الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - باب في السّاقي مَتَى يَشْرَبُ
3725 -
حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي المُخْتارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبي أَوْفَى أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"سَاقِيَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا"(1).
3726 -
حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِماءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرابيٌّ وَعَنْ يَسارِهِ أَبُو بَكْرِ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعطى الأعْرابيَّ وقالَ:"الأَيْمَنَ فالأَيْمَنَ"(2).
3727 -
حَدَّثَنا مُسلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي عِصامٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا شَرِبَ تَنَفَّسَ ثَلاثًا وقالَ:"هُوَ أَهْنَأُ وَأَمْرأُ وَأَبْرَأُ"(3).
* * *
باب الساقي متى يشرب؟
[3725]
(حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، شيخ البخاري (ثنا شعبة، عن أبي المختار) سفيان بن المختار، ويقال: سفيان بن أبي حبيبة. الكوفي (عن عبد اللَّه بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ساقي القوم آخرهم)(4). زاد ابن ماجه: شربًا (5). وفي هذا الحديث إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين يجب عليه تقديم إصلاحهم على حظ نفسه، وأن يكون غرضه إصلاح حالهم، وجر
(1) رواه أحمد 4/ 354.
صححه الألباني في "صحيح الجامع"(3588).
(2)
رواه البخاري (2352)، ومسلم (2029).
(3)
رواه البخاري (5631)، ومسلم (2028).
(4)
في المطبوع من "سنن أبي داود" زيادة: شربًا.
(5)
"سنن ابن ماجه"(3434).
المنفعة إليهم، ودفع المضار عنهم، والنظر لهم في دق أمورهم وجلها (1)، وتقديم مصلحتهم على مصلحته، وكذا من يفرق على القوم فاكهة أو يحز لهم بطيخًا ونحوه. فيبدأ بسقي كبير القوم أولًا، ثم بمن على يمينه واحدًا بعد واحدٍ، ثم يشرب ما بقي منهم.
[3726]
(حدثنا القعنبي) وهو (عبد اللَّه بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب) أي: خلط (بماء) وخلط اللبن بالماء لأجل تبريده إذا كان حارًّا، ولتكثيره ليكفي القوم وغير ذلك من الأغراض جائز، وليس هو من باب الخليطين، وأما خلطه للبيع فلا يجوز؛ لأنه غش، بل لا يجوز بيعه للجهل بمقداره، وخلط اللبن بالماء لطلب برودته، فإن ذلك اليوم كان حارًّا، ألا ترى قوله في باب الكرع: وهي ساعة حارة. فيجتمع في خلط الماء به برد اللبن مع برد الماء البائت، وفيه أنه لا بأس بشوبه بالعسل أيضًا كما يشاب بالماء.
(وعن يمينه أعرابيٌّ) قيل: هو عبد اللَّه بن عباس، كما في "مسند ابن أبي شيبة" وقيل: هو الفضل أخوه. (وعن يساره أبو بكر، فشرب) فيه البداءة في الأكل والشرب بمن يستحق التقديم والبداءة به بكبر سن أو زيادة علم أو دين أو صلاح.
(ثم أعطى) اللبن (الأعرابيَّ) الذي على يمينه. فيه بيان السنة الواضحة في استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في
(1) ساقطة من (ل)، (م).
الطعام والشراب وتفريق الفاكهة ونحو ذلك يقدم في العطية، وإن كان صغيرًا أو مفضولًا، لسبقه إلى المكان الأشرف والأفضل، وهو يمين النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزعج، ولا ينقل إلى اليسار، وإن كان من على اليسار أشرف وأفضل، كما أن الصغير إذا سبق إلى الصف الأول خلف الإمام أو على يمينه لا يزعج عنه وينقل إلى الصف الثاني إذا حضر من هو أشرف منه وأفضل وهو بالغ. ودليل تقديم الصغير والمفضول أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر، وأما تقديم الأفاضل فهو عند التساوي في المجيء وباقي الأوصاف، كما يقدم الأقرأ والأعلم في الإمامة في الصلاة (1). وقال غيره (2): روي عن مالك أنه قال بالتقديم في الماء خاصة. قال ابن بطال: ولا أعلم أحدًا قاله غيره (3).
وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في تنعله وطهوره وترجله (4). يعم الماء وجميع الأشياء، وكذا قوله هنا.
(وقال: الأيمن فالأيمن) ضبط بالنصب فيهما وبالرفع، وهما صحيحان، فالنصب على تقدير: أعطِ الأيمن، والرفع على تقدير: الأيمن أحق من غيره، أو نحو ذلك، وفي الرواية الأخرى لمسلم وغيره:"الأيمنون"(5). وفي رواية: "ألا تيمنوا" وهو يرجح الرفع.
(1) كما في حديث أبي مسعود الأنصاري، رواه مسلم (673).
(2)
في (ل، م): عبيدة. وفي "شرح ابن بطال": غيره.
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 74.
(4)
رواه البخاري (168)، ومسلم (268).
(5)
رواه البخاري (2571)، ومسلم (2029/ 126).
[3727]
(حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام) الدستوائي (عن أبي عصام) قال المنذري: لا يعرف اسمه (1). وقال النووي: اسمه: خالد ابن أبي عبيد (2). وانفرد به مسلم والمصنف، وليس له سوى هذا الحديث.
(عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثًا) لفظ مسلم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتنفس في [الشراب ثلاثًا (3). وفي رواية: كان يتنفس في الإناء (4).
وقد حمل بعضهم هذا الحديث على ظاهره، وهو أن يتنفس في] (5) الإناء ثلاثًا، وقال: فعل ذلك ليبين به جواز ذلك، ومنهم من علل جواز ذلك في حقه عليه السلام بأنه لم يكن يتقذر منه شيء، بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه، فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع تدلكوا بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فضل وَضوئه، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
قال القرطبي: وحمل هذا الحديث على هذا المعنى ليس بصحيح، بدليل بقية الحديث، فإنه قال فيه:(وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ)(6) الثلاثة مهموزات، غير أن ابن الأثير قال في أبرأ: يروى بلا همز (7)؛ لموافقة
(1)"مختصر سنن أبي داود" 5/ 286.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 13/ 199.
(3)
مسلم (2028/ 123).
(4)
مسلم (2028/ 122).
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(6)
"المفهم" 5/ 289.
(7)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 112.
أروى، أي: لمقتضى الروايات بدل: أبرأ: أروى، وهذِه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق؛ ويحصل تقذير الماء منه، وقد لا يروى، وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرًا إلى المعنى ولبقية الحديث، ولقوله للرجل في الحديث المتقدم:"أبن القدح عن فيك". ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، ومن باب النظافة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء مِنْ ثم لا يفعله، وإن كان لا يستقذر منه (1).
و(أهنأ وأمرأ) من قوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) ومعنى الحديث: كان إذا شرب يتنفس في الشرب من الإناء ثلاثًا. واسم الفاعل من هنئ هنيء كطريف من طرف، وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنيء، وتقول: هنأني الطعام ومرأني، على الإتباع، فإذا لم تذكر هنأني قلت: أمرأني بالإطعام، بالألف، أي: انهضم.
وقوله في الحديث: (هو أهنأ وأمرأ) هو من مرأني بلا ألف، لأن أمرأني بالألف رباعي، والرباعي لا يصاغ منه أفعل التفضيل كما في كتب النحو.
وقيل: هنيئًا: لا إثم فيه، ومريئًا: لا داء فيه. كما قال كثير:
هنيئًا مريئًا غير داء مخامر
…
لعزة من أعراضنا ما استحلت
(1)"المفهم" 5/ 289 - 290.
(2)
النساء: 4.
ويحتمل أن تكون (أهنأ) في هذِه الرواية بمعنى: أروى. كما في رواية مسلم (1)، فإن اختلاف روايات الحديث يفسر بعضها بعضًا، ومعنى أروى أكثر ريًّا. ويحتمل أنه ذكر الأربع، فاتفق الراويان على حفظ الاثنتين اللتين هما:(أمرأ وأبرأ)، وانفرد كل واحد بلفظة من الباقيتين ولم يتذكر الأخرى، فعلى هذا يكون (2) معنى أهنأ: لا إثم فيه، كما تقدم، وأمرأ: لا داء فيه، إذا نزل من المريء الذي في رأس المعدة إليها، فيمرئ في الجسد منها دون داء. وأروى من الري ضد العطش، وأبرأ من البرء الذي هو الشفاء. وهذا أعلى ما يكون من صفات الشراب الممدوحة.
وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشرب؛ فيقال له عقب شربه: هنيئًا مريئًا، ولم أجد له من السنة غير هذا وما يأتي في الحديث بعده. وأما قولهم في الدعاء للشارب: صحة. بكسر الصاد فلم أجد له أصلًا في السنة مسطورًا، بل نقل لي بعض طلبة العلم الدمشقيين عن بعض مشايخه: قال للتي شربت دمه أو بوله: صحة. فإن ثبت هذا فلا كلام.
* * *
(1) مسلم (2028/ 123).
(2)
مكررة في (ح).