العرب قد فسروا عين ما حرمه الله، وقالوا: إن الخمر من خمسة أشياء. وقد أخبر عمر حكاية عما نزل من القرآن
(1) ساقطة من (م)، (ل).
وانظر: "صحيح البخاري"(5589).
(2)
رواه البيهقي 8/ 295.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل).
(4)
ما بين المعقوفتين ليس في النسخ الخطية، والمثبت من "شرح ابن بطال" 6/ 39.
وتفسيرًا له، فقال: الخمر ما خامر العقل. وخطب بذلك على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ولم ينكره أحد منهم (1)؛ فصار كالإجماع (2).
(وثلاث) مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنه وصف بقوله:"وددت" إلى آخره، والخبر هو قوله:(الجد والكلالة .. )، و (ثلاث) فيه حذف اسم مضاف إليه والتنوين في آخر (ثلاث) عوض عن الاسم المحذوف، كما في قوله:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (3) والتقدير في الحديث: وثلاث قضايا أو أحكام أو مسائل، وقصد عمر رضي الله عنه بذلك التنبيه على أنهم كانوا يكرهون الأخذ بالرأي ويؤثرون عليه ما يرد به النص (وددت) بكسر الدال الأولى (أن) يكون (رسول الله صلى الله عليه وسلم لم) يكن (4) (يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدًا) أي: يبين لنا بيانًا صريحًا بقول نعتمده وننتهي إليه فيه؛ لأنه أبعد عن محذور الاجتهاد إلى الخطأ على تقدير وقوعه وإن كان مأجورًا عليه أجرًا واحدًا (ننتهي إليه) عند الاختلاف والاحتياج.
إليه (الجد) مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: أحد الثلاثة الجد، والجملة الاسمية خبر (ثلاث)، والمراد به ميراث الجد مع الإخوة في أنَّه يحجب الإخوة، أو ينحجب بهم، أو يقاسمهم.
وقد وقع للصحابة في ذلك (اختلاف منتشر)(5) حتى قال عمر:
(1) في (م)، (ل): غيرهم.
(2)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 39.
(3)
يس: 40.
(4)
ساقطة من (ع).
(5)
في جميع النسخ: اختلافًا منتشرًا. ولعل المثبت هو الصواب.
قضيت في الجد لسبعين قضية لا ألوي في واحدة منها عن الحق (1). وكان السلف يحذرون من الخوض في مسائله، وقد روي مرفوعًا وموقوفًا، والوقف أصوب:"أجرؤكم على قسمة الجد أجرؤكم على النار"(2). وقد ذكر الخطابي في "الغريب" بإسناد صحيح عن محمَّد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن الجد، فقال: ما يصنع بالجد؟ ! لقد حفظت عن عمر فيه مائة قضية يخالف بعضها بعضًا (3). ثمَّ أنكر الخطابي هذا إنكارًا شديدًا، بما لا حاصل تحته، وما المانع أن يكون قول عبيدة بمائة قضية على سبيل المبالغة، وقد أول البزار كلام عبيدة بما ذكر، والله أعلم.
(والكلالة) أي: والثاني ميراث الكلالة بفتح الكاف، المشار إليه بقوله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (4) وقد اختلف في تفسيرها على أقوال، أرجحها قول الجمهور أنَّه القريب الوارث
(1) رواه البيهقي في "الكبرى" 6/ 245، من طريق عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن ابن عون عن محمَّد بن عبيدة عن عمر به.
(2)
رواه سعيد بن منصور في "السنن" 1/ 66 (55) عن سعيد بن المسيّب، مرسلًا.
قال الألباني في "الإرواء" 6/ 129: إسناده جيد لولا إرساله.
(3)
"غريب الحديث" 2/ 106.
والخطابي إنما نقل هذا الإنكار عن بعض العلماء.
ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 6/ 270 (31256)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" 6/ 245، والحافظ في "تغليق التعليق" 5/ 219.
وصحح إسناده الحافظ أيضًا في "الفتح" 12/ 21.
(4)
النساء: 176.
الذي ليس بأصل ولا فرع (1)، وورد فيه حديثان صحيحان (2)، وآية الكلالة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق مكة في حجة الوداع، وتسمى آية الصيف (3). (وأبواب) أي: مسائل كثيرة (من أبواب الربا) يقع فيها الاشتباه كثيرًا حتى قال بعضهم: لا ربا إلا في النسيئة (4). وأوردوا فيه حديثًا، والأحاديث كثيرة صريحة في أن الربا يجري في الفضل وفي النسيئة وفي اليد (5).
(1) انظر: "تفسير الطبري" 3/ 625، وقال القرطبي في تفسيره 5/ 76: .. فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة، هذا قول أبي بكر وعمر وعلي وجمهور أهل العلم. أهـ.
وقال البخاري قبل حديث (4605): والكلالة: من لم يرثه أب ولا ابن وهو مصدر مِنَ تكَلَّلَه النسب. أهـ.
(2)
من ذلك حديث جابر، رواه البخاري (6723، 7309)، مسلم (1616).
(3)
ورد هذا في حديث رواه مسلم (567، 1617).
(4)
ورد هذا في حديث رواه ابن عباس عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الربا في النسيئة" رواه البخاري (2178، 2179) ومسلم (1596).
وذهب الشافعي في "اختلاف الحديث" 7/ 241 إلى أن هذا رأي ممن رآه لا أنَّه منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
من ذلك ما رواه البخاري (2174) ومسلم (1586) من حديث عمر بن الخطّاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء".
وما رواه الشيخان من حديث بلال، وفيه أنَّه باع صاعين من تمرٍ رديء بصاع من تمرٍ جيد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أَوَّه أَوَّه، عين الربا عين الربا
…
" صحيح البخاري (2312) ومسلم (1594).
قال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" 2/ 143: هو - أي حديث بلال - نص في تحريم ربا الفضل في التمر، وجمهور الأمة على ذلك .. ".
[3670]
(حدثنا عباد بن موسى) أبو محمَّد شيخ الشيخين المعروف (الختلي) بضم الخاء المعجمة والمثناة الفوقانية المشددة، قال السمعاني: اختلف مشايخنا في هذِه النسبة، فبعضهم يقول: هو (1) نسبة إلى ختلان، وهي بلاد مجتمعة وراء بلخ، حتى رأيت الختل بضم الخاء والتاء، قرية على طريق خراسان إذا خرجت من بغداد بنواحي الدسكرة (2). (حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو) بن شرحبيل الهمداني، أخرج له الشيخان.
(عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر)[يشبه أن يكون معنى (نزل) أعطى كما في الحديث: "لا تنزلهم على حكم الله، لكن على حكمك" (3). فإن معناه: لا تعطهم على حكم الله لكن على حكمك، والمراد: لما أعطى الله حيث رحمهم تحريم الخمر](4) في هذِه الآية دليل، بل نص على أن الخمر لم يكن حرامًا في أول الإِسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر، وكذا يدل على هذا قوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (5).
وقال قوم: ما أبيح شرب الخمر في شيء من الأديان. حكاه القرطبي وغيره، فعلى هذا يكون معنى الآية: لما نزل تحريم قليله أو كثيره، أسكر أو لم يسكر. ومعنى {وَأَنْتُمْ سُكَارَى}: من النوم، والأول أظهر؛ لما
(1) من (خ).
(2)
"الأنساب" 5/ 44.
(3)
رواه مسلم (1730/ 3).
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ح).
(5)
النساء: 43.
روى الترمذي وغيره عن البراء رضي الله عنه قال: مات ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية (1).
(قال عمر) بن الخطّاب رضي الله عنه: (اللهم بين لنا في) تحريم شرب (الخمر بيانًا شفاء) بالتنوين فيهما، و (شفاء) مصدر، بمعنى اسم الفاعل، كقوله تعالى:{أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} (2) أي: غائرًا. ورواية الترمذي: بيان شفاء (3). بالإضافة وتنوين المضاف إليه وهو (شفاء)، وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته، أصله: بيانًا شافيًا، كما في رواية النسائي (4) في هذا والذين بعده.
ومن إضافة الموصوف إلى صفته قوله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} (5) أضيفت {دَارُ} إلى {الْآخِرَةِ} وهي صفتها، ومنه:{وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (6)
(1)"سنن الترمذي"(3050، 3051) وأصله في الصحيحين من حديث أنس بن مالك، "صحيح البخاري"(2464)، "مسلم"(1980).
ورواه أيضًا: أبو يعلى في "المسند" 3/ 265 (1719)، والروياني في "مسنده" 1/ 329 (324).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه ابن حبَّان 12/ 172 - 174 (5350، 5351).
(2)
الملك: 30.
(3)
"سنن الترمذي"(3049).
(4)
"سنن النسائي" 8/ 286.
(5)
يوسف: 109.
(6)
ق: 9.
و {حَبْلِ الْوَرِيدِ} (1) و {حَقُّ الْيَقِينِ} (2) وهو كثير، وظاهر الحديث يقتضي أنَّه نزل تحريم الخمر قبل آية البقرة، ولم أجد لها (3) أصلًا، فيحتاج إلى تأويل كما تقدم، ويدل على هذا التأويل رواية الترمذي عن عمر أنَّه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء. فنزلت التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} إلى آخره (4). فلم يذكر نزولًا قبل آية البقرة.
وقد صرح القرطبي بذلك في تفسير آية المائدة فقال: تحريم الخمر نزل بتدريج ونوازل كثيرة؛ لأنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في أمرها:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أي: في تجارتهم. انتهى (5).
ثمَّ قال: وقال أبو ميسرة -يعني: عمرو بن شرحبيل الهمداني- نزلت الآية بسبب عمر بن الخطّاب، فإنَّه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عيوب الخمر وما ينزل بالناس من أجلها ودعا الله في تحريمها، وقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية (6).
(فنزلت الآية التي في) سورة (البقرة) فيه: دليل على جواز قول القائل: سورة البقرة. وهو الصحيح خلافّا لمن كره ذلك (7)، وقال:
(1) ق: 16.
(2)
الواقعة: 95.
(3)
في (ع): لهذا.
(4)
"سنن الترمذي"(3049).
(5)
"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 286.
(6)
"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 286.
(7)
انظر: "صحيح البخاري"(1750) ومسلم (1296/ 306)، ففيه ما يدلّ على عدم الكراهة.
إنما يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة ({يَسْأَلُونَكَ}) السائلون هم المؤمنون ({عَنِ}) شرب ({الْخَمْرِ}) الظاهر أنهم سألوا عن ذلك لما نزل بهم من أجلها ولما ظهر لهم من عيوبها ({وَالْمَيْسِرِ}) وهو قمار العرب بالأزلام، قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله، فنزلت الآية (1). وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد ومحمد بن سيرين وعلي وغيرهم: كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، إلا ما أبيح من الرهبان في الخيل والقرعة في إبراز الحقوق (2).
وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو وميسر القمار، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار ما يخاطر الناس عليه.
({قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}) قرأ حمزة والكسائي: (كثير) بالثاء المثلثة بدل الباء (3)؛ بما يصدر في الخمر للشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور وزوال العقل الذي يعرف به ما تجب مخالفته، وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر الله وتضييع المال الكثير في شربها؛ لما يلحقه من الآلات المطربة، وما يدفعه عند زوال عقله للخمَّار والمطربين وغير ذلك، كما روي عن قيس بن عاصم أنَّه شربها في
(1) رواه الطبري في "جامع البيان" 2/ 371.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 2/ 371.
(3)
انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 307 وما بعدها.
الجاهلية فغمز عكنة ابنته، وسب أبويه، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخَمَّار كثيرًا من ماله، فلما أفاق أُخبر بذلك، حرَّمها على نفسه وأنشد فيها شعرًا في ذمها (1).
({وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}) بربح التجارة، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح، وكانوا لا يرون المماكسة فيها، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي. هذا أصح ما قيل في منافع الخمر، ومنافع الميسر مصير المال وغيره إلى الإنسان بغير كد ولا تعب، فكانوا يشترون الجَزور (2) ويضربون بسهامهم، فمن خرج سهمه (3) أخذ نصيبه من اللحم، ولا يكون عليه شيء من الثمن. وقيل: منفعته التوسعة على المحاويج؛ فإن من قمر منهم كان لا يأكل من الجزور ويفرقه على المحتاجين (4).
(قال: فدعي) بضم الدال وكسر العين (عمر) بن الخطّاب (فقرئت عليه) آية البقرة (فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاءً) بالتنوين
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم المسكر" ص 70، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" 5/ 14، وانظر:"الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 36، "الاستيعاب" لابن عبد البر 3/ 354. وقد أورد ابن عبد البر شعره، فقال: وقال فيها أشعارًا - أي في الخمر - منها قوله:
رأيت الخمر صالحةً وفيها
…
خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحًا
…
ولا أشفى بها أبدًا سقيما
ولا أُعطي بها ثمنًا حياتي
…
ولا أدعو لها أبدًا نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها
…
وتجنيهم بها الأمر العظيما
(2)
ساقطة من (م)، (ل).
(3)
ساقطة من (م)، (ل).
(4)
هذا بعينه كلام القرطبي في "تفسيره" 3/ 57.
فيهما، ولفظ الترمذي: بيان شفاء (1). ويبينهما رواية النسائي: بيانًا شافيًا (2). كما تقدم. أي: دافعًا لعلة من يحب شربها كما يدفع الدواء الشافي علة الضعيف الذي يحب زوال الألم، فإنهم لم ينتهوا بهذِه الآية ولا تركوها جملة واحدة، كما قال سعيد بن جبير: كان الناس على أثر جاهليتهم يشربونها قبل الإِسلام حتى نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} فقالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم. فشربها رجل وتقدم فصلى فقال: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون. فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (3). فقالوا: نشربها في غير وقت الصلاة. فقال عمر: اللهم بين بيانًا شافيًا. فنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية، فقال عمر: انتهينا.
(فنزلت الآية التي في النساء) وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خص الله هذا الخطاب بالمؤمنين؛ لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذت الخمر منهم عقولهم فلا يعلمون ما يقولون؛ فخصوا بهذا الخطاب؛ إذ كان الكفار لا يصلون صحاة ولا سكارى.
({لَا تَقْرَبُوا}) إذا قيل: لا تقرب، بفتح الراء كان معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدنوا منه، والخطاب
(1)"سنن الترمذي"(3049).
(2)
"سنن النسائي" 8/ 286.
(3)
ذكر ابن الجوزي في "بستان الواعظين" ص 240 أن الرجل الذي صلى وقرأ هذِه القراءة هو: ابن أبي جعونه.
لجماعة الأمة الصاحين، وأما السكران إذا عدم التمييز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت لذهاب عقله، وإنما هو مخاطب بامتثال ما يجب عليه، ويتفكر ما صنع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكليفه بها قبل السكر ({الصَّلَاةَ}) اختلفوا في المراد بهذِه الصلاة، فقال أبو حنيفة وغيره: هي العبادة المعروفة بعينها (1). ولذلك قال: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .
وقال الشافعي (2) وغيره (3): المراد مواضع الصلاة، فحذف المضاف (كما قال) (4) تعالى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} (5) فسمى مواضع الصلاة: صلاة، ويدل على هذا قوله:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} فهذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد لا للصلاة فيه ({وَأَنْتُمْ}) فهذِه الواو الداخلة على الجملة الاسمية هي واو الحال من {تَقْرَبُوا} و ({سُكَارَى}) جمع سكران مثل كسلان وكسالى، وقرأ النخعي: سكرى. بفتح السين على مثال: فعلى (6)({حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}) أي: حتى تعلموه مستبين من غير غلط، فالسكران لا يعلم ما يقول، ولذلك قال عثمان: لا يقع طلاق السكران (7).
(1) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 38.
(2)
انظر: "الأم" 1/ 46.
(3)
ساقطة من (م)، (ل).
(4)
في (م)، (ل): كقوله.
(5)
الحج: 40.
(6)
انظر: "مختصر في شواذ القرآن"(ص 33)، "المحتسب" 1/ 188.
(7)
رواه بنحوه: عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 84 (12308)، وابن أبي شيبة في=
(فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو المؤذن (إذا أقيمت الصلاة) أي: إذا أراد أن يقيم الصلاة (ينادي: ألا) يا قوم (لا يقربن) بفتح الموحدة وتشديد نون التأكيد (الصلاة) أحد (سكران) لفظ النسائي: فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى (1). وهذا اللفظ أقرب إلى لفظ القرآن من لفظ المصنف.
قال ابن المنذر: إذا خلط في قراءته فهو سكران؛ استدلالًا بقوله تعالى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (2). وإذا كان بحيث لا يعلم ما يقول فيجتنب المسجد مخافة التلويث ولا تصح صلاته، فإن صلى في هذِه الحال قضى، وإن كان بحيث يعلم ما يقول فأتى بالصلاة فحكمه حكم الصاحي. وقال أحمد: إذا تغير عقله عن حال الصحة فهو سكران (3). وحكي نحوه عن مالك (4).
(فدعي عمر فقرئت عليه) هذِه الآية (فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء) كما تقدم (فنزلت هذِه الآية) زاد النسائي: التي في المائدة (5).
="المصنف" 4/ 79 (17967)، ومسدد في "المسند" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 155، وكما في "المطالب العالية" 8/ 404 (1692)، والبيهقيُّ 7/ 359، والحافظ في "التغليق" 4/ 454 - 455.
والحديث رواه البخاري معلقًا قبل حديث (5269)، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" 5/ 191، والألباني في "الإرواء" 7/ 112.
(1)
"سنن النسائي" 8/ 286.
(2)
"الأوسط" 9/ 252.
(3)
انظر: "المغني" 12/ 506.
(4)
انظر: "مواهب الجليل" 2/ 142.
(5)
"سنن النسائي الكبرى" 3/ 203.
بينها الترمذي في روايته فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ) (1)(2). لفظه لفظ استفهام ومعناه الأمر. أي: انتهوا، وفي لفظ الاستفهام إشارة إلى مبالغة في النهي وتهديد شديد، وأن التقدير: انتهوا فإن لم تنتهوا وقع بكم العذاب. ولهذا كان هذا أبلغ من قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ} ، قال الفراء: ردد عليَّ أعرابي: هل أنت ساكت .. هل أنت ساكت؟ وهو يريد: اسكت اسكت (3).
ولما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زائد على معنى: انتهوا، (فقال عمر: انتهينا) ربنا انتهينا. وفي رواية الترمذي والنسائيُّ: انتهينا انتهينا (4). مرتين. ولما قال عمر ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة: ألا إن الخمر قد حرمت. فكسرت الدنان وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة (5).
[3671]
(حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) بن عيينة (حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السُّلمي) بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى سليم بن منصور بن
(1) المائدة: 91.
(2)
"سنن الترمذي"(3049).
(3)
"معاني القرآن" 3/ 154.
(4)
"سنن الترمذي"(3049)، "سنن النسائي" 8/ 286 - 287، "سنن النسائي الكبرى" 3/ 202 - 203.
(5)
رواه بنحوه البخاري (2464)، ومسلم (1980)، وسيأتي ذكره قريبًا عند المصنف برقم (3673).
عكرمة بن خصفة (1) بن قيس عيلان من مضر قبيلة مشهورة (عن علي رضي الله عنه أن رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن). بنصب (عبد) عطف (2) على الضمير المنصوب قبله، والتقدير: دعاه ودعا عبد الرحمن (بن عوف فسقاهما) من الخمر (قبل أن تحرم) توضحه رواية الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعامًا فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني (3) (فأمهم علي في المغرب فقرأ: قل يا أيها الكافرون) فيه دليل على استحباب قراءة (4) الكافرون و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في صلاة المغرب في الأولى والثانية، فإنَّه لم يستعملها في هذِه الحال إلا لكثرة استعمالها في حال الكمال، فحملته العادة على قراءتها (فخلط) بفتح اللام فيها، كما في رواية الترمذي قرأت:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (5) ونحن نعبد ما تعبدون (فنزلت) هذِه الآية: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ})(6).
استدل الغزالي بهذِه الآية على اشتراط الخشوع في الصلاة. قال: قوله: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} تعليل لنهي السكران عن الدخول فيها
(1) في (م): حفص.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"سنن الترمذي"(3026).
(4)
في (م): قل يا أيها.
(5)
الكافرون: 1 - 2.
(6)
"سنن الترمذي"(3026).
حال السكر. وهذِه العلة مطردة في الغافل المستغرق الهم بالوساوس وأفكار الدنيا (1).
[3672]
(حدثنا أحمد بن محمَّد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الواو نسبة إلى مرو، من كبار الأئمة (حدثنا علي بن حسين) بن واقد المروزي، ضعفه أبو حاتم (2)، وقواه غيره (عن أبيه) الحسين بن واقد، قاضي مرو، قال ابن المبارك: من مثله! وثقه ابن معين وغيره، أخرج له مسلم (3) (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) المروزي المتقن (عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما) في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} و) قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} كما تقدم، (نسختها) الآية (التي في) سورة (المائدة) وهي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} قيل: هي الأصنام، وقيل: هي النرد والشطرنج (4)(الآية) يعني: {وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، والأمر باجتنابه يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من وجوه الخمر، ولا بحال من حالاته، فلهذا كانت ناسخة لشربها في غير وقت الصلاة وحالة السكر، وللمنافع التي كانت ينتفع بها في أثمانها، كما تقدم، فقد نسخت هذِه الآية شربها في غير وقت
(1)"إحياء علوم الدين" 1/ 212.
(2)
"الجرح والتعديل" 6/ 179 (978).
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 406 (4052).
(4)
انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 2/ 237، و"تفسير ابن كثير" 5/ 333.
الصلاة، فلا ينتفع بها بشرب في وقت من الأوقات، ولا في (1) حال من الأحوال ولا في بيع وأخذ ثمن، ولا بعد تخليل ومداواة وغير ذلك، وعلى ذلك جاءت الأحاديث الواردة في الباب، كما سيأتي.
[3673]
(حدثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري، قاضي مكة (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال: كنت ساقي القوم) جماعة الرجال دون النساء (حيث) للمكان الذي (حرمت) فيه، وحين للوقت الذي حرمت فيه (الخمر) وكان ذلك (في منزل أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي النجاري المدني (وما شرابنا يومئذ) أي: يوم حرمت الخمر فيه (إلا الفضيخ) بالضاد والخاء المعجمتين، وهو شراب يتخذ من البسر المفضوخ. أي: المشدوخ يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه نار فيفضخ البسر. أي: يشدخ ويصب عليه الماء ويترك حتى يغلي ثمَّ يشرب، فإن (2) كان معه تمر فهو الخليط (فدخل علينا رجل فقال: إن الخمر قد حرمت) بضم الحاء وكسر الراء المشددة. أي: حرمها الله ورسوله (ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتحريمها في سكك المدينة: ألا إن الخمر قد حرمت (فقلنا: هذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه: دليل على جواز العمل بخبر الواحد المنادي كما في القبلة، حيث كان استقبال القبلة مقطوعًا به من الشريعة عندهم، ثمَّ إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام فقبلوا قوله واستداروا
(1) ساقطة من (م)، (ل).
(2)
ساقطة من (م)، (ل).
نحو الكعبة (1)، وتركوا المقطوع المتواتر بخبر الواحد (2) المظنون. وفيه: أن الحكم إذا تغير يُعلِم الإمام ذلك بمناد ينادي في سكك المدينة، أو يعلمهم الإمام في الخطبة كما في تحويل الكعبة، وكذا إذا تجدد حكم من أحكام الشريعة، كما إذا رأى الإمام الاستسقاء عند احتياج الناس، يأمرهم بمناد ينادي في سكك المدينة وفي الأسواق بأن يصوموا ثلاثة أيام، ويخرجوا إلى الصلاة في اليوم الرابع، أو يعلمهم في الخطبة ويرسل من يعلم القرى التي حول البلد بذلك، ولم أجد من صرح في الصيام بالمنادي ولا بالخطبة من أصحابنا. قال القرطبي: فيه أن نداء المنادي عن الأمير يتنزل في العمل منزلة سماعه (3).
(1) رواه البخاري (4488)، ومسلم (526) من حديث ابن عمر.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"المفهم" 5/ 254.