الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - باب كَيْفَ الرُّقَى
؟
3890 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قالَ: قالَ أَنَسٌ -يَعْني: لِثابِتٍ-: أَلا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قالَ بَلَى. قالَ: فَقالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ النّاسِ مُذْهِبَ الباسِ اشْفِ أَنْتَ الشّافي لا شافي إِلَّا أَنْتَ اشْفِهِ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا"(1).
3891 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمي أَخْبَرَهُ أَنَّ نافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبِي العاصِ أَنَّهُ أَتَى النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ عُثْمانُ وَبي وَجَعٌ قَدْ كادَ يُهْلِكُني قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ ما أَجِدُ". قالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل ما كانَ لى فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلي وَغَيْرَهُمْ (2).
3892 -
حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلي، حَدَّثَثا اللَّيْثُ، عَنْ زِيادِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقول: "مَنِ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئًا أَوِ اشْتَكاهُ أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ رَبُّنا اللَّهُ الذي في السَّماءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ أَمْرُكَ في السَّماءِ والأَرْضِ كَما رَحْمَتُكَ في السَّماءِ، فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضِ، اغْفِرْ لَنا حُوبَنا وَخَطايانا، أَنْتَ رَبُّ الطّيِّبِينَ أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفاءً مِنْ شِفائِكَ عَلَى هذا الوَجَعِ فَيَبْرأُ"(3).
3893 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الفَزَعِ
(1) رواه البخاري (5742).
(2)
رواه مسلم (2202).
(3)
رواه النسائي في "الكبرى"(10876).
وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(2013): ضعيف جدا.
كَلِماتٍ: "أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبادِهِ وَمِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ". وَكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ (1).
3894 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي سُرَيْجٍ الرّازي، أَخْبَرَنا مَكّي بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ ابْن أَبِي عُبَيْدٍ قالَ: رَأَيْت أَثَرَ ضَرْبَةٍ في ساقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: ما هذِه؟ قالَ: أَصابَتْني يَوْمَ خَيبَرَ فَقالَ النّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأُتي بي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَفَثَ في ثَلاثَ نَفَثاتٍ فَما اشْتَكَيْتُها حَتَّى السّاعَةِ (2).
3895 -
حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ -يَعْني: ابن سَعِيدٍ- عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِلإِنْسانِ إِذا اشْتَكَى يَقولُ بِرِيقِهِ ثُمَّ قالَ بِهِ في التُّرابِ: "تُرْبَةُ أَرْضِنا بِرِيقَةِ بَعْضِنا يُشْفَى سَقِيمُنا بِإِذْنِ رَبِّنا"(3).
3896 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَني عامِرٌ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمي، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَقْبَلَ راجِعًا مِنْ عِنْدِهِ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بِالحَدِيدِ فَقالَ أَهْلُهُ إِنّا حُدِّثْنا أَنَّ صاحِبَكُمْ هَذا قَدْ جاءَ بِخَيْرٍ فَهَلْ عِنْدَكَ شَيء تُداوِيهِ؟ فَرَقَيْتهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَبَرَأَ، فَأَعْطُوني مِائَةَ شاةٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقالَ:"هَلْ إِلَّا هذا". وقالَ مُسَدَّدٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هذا؟ ". قُلْت: لا. قالَ: "خُذْها فَلَعَمْري لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ"(4).
(1) رواه الترمذي (3528)، وأحمد 2/ 181.
وصححه الألباني في "الصحيحة" 1/ 529.
(2)
رواه البخاري (4206).
(3)
رواه البخاري (5745)، ومسلم (2194).
(4)
سبق برقم (3420).
3897 -
حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، ح وَحَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا ابن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ قالَ: فَرَقاهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ ثَلاثَةَ أيّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً كُلَّما خَتَمَها جَمَعَ بُزاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا فَأَتَى النَّبي صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ (1).
3898 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لُدِغْتُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قالَ: "ماذا". قالَ عَقْرَبٌ. قالَ: "أَما إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ إِنْ شاءَ اللَّهُ"(2).
3899 -
حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا بَقِيَّة حَدَّثَني الزُّبَيْدي، عَنِ الزُّهْري، عَنْ طارِقٍ -يَعْني: ابن مُخاشِنٍ- عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: أُتي النَّبي صلى الله عليه وسلم بِلَدِيغٍ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ قالَ: فَقالَ: "لَوْ قالَ أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ لَمْ يُلْدَغْ". أَوْ: "لَمْ تَضُرَّهُ"(3).
3900 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ أَبي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم انْطَلَقُوا في سَفْرَةٍ سافَرُوها فَنَزَلُوا بِحَي مِنْ أَحْياءِ العَرَبِ فَقالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سيِّدَنا لُدِغَ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيء يَنْفَعُ صاحِبَنا فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: نَعَمْ واللَّه إِنّي لأَرْقي، ولكن اسْتَضَفْناكُمْ فَأَبَيْتُمْ أَنْ
(1) رواه النسائي في "الكبرى"(10804)، وأحمد 5/ 210.
وهو مكرر سابقه.
(2)
رواه أحمد 3/ 448.
وصححه الألباني.
(3)
رواه النسائي في "الكبرى"(10434).
وقال الألباني: ضعيف الإسناد.
تُضيِّفُونا ما أَنا بِراقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لي جُعْلًا. فَجَعَلُوا لَهُ قَطِيعًا مِنَ الشّاءِ، فَأَتاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ أُمَّ الكِتابِ وَيَتْفُلُ حَتَّى بَرَأَ كَاَنَّما أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ. قالَ: فَأَوْفاهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقالُوا: اقْتَسِمُوا. فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَسْتَأْمِرَهُ. فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّها رُقْيَةٌ؟ أَحْسَنْتُمُ اقْتَسِمُوا واضْرِبُوا لي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ"(1).
3901 -
حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، ح وَحَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمي عَنْ عَمِّهِ قالَ: أَقْبَلْنا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْنا عَلَى حَي مِنَ العَرَبِ، فَقالُوا: أَنّا أُنْبِئْنا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هذا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ دَواءٍ أَوْ رُقْيَةٍ فَإِنَّ عِنْدَنا مَعْتُوهًا في القُيُودِ قالَ: فَقُلْنا نَعَمْ. قالَ: فَجاؤوا بِمَعْتُوهٍ في القُيُودِ قالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فاتِحَةَ الكِتابِ ثَلاثَةَ أيّامٍ غُدْوَة وَعَشِيَّةً، كُلَّما خَتَمْتُها أَجْمَعُ بُزاقي ثُمَّ أَتْفُلُ فَكَأَنَّما نُشِطَ مِنْ عِقالٍ قالَ: فَأَعْطَوْني جُعْلًا فَقُلْتُ: لا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "كُلْ فَلَعَمْري مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ"(2).
3902 -
حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا اشْتَكَى يَقْرَأُ في نَفْسِهِ بالمُعَوِّذاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ رَجاءَ بَرَكَتِها (3).
* * *
باب كيف الرقى؟
[3890]
(حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب
(1) سبق برقم (3418)، وهو صحيح.
(2)
سبق برقم (3420، 3897)، وهو صحيح.
(3)
رواه البخاري (4439)، ومسلم (2192).
قال أنس) بن مالك (لثابت) البناني (ألا أرقيك) بفتح الهمزة (برقية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى) لفظ البخاري: عن عبد العزيز قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك فقال ثابت: يا أبا حمزة، اشتكيت. فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى (1).
(فقال: اللهم رب الناس مذهب الباس) وهو الشدة والعذاب، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء إذا لم يكن مقصودًا ولا متكلفًا فيه (اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت أشفه شفاء) منصوب على المصدر من قوله: اشف (لا يغادر سقمًا) هذا مما يراد به الإحاطة، يعني: لا يترك شيئًا من الأسقام إلا أزاله، وقد يدخل فيه السقم من الذنوب (2) والمعاصي.
[3891]
(حدثنا عبد اللَّه) بن محمد (3) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن يزيد (4) بن عبد اللَّه بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، ثم ياء التصغير، الكندي المدني.
(أن عمرو بن عبد اللَّه بن كعب) بن مالك (السلمي) بفتح السين، كذا ضبطه الحافظ عبد الغني (5)، وجوز ابن الصلاح كسر اللام في لغة رديئة، روى له الأربعة (أخبره أن نافع بن جبير، أخبره عن عثمان بن أبي العاص)
(1)"صحيح البخاري"(5742).
(2)
في (ل)، (م): السقم.
(3)
كذا في جميع النسخ: والصواب: مسلمة، كما في مصادر ترجمته.
(4)
فوقها في (ح)، (ل):(ع).
(5)
"مشتبه النسبة"(ص 36).
وكان استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الطائف.
(أنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال عثمان) بن أبي العاص (و) كان (بي وجع) شديد (قد كاد يهلكني) ولفظ مسلم: أنه شكا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم (1)(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ) زاد مسلم: "ضع يدك على الذي يألم من جسدك و"(2)(امسحه (3) بيمينك سبع مرات) ولمسلم: "قل: بسم اللَّه ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ باللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"(4).
(وقل: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد) زاد الترمذي: بلفظ: "أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا. ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وترًا"(5).
(قال: ففعلت ذلك فأذهب اللَّه عني) ببركة هذِه الاستعاذة جميع (ما كان بي) من الألم (قال: فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم) بنصب الراء. أي: كان يأمر أقاربه والأجانب أن يفعلوه، فيذهب اللَّه ما بهم.
قال ابن القيم: ففي هذا العلاج من ذكر اللَّه تعالى والتفويض إليه والاستعاذة بعزة اللَّه وقدرته من شر الألم ما يذهبه، وتكراره ليكون
(1)"صحيح مسلم"(2202).
(2)
السابق.
(3)
في هامش (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة: امسح.
(4)
السابق.
(5)
رواه الترمذي بهذا اللفظ (3588) من حديث أنس مرفوعًا، وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وببعضه: "أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد"(2080) من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعًا، وقال: حسن صحيح.
أنجع وأبلغ، كتكرار الدواء لإخراج المادة، وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها (1).
[3892]
(حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد اللَّه (بن موهب) بفتح الميم والهاء، أبو خالد (الرملي) الثقة الزاهد.
(حدثنا الليث، عن زياد (2) بن محمد) الأنصاري، قال ابن عدي: لا أعرف له إلا مقدار حديثين أو ثلاثة (3).
(عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد) مصغر، شهد أحدًا وولي قضاء دمشق.
(عن أبي الدرداء) عويمر رضي الله عنه (قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من اشتكى منكم شيئًا) في جسده (أو اشتكى (4) إليه أخ له) من شيء يؤلمه (فليقل: ربنا) بالنصب؛ لأنه منادى مضاف.
(اللَّه الذي في السماء) [فيه حذف تقديره؛ اللَّه الذي أمره في السموات وفي الأرض، وهذا كما تقول: الخليفة في الشرق والغرب. أي: حكمه نافذ فيهما.
(تقدس) أي: تنزه (اسمك) يراد بالاسم المسمى (أمرك في السماء] (5) و) في (الأرض، كما رحمتك في السماء) عامة لجميع من
(1)"زاد المعاد" 4/ 188.
(2)
فوقها في (ح)، (ل):(د)، وفي هامش (ح) وبعدها في صلب (ل)، (م): نسخة: زيادة.
(3)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 146 (698).
(4)
في هامش (ح) وصلب (ل)، (م) ت نسخة: أو اشتكاه.
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
في السماء (فاجعل رحمتك في الأرض) عامة بكل مؤمن، كما قال تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1).
وفي الحديث: "إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء"(2)(فاغفر لنا حوبنا) بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، أي: إثمنا، ويجوز في الحاء الفتح والضم. وقيل: الفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، وقال تعالى:{إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (3) وفي الحديث: "الربا سبعون حوبًا"(4)، أي: سبعون ضربًا من الإثم، ويقال فيه: الحوبة بفتح الحاء والباء.
(و) اغفر لنا (خطايانا أنت رب) بالرفع (الطيبين) أي: الطاهرين من المعاصي، ويحتمل المتكلمين بالكلم الطيب، وخصوا بالذكر؛ لشرفهم وفضلهم على غيرهم، وإن كان رب الطيبين والخبيثين فلا ينسب [إلى اللَّه](5) إلا الطيب، كما لا يقال: رب الخنازير.
(1) التوبة: 128.
(2)
رواه البخاري (1284)، (5655)، (6655)، (7377)، (7448)، ومسلم (923) مرفوعًا من حديث أسامة بن زيد.
(3)
النساء: 2.
(4)
رواه ابن ماجه (2274)، وابن أبي شيبة 4/ 452 (21999)، والبزار 15/ 175 (8538)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 395 (5522) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
قال البوصيري في "الزوائد"(755): هذا إسناد فيه نجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السندي مولى بني هاشم، وهو متفق على تضعيفه. قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 2/ 377 (1858)، 3/ 77: صحيح لغيره.
(5)
في (ل، م): إليه.
(أنزل) بفتح الهمزة، علينا (رحمة من رحمتك) أي: أعطنا من رحمتك التي وسعت كل شيء (وشفاء من شفائك) الذي لا يترك على هذا الوجع الذي بي شيئًا من الآلام (فيبرأ) ذلك المشتكي بإذن اللَّه تعالى، ففي هذِه الرقية التوسل إلى اللَّه تعالى بكمال ربوبيته وتنزيهه وأمره النافذ في السماء والأرض، ورحمته العامة بشفائه من وجعه برحمة اللَّه تعالى وفضله ومنته.
[3893]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة.
(عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي"(عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) كما تقدم.
(أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع) في الليل وغيره (كلمات) ذكر الطبراني في "الأوسط" هذِه الكلمات من رواية أبي أمامة بزيادة في أوله وآخره، ولفظه: قال: حدث خالد بن الوليد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أهاويل رآها في الليل حالت بينه وبين صلاة الليل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يا خالد، ألا أعلمك كلمات تقولهن ثلاث مرات حتى يذهب اللَّه عنك" قال: بلى يا رسول اللَّه بأبي وأمي، وإنما شكوت هذا إليك رجاء هذا منك.
قال: "أعوذ بكلمات اللَّه التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون".
قالت عائشة: فلم ألبث إلا ليالي حتى جاء خالد بن الوليد قال: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات حتى أذهب اللَّه عني ما كنت أجد، ما أبالي
لو دخلت على أسد في خوسته (1) بليل (2).
والأهاويل جمع أهوال، وأهوال جمع هول، وهو الخوف والفزع والأمر الشديد، وكل ما يهولُ الإنسان ويحيره، والخيسة بكسر الخاء المعجمة وبعد الياء (سين مهملة)(3) هي موضع الأسد الذي يأوي إليه. (أعوذ بكلمات اللَّه) وهي القرآن، وصف كلمات اللَّه بأنها (التامات)(4)؛ لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الآدميين، [وقيل: معنى التمام ها هنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه (من غضبه) الغضب من صفات الآدميين] (5)، وهو مستحيل على اللَّه، والمراد به إذا وقع إنكاره على من عصاه وسخطه عليه وإعراضه عنه ومعاقبته (6) له.
(وشر عباده) أهل الفسا د (ومن همزات) بفتح الميم (الشياطين) أي: وساوسه الشاغلة عن ذكر اللَّه، وأصل الهمز: الطعن باللسان، من
(1) كذا في جميع النسخ، وفي "المعجم الأوسط" للطبراني 1/ 285.
(2)
"الأوسط" 1/ 285 (931).
قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 127 رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحكم بن عبد اللَّه الأيلي، وهو متروك. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(5139)، قال: هذا إسناد موضوع آفته الحكم بن عبد اللَّه الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة. وقال أبو حاتم وابن أبي الحواري: كذاب.
(3)
في جميع الأصول: شين معجمة، والصواب ما أثبتناه.
(4)
في حاشية (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة التامة.
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل).
(6)
مذهب أهل السنة والجماعة أن الغضب صفه ثابتة للَّه تعالى.
المهماز الذي يطعن في الفرس (و) أعوذ بك (أن يحضرون) أي: يحضروا عندي أو يجالسون، أو يكونوا قرناء لي.
(وكان عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص (يعلمهن من عقل) بفتح القاف (من بنيه) لفظ الترمذي: كان عبد اللَّه بن عمرو يلقنها من بلغ من ولده (1). (ومن لم يبلغ كتبها) في صك، ثم علقها في عنقه (ومن لم يعقل) ما يقول ويفهمه، فإن العقل غريزة يتهيأ بها الإنسان إلى فهم الخطاب، ورد الجواب (كتبه) في صك. أي: قرطاس. (فأعلقه) أي: علقه عليه. وفيه دليل على جواز كتابة التعاويذ والرقى وتعليقها.
قال المروذي: قرأ على أبي عبد اللَّه وأنا أسمع أبا المنذر عمرو بن مجمع: حدثنا يونس بن حبان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلق التعويذ، فقال: إن كان من كلام اللَّه أو كلام عن نبي اللَّه، فعلقه واستشف به ما استطعت. قلت: اكتب هذِه من حمى الربع: باسم اللَّه وباللَّه ومحمد رسول اللَّه {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} (2) اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك، إله الحق، آمين، قال: نعم (3).
قال أحمد: وكان ابن مسعود يكرهه كراهة شديدة جدًّا. قال الخلال: وحدثنا عبد اللَّه بن أحمد، قال: رأيت أبي يكتب التعويذ
(1)"سنن الترمذي"(3528).
(2)
الأنبياء: 69، 70.
(3)
"الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 262.
الذي للفزع وللحمى بعد وقوع البلاء (1) والمشهور في ذلك الجواز، ومن كرهها فإنما كرهها من اعتقد أنها تنفع بنفسها أو تضر، أو كان فيها ما لا يعرف معناه.
[3894]
(حدثنا أحمد) بن الصباح النهشلي أبو جعفر (بن أبي سريج) بضم السين المهملة، وآخره جيم (الرازي) المقرئ شيخ البخاري (أنا مكي (2)، حدثنا يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع الأسلمي (قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة) بن الأكوع رضي الله عنه (فقلت: ما هذِه؟ فقال: أصابتني) ضربة (يوم) بالنصب (خيبر فقال الناس: أصيب سلمة) بن الأكوع في ساقه (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء (بي النبي صلى الله عليه وسلم) لفظ البخاري: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم (3).
(فنفث) بفتح الفاء والثاء المثلثة. أي: نفخ مع الرقية، شبه البزاق مِثْلُ تَفَلَ، قال أبو عبيد: إلا أن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق (4). وقيل: هما سواء، يكون معهما ريق (فيَّ) بتشديد الياء، جار ومجرور، لفظ البخاري: فنفث فيه (5)(ثلاث نفثات) بسكون الفاء مثل ضربات. قال (فما اشتكيتها (6) حتى الساعة) فإن قلت: حتى للغاية،
(1)"مسائل الإمام أحمد" رواية عبد اللَّه ص 447 (1622).
(2)
فوقها في (ح): (ع).
(3)
"صحيح البخاري"(4206).
(4)
"غريب الحديث" 1/ 180.
(5)
"صحيح البخاري"(4206).
(6)
في هامش (ح)، وصلب (ل، م): نسخة: شكيتها.
وحكم ما بعدها خلاف ما قبلها، فلزم الاشتكاء ساعة حكايته إذ هو خلاف النفي. قلت: الساعة بالنصب على الصحيح، خلاف ما ضبطه الزركشي بالجر، وعلى النصب فهي للعطف، فالمعطوف داخل في المعطوف عليه إما في زيادة كـ: مات الناس حتى الأنبياء. أو نقص كـ: زارك الناس حتى الحجامون حتى الساعة من النقص. أي: ما زالت الشكوى موجودة مع النقص حتى الساعة، ومنه: أكلت السمكة حتى رأسها.
وفي هذا الحديث معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري، ذكره في غزوة خيبر (1)، والثلاثة للمصنف، لكن زاد ابن الصباح عن مكي بن إبراهيم فصار من رباعيات المصنف.
[3895]
(حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد (2) ربه بن سعيد) الأنصاري أخي يحيى (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، من فقهاء التابعين، وكانت في حجر عائشة.
(عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للإنسان) المريض (إذا اشتكى يقول بريقه) زاد مسلم: أو كان به قرحة أو جرح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها (3).
(1) السابق.
(2)
فوقها في (ح)، (ل):(ع).
(3)
"صحيح مسلم"(2194).
(ثم قال به في التراب) والمعنى: أنه يأخذ من ريق نفسه على السبابة، ثم يضعها على التراب فيتعلق بها شيء منه، ثم يمسح به الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح.
(تربة) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هذِه تربة. وزاد البخاري قبله: "باسم اللَّه تربة"(1)(أرضنا) المراد به جميع الأرض. وقيل: أرض المدينة لبركتها.
(بريقة) هي أخص من الريق (بعضنا) يعني به: المؤمنين، لا سيما من كان منهم صائمًا أو جائعًا، فإن فيه [تحليلا وإنضاجًا وإدمالًا](2) وإبراءً للجراحات والأورام والثآليل.
قال القرطبي: وهذا إنما يكون عند المعالجة المشروع فيها على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والريق، وأما النفث ووضع السبابة بالأرض فلا يتعلق منها بالمرقي شيء له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء اللَّه تعالى وآثار رسوله (3).
وقد دلت الأحاديث على أن الرقي له مدخل في تعديل المزاج، وكذا تراب أرض الوطن له تأثير في حفظ المزاج الأصلي؛ ولهذا قيل: ينبغي للمسافر أن يستصحب معه من تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إنه يتيمم منه، وإذا ورد على غير الماء المعتاد جعل منه في سقائه حتى يختلط بذلك الماء ويشرب منه، فإنه يعين
(1)"صحيح البخاري"(5745).
(2)
في جميع النسخ: تحليلٌ وإنضاجٌ وإدمالٌ. والمثبت هو الصواب.
(3)
"المفهم" 5/ 580.
على حفظ صحته.
(يشفى سقيمنا بإذن ربنا) نسب الشفاء إلى إذن اللَّه تعالى دون الريق والتراب والأسماء؛ فإنها لا تفعل بذاتها دون إرادة اللَّه تعالى، فإن اللَّه تعالى هو شافي السقيم سبحانه بأسباب أعلم خلقه بها وأجرى العادة بها كما في السقمونيا وهي الشفاء للإسهال ونحو ذلك (1).
[3896]
(حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن زكريا) بن أبي زائدة الهمداني الوادعي، وفي "سؤالات الآجري": سألت أبا داود -يعني: المصنف- عن أبي زائدة فقال: ليس له اسم.
(حدثني عامر) بن شراحيل الشعبي (عن خارجة بن الصلت التميمي) البرجمي، محله الصدق (عن عمه) علاقة بن صحار التميمي السليطي، ويقال: البرجمي، له صحبة ورواية (أنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأسلم) على يديه (ثم أقبل راجعًا من عنده، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد) أي: مربوط بالوثاق، وهو القيد الذي يشد به. فيه تقييد
(1) ورد في صلب (م) وحاشية (ل) وبعضه في حاشية (ح) ما نصه:
(ثنا عبد اللَّه بن معاذ، حدثني أبي، وحدثنا ابن يسار، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عبد اللَّه بن أبي اليسر، عن الشعبى، عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمه قال: أقبلنا من عند رسول اللَّه فأتينا على حي من العرب فقالوا: أنبئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوهًا في القيود. قال: فقلنا: نعم. قال: فجاؤوا بمعتوه في القيود، فقرأت عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام، غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل. قال: فكأنما أنشط من عقال، فأعطوني جعلًا، فقلت: لا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فلعمري، من أكل برقية، فلقد أكلت برقية حق" نسخة وجدتها في حاشية نسخة المصنف، وقال: نسخة.
المجنون بالحديد وبالقد الشديد، ومنعه من الحركة والفساد.
(فقال أهله: إنا حدثنا) بضم الحاء (أن صاحبكم هذا) يعني: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (قد جاء بخبر) وللنسائي في رواية: فأتينا على حي من العرب فقالوا: إنا نبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير (1). يشبه أن يراد بهذا الخبرِ الخبرُ عن اللَّه تعالى العظيم (فهل عندك شيء نداويه به)(2) وللنسائي: فهل عندكم من دواء أو رقية؟ فقلنا: نعم، فجاؤوا بمعتوه في القيود (3).
(فرقيته) بفتح القاف (بفاتحة الكتاب) سميت بذلك؛ لأن قراءة القرآن تفتتح بها لفظًا وتفتتح بها الكتابة في المصحف، وتفتتح بها الصلوات. (فبرأ) بإذن اللَّه تعالى.
وفيه دليل على رد قول جهلة الأطباء وسقطتهم، فإنهم ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل إذ ليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع: المرض الإلهي. وفيه دليل على برء المصروع بالآيات من كتاب اللَّه من الفاتحة وغيرها، وقد أفاق كثير من المصروعين
(1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 256 (10871). بلفظ: "فأتينا على حي من العرب" دون بقية لفظ الشارح. ورواه بهذا اللفظ كاملًا أحمد 5/ 211.
(2)
ورد في هامش (ح) وفي صلب (ل)، (م): نسخة فهل عندك شيء تداووا به.
(3)
"السنن الكبرى" 6/ 256 (10871) بهذا اللفظ دون لفظ: فقلنا: نعم. وبهذا اللفظ كاملًا رواه أحمد 5/ 211.
بالقراءة في أذن المصروع بقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} (1).
قال ابن القيم: وشاهدت شيخنا -يعني: ابن التيمية- يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي. وربما خاطبه بنفسه، وحدثني أنه قرأ الآية في أذن مصروع فقالت الروح: نعم. ومدَّ بها صوته، فأخذت له عصاة، وضربته بها في عروق رقبته حتى كلت يدي من الضرب، ولم يشك الحاضرون أنه يموت بذلك، ففي أثناء الضرب قالت: أنا أحبه. قلت لها: هو لا يحبك. فقالت: أنا أدعه كرامة لك. قلت: لا، ولكن طاعة للَّه ولرسوله. قالت: فأنا أخرج منه، فقعد المصروع يلتفت يمينًا وشمالًا، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ قالوا: وهذا الضرب كله. قال: وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب. ولم يشعر بالضرب. وكان يعالج بآية الكرسي ويأمر بقراءة المعوذتين، وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة (2) يكون من جهة قلة دين المصروع وخراب قلبه ولسانه عن التعاويذ والتحصينات النبوية، فتلقى الروح الخبيثة (3) الرجل أعزلَ لا سلاح معه، فتتمكن منه (4).
(1) المؤمنون: 115.
(2)
في (ل)، (م): الجنية.
(3)
في (ل)، (م): الجنية.
(4)
"زاد المعاد" 4/ 68 - 69.
(فأعطوني) جماعة المصروع (مائة شاة، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته). فيه الذهاب إلى أهل العلم وسؤالهم عما اشتبه عليه حكمه، والتوقف عن أكل ما لا يعرف حكمه حتى يسأل أهل العلم (فقال: هل) قلت (إلا هذا) الذي ذكرته؟ !
(وقال مسدد) شيخ المصنف (في موضع آخر) من روايته (هل قلت) شيئًا (غير هذا) مما لا يحل (فقلت: لا. قال: خذها) يعني: خذ هذِه المائة شاة (1) جميعها. فيه معاملة الكفار وجواز رقاهم وإعطائهم التعاويذ التي ليس فيها قرآن، وجواز التطبب لهم من وصف دواء مريض منهم وإعطائهم الأدوية التي فيها شفاء لهم، ومداواة الحيوان المأكول وغيره من كل محترم. وفيه جواز أخذ الأجرة الكثيرة على العمل الذي لا يتعب، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه"(2).
(فلعمري) قسم (لمن أكل) المال (برقية باطل، لقد أكلت) المائة شاة (برقية حق) فيه أن الرقية على قسمين: حق وباطل. فرقية الحق ما كانت بكتاب اللَّه تعالى، وبما يعرف من ذكر اللَّه تعالى من الكتاب أو السنة أو غيرهما، فإن كانت الرقية الملفوظ بها أو المكتوبة مما لا يعرف معناه فلا تجوز الرقية بها؛ لاحتمال أن يكون فيها كفر؛ ولهذا قال عليه السلام:"اعرضوا عليَّ رقاكم"(3).
(1) ساقطة من (ل)، (م).
(2)
رواه البخاري (5737) من حديث ابن عباس.
(3)
رواه مسلم (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
[3897]
(حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ) بن معاذ (قال: حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر العنبري (ثنا شعبة، عن عبد اللَّه بن أبي السفر) سعد بن محمد الهمداني، أخرج له الشيخان (عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت، عن عمه) علاقة (أنه مر) على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه به؟ (قال: فرقيته (1) بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها) يعني: الفاتحة (جمع بزاقه ثم تفل فكأنما نشط من عقال) أي: حل منه.
قال في "النهاية": وكثيرًا ما تجيء في الرواية: كأنما نشط من عقال. وليس بصحيح؛ لأنه يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها إذا حللتها (2).
(فأعطوه شيئًا) هو مائة شاة، كما في الرواية قبله؛ لأن الروايات يبين بعضها بعضا، ألا ترى ما في هذِه الرواية من زيادة البيان على ما في الرواية قبله، والزيادة من الثقة مقبولة -كما في الروايتين- (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) فأخبرته (بمعنى حديث مسدد) في الرواية التي قبلها.
[3898]
(حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح السمان (قال: سمعت رجلًا من أسلم) بن أفصى بن خزاعة، قبيلة من الأزد (قال: كنت جالسًا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه، فقال: يا رسول اللَّه، لدغت) بضم اللام وكسر الدال المهملة، وسكون الغين المعجمة (الليلة)
(1) في هامش (ح) ويصلب (ل)، (م): نسخة: فرقاه.
(2)
"النهاية" 5/ 57.
بالنصب، قال ثعلب وغيره: الليلة من الصباح إلى زوال الشمس. ومن الزوال إلى الليل، يقال: لدغت البارحة.
(فلم أنم حتى أصبحت) لفظ مسلم: يا رسول اللَّه، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة (1). (قال: ماذا) أصابك؟ (قال: ) أصابتني (عقرب. قال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: ) قال ابن القوطية: المساء ما بين الظهر إلى المغرب (2). (أعوذ بكلمات اللَّه التامات) لفظ ابن ماجه: "بكلمات اللَّه التامة"(3). (من شر ما خلق) أي: من شر خلقه، وشرهم ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والآثام ومضارة بعضهم بعضًا من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهس واللدغ والعض كالسباع والحشرات، وما وضعه اللَّه في الموات جنة من أنواع الضرر كالإحراق (لم تضرك إن شاء اللَّه) لفظ ابن ماجه:"ما ضره عقرب حتى يصبح"(4).
قال القرطبي: هذا قول الصادق الذي علمنا صدقه، دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه ولم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمهدية ليلًا، فتفكرت في نفسي، فإذا بي قد نسيت
(1)"صحيح مسلم"(2709) من حديث أبي هريرة.
(2)
"الأفعال"(ص 154).
(3)
رواه ابن ماجه (3518) من حديث أبي هريرة بلفظ: "بكلمات اللَّه التامات" كرواية المصنف، ولعل الشارح وهم في نسبه هذا اللفظ لابن ماجه، ومن رواه بلفظ:"بكلمات اللَّه التامة" النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 151 (10422)، 6/ 152 (10424)، 6/ 153 - 154 (10434) من حديث أبي هريرة.
(4)
"سنن ابن ماجه"(3518).
أن أتعوذ بتلك الكلمات التامة، كما في الحديث (1).
[3899]
(حدثنا حيوة بن شريح) بن يزيد الحضرمي الحمصي، شيخ البخاري (ثنا بقية) بن الوليد (حدثنا الزبيدي)[بضم الزاي](2)، واسمه محمد بن الوليد بن عامر القاضي الحمصي، أخرج له الشيخان (عن الزهري، عن طارق) بن مخاشن الأسلمي الحجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتى) بفتح الهمزة والتاء (النبي صلى الله عليه وسلم لديغ)(4) أي: ملدوغ، فهو فعيل بمعنى مفعول (لدغته عقرب، فقال: لو قال: أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شر ما خلق لم يلدغ، ولم يضره أو لم) شك من الراوي، سمها إن لسعته.
اعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه، وإن وقع لم يضره وقوعًا مضرًّا، بخلاف الأدوية الطبيعية، فإنما تنفع بعد حصول الداء، فمن النفع قبل الوقوع حديث الباب، ومن النفع بعد الحصول ما رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" عن عبد اللَّه ابن مسعود قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه، فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال:"لعن اللَّه العقرب، لا تدع نبيًّا ولا غيره" قال: ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء وملح، فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(1)"المفهم" 7/ 36.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).
(3)
4/ 395.
(4)
ورد في حاشية (ح) وصلب (ل، م): في رواية: أتي. بضم الهمزة وكسر التاء. النبي صلى الله عليه وسلم بلديغ.
والمعوذتين حتى سكنت (1)، ورواه الطبراني في "الصغير" عن علي بإسناد حسن (2). ففي هذا الحديث، العلاج المركب من الأمرين الإلهي والطبيعي، فأما العلاج الطبيعي فإن الملح فيه نفع كبير من السموم، ولا سيما لدغة العقرب، قال صاحب "القانون": يضمد به مع بذر الكتان للسع العقرب (3)، وفي الملح من القوة الجاذبة المحللة ما يجذب السموم ويحللها، ولما كان في لسعتها قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج، جمع بين الماء المبرد لنار اللسعة والملح الذي فيه جذب وإخراج، وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره وأسهله.
[3900]
(حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري (عن أبي المتوكل) علي الناجي، بالنون (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري رضي الله عنه أن رهطًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) الرهط: ما دون العشرة من الرجال (انطلقوا في سفرة سافروها، فمرُّوا (4) بحيٍّ من أحياء العرب) والحي القبيل، زاد البخاري: فلم يقروهم.
(1) لم أقف عليه في "مسند ابن أبي شيبة" ولا في "مصنفه" من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وإنما وقفت عليه في "مصنفه" 5/ 43 (23543) من حديث علي مرفوعًا. وحديث ابن مسعود هذا رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 106، وضعفه الألباني في "الصحيحة" 2/ 89 قال: أخرجه ابن عدي في "الكامل" بسند ضعيف.
(2)
2/ 87 (830). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 111: رواه الطبراني في "الصغير"، وإسناده حسن. وصححه الألباني في "الصحيحة"(548).
(3)
"القانون" 1/ 572.
(4)
في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: فنزلوا.
(فقال بعضهم) ولفظ مسلم: فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم (1). وفي رواية: نزلنا منزلًا، فأتتنا امرأة (2)(إن سيدنا لدغ، فهل عند أحد منكم شيء) وفي الصحيحين: هل فيكم من راق (3)؟ (ينفع صاحبنا؟ فقال رجل من القوم: نعم) ولمسلم: فقام معها رجل منا ما كنا نظنه يحسن رقية (4)(واللَّه إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا) واللَّه (ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلًا) والجعل بضم الجيم: الأجر الذي يجعل للإنسان على عمل يعمله.
(فجعلوا له قطيعًا) هو الطائفة من الغنم، فعيل بمعنى مفعول، أي: جزء مقطوع من الغنم. قيل: كان ثلاثين (5) شاة (من الشاء) بالهمزة بعد الألف جمع شاة، ويجمع على شياه بالهاء؛ رجوعًا إلى الأصل، كما قالوا: شفة وشفاه. (فأتاه فقرأ عليه أم الكتاب) وفي رواية للترمذي: فقرأت عليه: الحمد سبع مرات (6).
وفي رواية للبخاري: فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا (7). والراقي هو أبو سعيد الخدري، جاء ذلك مصرحًا به في رواية الترمذي والنسائي (8). زاد في الصحيحين: ويجمع بزاقه (9)(ويتفل) بسكون المثناة فوق، وضم
(1)"صحيح مسلم"(2201).
(2)
"صحيح مسلم"(22011/ 66).
(3)
"صحيح البخاري"(5007، 5736)، ومسلم (2201).
(4)
"صحيح مسلم"(2201/ 66).
(5)
في جميع النسخ: ثلاثون. والمثبت هو الصحيح.
(6)
"سنن الترمذي"(2063).
(7)
"صحيح البخاري"(5007).
(8)
"سنن الترمذي"(2063)، "السنن الكبرى" 6/ 254 (10866).
(9)
"صحيح البخاري"(5736)، "صحيح مسلم"(2201).
الفاء وكسرها، والتفل من البزاق.
(حتى برأ) اللديغ، وفي النفث والتفل استعانة ببلل الرطوبة والهوى والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء، فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه (1)، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهوى والنفس كانت أتم تأثيرًا وأقوى فعلًا ونفوذًا، وتحصل بالازدواج منها كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية، وكلما كانت كيفية نفس الراقي أقوى كانت الرقية أتم، واستعانته بتفله كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها، وفي التفل سرٌّ آخر، فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة، ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان. قال اللَّه تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} (2).
(كأنما أنشط من عقال) أي: حل، وروي: كأنما نشط (3). كما تقدم، وضعفه بعضهم وقال: نشطت العقدة إذا عقدتها بأنشوطة، وأنشطتها إذا حللتها. وقال غيره: أنشطت العقال ونشطته وانتشطته إذا حللته.
(قال: فأوفاهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقالوا: اقتسموا) زاد مسلم: "واضربوا لي معكم بسهم"(4).
وهذِه القسمة إنما هي برضا الراقي؛ لأن الغنم ملكه إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحقها بمفرده، لكن طابت نفسه بالتشريك والمواساة، فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة، وهي
(1) ساقطة من (م).
(2)
الفلق: 4.
(3)
"صحيح البخاري"(2276، 5749).
(4)
"صحيح مسلم"(2201).
القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، كما تقدم.
(فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنستأمره) في ذلك، وإيقاف الصحابي التصرف في الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عملًا بما يجب من التوقيف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمر لا يختلف فيه.
(فغدوا) بفتح الغين المعجمة (على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكروا له) ذلك (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟ ) أي: من أي الجهات علمتم أن الفاتحة رقية؟ !
قال ذلك تعجبًا من وقوعه على الرقى بها؛ ولذلك تبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند قوله (من أين علمت أنها رقية؟ ) وكان هذا الرجل علم أن هذِه السورة قد خصت بأمور منها (1): أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث أنها تشتمل على الثناء على اللَّه بأوصاف جلاله وكماله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز إلا بإعانته، وسؤال الهداية دون أحوال أهل الغواية.
وقد روى الدارقطني من حديث أبي سعيد، وفيه: فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ " فقال: يا رسول اللَّه، شيء ألقي في روعي (2).
(أحسنتم) فيه: استحباب الثناء على من فعل فعلًا فوافق الصواب، وأن يقال له: أحسنت، أو: أصبت، أو: بارك اللَّه فيه، ونحو ذلك.
(اقسموا) الشياه (واضربوا لي معكم بسهم) فيه أن الفاتحة فيها رقية، وأخذ الأجرة على الرقية، وأن المعلم له سهم مما أخذه المتعلم، كما أن
(1) ساقطة من (م).
(2)
"سنن الدارقطني" 3/ 64.
له مثل أجره، وفيه بيان الحكم بالقول، والمبالغة بالطلب من الشيء أن ذلك من الحلال المحض الذي لا شبهة فيه، وأن هذا أعظم في الدليل من أن يقول له: تجوز الأجرة على الرقى والطب كما قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد (1)، وأما الأجرة على تعليم القرآن فأجازها الجمهور؛ لهذا الحديث، وبرواية البخاري:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه"(2).
وحرم أبو حنيفة الأجرة على تعليم القرآن (3)؛ لأن الواجبات المحتاجة إلى نية التقرب لا يؤخذ عليها الأجرة كالصلاة؛ ولحديث المصنف في الذي أهدى القوس لمن علمه، واللَّه تعالى أعلم.
[3902]
(حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى) يدخل فيه الشكوى من جميع الأمراض والجراح والقروح (يقرأ على نفسه)(4) لفظ البخاري: كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه (5)(بالمعوذات) بكسر الواو، وكان حقه بالمعوذتين؛ لأنهما سورتان، فجمع إما لإرادة هاتين السورتين وما يشبههما من
(1) انظر: "الأم" 3/ 319، "شرح صحيح مسلم" للنووي 14/ 188، "الأوسط" لابن المنذر 11/ 150، "المغني" 8/ 139.
(2)
"صحيح البخاري"(5737) من حديث ابن عباس.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 99، "الأوسط" لابن المنذر 11/ 149.
(4)
ورد في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: في نفسه.
(5)
"صحيح البخاري"(5735).
القرآن، أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان، وإنما رقى (1) بهن؛ لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلًا، وجاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسورة الإخلاص والمعوذتين (2)، فهو من باب التغليب (وينفث) بضم الفاء وكسرها، والنفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، فإن فيه بعض بزاق.
(فلما اشتد وجعه) فوق ما كان (كنت أقرأ عليه) كما كان يقرأ، اقتداء به (وأمسح عليه) لفظ البخاري: كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيده نفسه (3)(رجاء بركتها) رقته عائشة في مرض موته صلى الله عليه وسلم ومسحته بيدها وبيده، وهو مقر لذلك، غير منكر لشيء منه. وإقراره على جواز الرقية بنفسه ولو زوجته (4) أو محرمه.
[3901]
(حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا) محمد (بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، عن عبد اللَّه ابن أبي السفر) تقدم.
(عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمه) علاقة (قال: أقبلنا من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتينا على حي من) أحياء (العرب فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير) عن اللَّه (فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوهًا) وهو المجنون المصاب بعقله، وقد عته فهو
(1) ساقطة من (م).
(2)
رواه البخاري (5748) عن عبد العزيز عن سليمان عن يونس عن ابن شهاب به.
(3)
"صحيح البخاري"(5735، 5751).
(4)
في (ل)، (م): وبزوجته.
معتوه (في القيود قال: فقلنا: نعم. قال: فجاؤوا بالمعتوه في القيود) فيه رد على من أنكر الصرع من جهلاء الأطباء وغيرهم.
(قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب في ثلاثة أيام) كل يوم (غدوة وعشية) فيه فضيلة القراءة والذكر صباحًا ومساءً، وفيه تكرار الرقية بالإفراد ثلاثة أو خمسة أو سبعة (أجمع) كل مرة (بزاقي ثم أتفل) فيه التداوي بالفاتحة؛ لما روى ابن ماجه عن علي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"خير الدواء القرآن"(1) والتفل نافع مؤثر، كما كانت السحرة تفعله، فتنفث على العقدة وتعقدها، وتتكلم بالسحر فيفعل ذلك في المسحور بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة، فتقابلها الروح الزكية الطيبة بكيفية الدفع، فالروح إذا كانت قوية وتكيفت بمعاني [الفاتحة واستعانت بالبزاق والتفل، قابل ذلك الأثر الذي حصل من النفوس الخبيثة فأزالته بإذن](2) اللَّه تعالى (فكأنما نشط) أي: حل (من عقال. قال: فأعطوني جعلًا) على الرقية (فقلت: لا، حتى أسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فسألته (فقال: كل) ما جعل لك على رقيتك (فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) كما تقدم.
* * *
(1)"سنن ابن ماجه"(3501، 3533). قال البوصيري في "الزوائد"(1162): فيه الحارث بن عبد اللَّه الأعور، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(767).
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).