المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌27 - باب في أكل الضب - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٥

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌23 - باب اليَمِينِ علَى المُدَّعَى عَلَيْهِ

- ‌24 - باب كَيفَ اليمينُ

- ‌25 - باب إذا كانَ المُدَّعَى عَلَيْه ذِمِّيّا أيَحْلف

- ‌26 - باب الرّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى علْمِه فِيما غاب عَنْهُ

- ‌27 - باب كَيْف يَخلِفُ الذِّميُّ

- ‌28 - باب الرَّجُلِ يحْلِف عَلى حَقِّهِ

- ‌29 - باب في الحبسِ في الدَّيْنِ وَغيْرِهِ

- ‌30 - باب في الوَكالةِ

- ‌31 - باب في القَضاءِ

- ‌كتاب العلم

- ‌1 - باب الحَثِّ عَلَى طَلبِ العِلْمِ

- ‌2 - باب رِوايَةِ حَدِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ

- ‌3 - باب في كِتَابةِ العِلْمِ

- ‌4 - باب في التَّشْدِيدِ في الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللِّه صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب الكَلامِ في كِتَابِ الله بغَيْرِ عِلْمٍ

- ‌6 - باب تَكْريرِ الحَدِيثِ

- ‌7 - باب في سَرْدِ الحَدِيث

- ‌8 - باب التَّوَقِّي في الفُتْيا

- ‌9 - باب كَراهِيَةِ مَنْعِ العِلْمِ

- ‌10 - باب فَضْلِ نَشْرِ العِلْمِ

- ‌11 - باب الحَدِيثِ عَنْ بَني إِسْرائِيلَ

- ‌12 - باب في طَلَبِ العِلْمِ لِغَيْرِ اللهِ تَعالى

- ‌13 - باب في القَصَصِ

- ‌كِتَابُ الأَشْرِبَةِ

- ‌1 - باب في تَحْرِيمِ الخَمْرِ

- ‌2 - باب العِنَبِ يُعْصَرُ لِلْخَمْرِ

- ‌3 - باب ما جاءَ في الخَمْرِ تُخَلَّلُ

- ‌4 - باب الخَمْرِ مِمّا هُوَ

- ‌5 - باب النَّهْي عَنِ المُسْكِرِ

- ‌6 - باب في الدّاذيِّ

- ‌7 - باب في الأَوْعِيَةِ

- ‌8 - باب وفد عبد القيس

- ‌9 - باب في الخَلِيطَيْنِ

- ‌10 - باب في نَبِيذِ البُسْرِ

- ‌11 - باب في صِفَةِ النَّبِيذِ

- ‌12 - باب في شَرابِ العَسَلِ

- ‌13 - باب في النَّبِيذِ إِذا غَلَى

- ‌14 - باب في الشُّرْبِ قائِمًا

- ‌15 - باب الشَّرابِ مِنْ فِيِّ السِّقاءِ

- ‌16 - باب في اخْتِناثِ الأَسْقِيَةِ

- ‌17 - باب في الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ القَدَحِ

- ‌18 - باب في الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ

- ‌19 - باب في الكَرْعِ

- ‌20 - باب في السّاقي مَتَى يَشْرَبُ

- ‌21 - باب في النَّفْخِ في الشَّرابِ والتَّنَفُّس فِيهِ

- ‌22 - باب ما يَقُولُ إِذا شَرِبَ اللَّبَنَ

- ‌23 - باب في إِيكاءِ الآنِيَةِ

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌1 - باب ما جاءَ في إجابَةِ الدَّعْوَةِ

- ‌2 - باب في اسْتِحْبابِ الوَلِيمَةِ عِنْدَ النِّكاحِ

- ‌3 - باب في كَمْ تُسْتحَبُّ الوَلِيمَةُ

- ‌4 - باب الإِطْعامِ عِنْدَ القُدُومِ مِنَ السَّفَرِ

- ‌5 - باب ما جاءَ في الضِّيافَةِ

- ‌6 - باب نَسْخِ الضَّيْفِ يَأْكُلُ مِنْ مالِ غَيْرِهِ

- ‌7 - باب في طَعامِ المُتَبارِيَيْنِ

- ‌8 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى فَيَرى مَكْرُوهًا

- ‌9 - باب إِذا اجْتَمَعَ داعِيانِ أَيُّهُما أَحَقُّ

- ‌10 - باب إِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ والعَشاءُ

- ‌11 - باب في غَسْلِ اليَدَيْنِ عِنْدَ الطَّعامِ

- ‌12 - باب في طَعامِ الفُجاءَةِ

- ‌13 - باب في كَراهِيَةِ ذَمِّ الطَّعامِ

- ‌14 - باب في الاجْتِماعِ عَلَى الطَّعامِ

- ‌15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعامِ

- ‌16 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مُتَّكِئًا

- ‌17 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ

- ‌18 - باب ما جاءَ في الجُلُوسِ عَلَى مائِدَةٍ عَليْها بَعْضُ ما يُكْرَهُ

- ‌19 - باب الأَكْلِ بِاليَمِينِ

- ‌20 - باب في أَكْلِ اللَّحْمِ

- ‌21 - باب في أَكْلِ الدُّبّاءِ

- ‌22 - باب في أَكْلِ الثَّرِيدِ

- ‌23 - باب في كَراهِيَة التَّقَذُّر لِلطَّعامِ

- ‌24 - باب النَّهْي عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبانِها

- ‌25 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ

- ‌26 - باب في أَكْلِ الأَرْنَبِ

- ‌27 - باب في أَكْلِ الضَّبِّ

- ‌28 - باب في أَكْل لَحْمِ الحُبَارى

- ‌29 - باب فِي أَكْلِ حَشَراتِ الأَرْضِ

- ‌30 - باب ما لَمْ يُذْكَرْ تَحْرِيمُهُ

- ‌31 - باب في أَكْلِ الضَّبُعِ

- ‌32 - باب النَّهْي عنْ أَكْلِ السِّبَاعِ

- ‌33 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ

- ‌34 - باب في أَكْلِ الجَرَادِ

- ‌35 - باب في أَكْلِ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ

- ‌36 - باب فِي المُضْطَرِّ إِلَى المَيْتَةِ

- ‌37 - باب في الجَمْعِ بَيْنَ لَوْنَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ

- ‌38 - باب في أَكْل الجُبْنِ

- ‌39 - باب في الخَلِّ

- ‌40 - باب في أَكْلِ الثُّومِ

- ‌41 - باب في التَّمْرِ

- ‌42 - باب فِي تَفْتِيشِ التَّمْرِ المُسَوَّسِ عِنْدَ الأَكْلِ

- ‌43 - باب الإِقْرَانِ فِي التَّمْرِ عِنْدَ الأَكْلِ

- ‌44 - باب في الجَمْعِ بَيْن لَوْنَيْنِ في الأَكْلِ

- ‌45 - باب الأَكْلِ في آنِيَةِ أَهْلِ الكِتَابِ

- ‌46 - باب في دَوابِّ البَحْرِ

- ‌47 - باب فِي الفَأْرَة تَقَعُ فِي السَّمْنِ

- ‌48 - باب في الذُّبابِ يَقَعُ في الطَّعامِ

- ‌49 - باب في اللُّقْمَةِ تَسْقُطُ

- ‌50 - باب في الخادِمِ يَأْكُلُ مع المَوْلَى

- ‌51 - باب في المِنْدِيلِ

- ‌52 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا طَعِمَ

- ‌53 - باب في غَسْلِ اليَدِ من الطَّعامِ

- ‌54 - باب ما جاءَ في الدُّعاءِ لِرَبِّ الطَّعامِ إذا أُكِلَ عِنْدَهُ

- ‌كتاب الطب

- ‌1 - باب في الرَّجُلِ يَتَداوى

- ‌2 - باب في الحِمْيَةِ

- ‌3 - باب في الحِجامَةِ

- ‌4 - باب في مَوْضِعِ الحِجامَةِ

- ‌5 - باب مَتَى تُسْتَحَبُّ الحِجامَةُ

- ‌6 - باب في قَطْعِ العِرْقِ وَمَوْضِعِ الحَجْمِ

- ‌7 - باب في الكَي

- ‌8 - باب في السَّعُوطِ

- ‌9 - باب في النُّشْرَةِ

- ‌10 - باب في التِّرْياقِ

- ‌11 - باب في الأَدْوِيَةِ المَكْرُوهَةِ

- ‌12 - باب في تَمْرَةِ العَجْوَةِ

- ‌13 - باب في العِلاقِ

- ‌14 - باب في الأَمْر بِالكُحْلِ

- ‌15 - باب ما جاءَ في العَيْنِ

- ‌16 - باب في الغَيْلِ

- ‌17 - باب في تَعْلِيقِ التَّمائِمِ

- ‌18 - باب ما جاءَ في الرُّقَى

- ‌19 - باب كَيْفَ الرُّقَى

- ‌20 - باب في السُّمْنَةِ

- ‌21 - باب في الكاهِنِ

- ‌22 - باب في النُّجُومِ

- ‌23 - باب في الخَطِّ وَزَجْرِ الطَّيْرِ

- ‌24 - باب في الطِّيَرَةِ

الفصل: ‌27 - باب في أكل الضب

‌27 - باب في أَكْلِ الضَّبِّ

3793 -

حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ خالَتَهُ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمْنًا وَأَضُبّا وَأَقِطًا فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَمِنَ الأقَطِ، وَتَرَكَ الأَضُبَّ تَقَذُّرًا وَأُكِلَ عَلَى مائِدَتِهِ، وَلَوْ كانَ حَرامًا ما أُكِلَ عَلَى مائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1).

3794 -

حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَقالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتي في بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بما يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقالُوا: هُوَ ضَبٌّ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ. قالَ: فَقُلْتُ أَحَرامٌ هُوَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "لا وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمي فَأَجِدُني أَعافُهُ".

قالَ خالِدٌ: فاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ (2).

3795 -

حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ ثابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جَيْشٍ فَأَصَبْنا ضِبابًا قالَ: فَشَوَيْتُ مِنْها ضَبّا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قالَ: فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصابِعَهُ، ثُمَّ قالَ:"إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مُسِخَتْ دَوابَّ في الأَرْضِ، وَإنّي لا أَدْري أي: الدَّوابِّ هيَ". قالَ: فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ (3).

3796 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائيُّ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا ابن

(1) رواه البخاري (2575)، ومسلم (1947).

(2)

رواه البخاري (5391)، ومسلم (1946).

(3)

رواه النسائي 7/ 199 - 200، وابن ماجه (3238)، وأحمد 4/ 220، 5/ 390، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

ص: 405

عيّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبي راشِدٍ الحُبْرانيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ (1).

* * *

باب في أكل الضب

[3793]

(حدثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (حدثنا شعبة عن أبي بشر)(2) بيان بن بشر (3) بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة في الكنية والاسم (4)(عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن خالته) أم حفيد بنت الحارث، ويقال: أم حفيدة. واسمها هزيلة الهلالية من أخوات ميمونة (أهدت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا) بفتح الهمزة وكسر القاف، هذِه اللغة المشهورة، وهو اللبن المجبن المجفف الذي استخرج زبده ويبس حتى استخرج ليطبخ به عند قلة اللبن (وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد بوزن أكفًّا، جمع ضب كما أن أكفا جمع كف، والضب دابة تشبه الجرذون، منها ما هو قدر الجرذون، ومنها ما هو أكبر.

قال عبد اللطيف البغدادي: الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متناسبة في الخلق، وللضب ذكران وللأنثى فرجان، وهو

(1) رواه البيهقي 9/ 326، وحسنه الألباني في "الصحيحة"(2390).

(2)

فوقها في (ل): (ع).

(3)

ترجمه المصنف على أنه بيان بن بشر، وقد وهم؛ إنما هو: جعفر بن إياس.

(4)

كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: جعفر بن إياس أبي وحشية، انظر:"تهذيب الكمال" 4/ 303، 5/ 5.

ص: 406

طويل العمر، ويأكل رجيعه ويرجع في قيئه كالكلب، ويغذى بالنسيم ويعيش ببرد الهواء (فأكل من السمن ومن الأقط) لفظ البخاري: شرب اللبن وأكل الأقط (1). وفيه دليل على جواز الجمع بين أدمين (وترك) الأكل من (الأضب تقذرًا) نصب على المفعول له، أي تركه لأجل تقذره منه، يقال: تقذرت الشيء واستقذرته. إذا كرهته، قاله الجوهري (2)، وهذِه الكراهة لا تتعلق باختيار الشخص حتى يحكم على الذي استقذره النبي صلى الله عليه وسلم بالكراهة الشرعية (وأكل) الضب (على مائدته) من قولهم: ما دني. أي: أطعمني.

قال أبو عبيدة (3): هي فاعلة بمعنى مفعولة، أي مطعمة مما عليها لمن يأكل منها، فلا تسمى مائدة حتى يكون عليها طعام، وإلا فهي خوان. وفي البخاري عن أنس: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان. فقيل لقتادة -يعني: الراوي عن أنس- فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر (4). وقيل: المائدة من ماد إذا تحرك، فسميت بذلك؛ لأنها تتحرك فهي اسم فاعل على بابه.

قال الغزالي: من أدب الطعام أن يوضع على السفرة الموضوعة على الأرض؛ لأنها تذكر سفر الآخرة، وهو أقرب إلى فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من رفع الطعام على المائدة.

(1) البخاري (5402).

(2)

"الصحاح" 2/ 787.

(3)

"مجاز القرآن" 1/ 182.

(4)

البخاري (5386، 5415).

ص: 407

وقيل: أربع أحدثت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الموائد، والمناخل، والأشنان، والشبع. ثم قال: لسنا نقول: الأكل على المائدة منهي عنه نهي كراهة أو تحريم؛ إذ لم يثبت فيه نهي، فليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب، وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض ليتيسر الأكل، ففي المائدة تيسير للأكل فهو أيضًا مباح (1). (ولو كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) واحتجاج ابن عباس حجة على من قال: الأكل منها حرام. ذكر ذلك أبو حامد الإسفراييني عن مالك، ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل.

[3794]

(حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (2)(القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل (3) بن حنيف، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه دخل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، بيت ميمونة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالته وخالة ابن عباس (فأتي بضب) هو دويبة تأكله الأعراب، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم. زاد في البخاري: قدمت به أختها حفيدة من نجد، فقدمت الضب لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له (4).

(1) انتهى من "إحياء علوم الدين" 2/ 3.

(2)

كذا في جميع النسخ والصواب: مسلمة.

(3)

فوقها في (ل، ح): (ع).

(4)

البخاري (5391)، وهو أيضًا عند مسلم (1946).

ص: 408

(محنوذ) بحاء مهملة وذال معجمة، أي: مشوي في حفير من الأرض، من قوله تعالى:{جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (1) وقيل: هو المشوي بالرضف، وهي الحجارة المحماة، ومنه حديث الخنثى (2):

عجلت قبيل حنيذها بشواء

أي: عجلت قبل القرى ولم تنتظر المشوي.

(فأهوى إليه) بيده، أي: أمال إليه بيده ليأخذه، يقال: أهوى بيده وأهوى يده إلى الشيء: تناوله، وقيل: قصده بيده إليه (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده) الكريمة (فقال بعض النسوة اللاتي) حاضرين (في بيت ميمونة: أخبروا) ولفظ البخاري: أخبرن (3)(النبي صلى الله عليه وسلم) بنون ضمير النسوة، وهو أليق بالمعنى (بما) قدمتن له، فإنه (يريد أن يأكل منه) وإنما كان يسمى له الطعام الذي يريد أن يأكل منه؛ ليقبل على ما يحب ويترك ما لا يحب فإنه عليه السلام ما كان يذم شيئًا.

(فقالوا) يعني: بعض النسوة. ولمسلم: فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لحم ضب (هو ضب) وفي رواية لمسلم: قالت له ميمونة: إنه لحم ضب (4). (فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده) ولمسلم أيضًا: فكف يده، وقال:"لم آكله قط". وقال لهم: "كلوا" فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة (5).

(1) هود: 69.

(2)

أخرجه الخطابي في "غريب الحديث" 3/ 150.

(3)

البخاري (5391)، وهو أيضًا عند مسلم (1946).

(4)

مسلم (1944).

(5)

مسلم (1948).

ص: 409

(قال: فقلت: أحرام هو يا رسول اللَّه؟ ) لفظ البخاري: فقال خالد بن الوليد: أحرام الضب يا رسول اللَّه (1)؟ .

(قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي) قال القرطبي: ظاهره أنه لم يكن موجودًا فيها، وعن بعض العلماء أن الضب موجود عندهم بمكة غير أنه قليل وأنهم لا يأكلونه (2).

(فأجدني أعافه) أي: أجد نفسي تكرهه. ولا يلزم من كراهة النفس أن يكون مكروه الأكل في الشرع كما تقدم في التقذر، فإن المعنى: أكرهه تقذرًا، فقد أجمع العلماء على أن الضب حلال ليس بمكروه، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته (3) وما حكاه عياض عن بعضهم أنه حرام (4)، وحكي عن الثوري وعن علي نحوه (5)، لحديث: نهى عن أكل لحم الضب (6). ولأنه ينهش فأشبه ابن عرس وأكثر الصحابة والفقهاء على إباحته، ولم يثبت عن غيرهم خلافه؛ فكان إجماعًا.

(قال خالد) بن الوليد (فاجتررته، فأكلته ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينظر) هذا تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الشيء وسكوته عليه إذا فعله بحضرته يكون دليلًا لإباحته، ويكون بمعنى

(1) البخاري (5391)، وهو عند مسلم أيضًا (1946).

(2)

"المفهم" 5/ 232.

(3)

انظر: "المبسوط" 11/ 231، "بدائع الصنائع" 5/ 36، "تبيين الحقائق" 5/ 295.

(4)

"إكمال المعلم" 6/ 188.

(5)

رواه ابن أبي شيبة 12/ 364 (24846).

(6)

يأتي قريبًا (3796).

ص: 410

أذنت فيه وأبحته؛ لأنه لا يسكت على باطل ولا يقر على منكر.

[3795]

(حدثنا عمرو (1) بن عون) الواسطي البزاز (أنا خالد) بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الواسطي (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، وهو ابن عبد الرحمن الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي، من قضاعة (عن ثابت بن وديعة) ووديعة أمه، وأبوه يزيد بن خذام الأنصاري الأوسي الكوفي.

(قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا) جمع كثرة، وأقلها عشرة، واحده ضب مثل: سهم وسهام، بخلاف أضبة في الحديث قبله فإنه جمع قلة، أقلها ثلاثة، وقد تقدم (فشويت منها ضبا) واحدا (فأتيت) به (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوضعته بين يديه) ليأكل منه (قال: فأخذ عودًا) مما كان الضب المشوي موضوعًا عليه، ولفظ ابن ماجه: فأخذ جريدة (2). وهو تفسير للعود (فعد بها أصابعه) لفظ ابن ماجه: فجعل يعد بها أصابعه (3). يشبه أن يكون عد أصابعه لينظر هل عدد أصابعه خمسًا كأصابع الآدميين، أو مخالفة لها، فإن كان خمسًا فيقرب شبهه بالآدميين ويكون مما مسخ فلا يأكله، وامتناعه من أكله يرجح كونها خمسًا، وكون الضب أصابعه موجودة يدل على أن الضب شوي جميعه من [غير](4) أن يطرح منه شيء، ثم (قال: إن أمة

(1) فوقها في (ل)، (ح):(ع).

(2)

"سنن ابن ماجه"(3238).

(3)

"سنن ابن ماجه"(3238).

(4)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 411

من بني إسرائيل مسخت) يدل على أن جميعهم لم يمسخوا، بل سلم من المسخ الذين كانوا ينهونهم، مسخت قردة وخنازير وفئرانًا و (دواب) منتشرة (في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي) قال القرطبي: إنما كان ذلك ظنا أو خوفا منه صلى الله عليه وسلم لأن يكون الضب والفأر ونحوهما مما مسخ، فكان هذا حدسًا منه قبل أن يوحى إليه (1) أن اللَّه تعالى لم يجعل لمسخ نسلا، فلما أوحي إليه بذلك زال عنه التخوف، وعلم أن الضب والفأر ليس مما مسخ. وعند ذلك أخبرنا بقوله لمن سأله عن القردة والخنازير، هل هي مما مسخ؟ فقال:"إن اللَّه لم يهلك قومًا أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلًا"(2) وأن القردة والخنازير كانوا (3) قبل ذلك. قال: زاد ابن ماجه: فقلت: إن الناس قد اشتووها فأكلوها (4).

(فلم يأكل ولم ينه) عن أكلها.

[3796]

(حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان (الطائي) الحمصي، وثقه النسائي، وعن عبد اللَّه بن أحمد [بن حنبل] (5) قال: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله (أن الحكم بن نافع) أبا اليمان الحمصي (حدثهم أن) إسماعيل (بن عياش) بن سليم الحمصي عالم الشام، ورث من أبيه أربعة آلاف دينار فأنفقها في طلب العلم، قال البخاري: إذا حدث عن

(1) ساقطة من (م).

(2)

مسلم (2663/ 33)، وانظر:"المفهم" 5/ 235.

(3)

ساقطة من (م).

(4)

"سنن ابن ماجه"(3238).

(5)

ساقطة من (م).

ص: 412

أهل بلده فصحيح (1). وقال دحيم: هو في الشاميين غاية.

(عن ضمضم بن زرعة) بن ثوب الحضرمي الحمصي، عن يحيى بن معين: ثقة (2). ذكره ابن حبان في "الثقات"(3). وقال الحافظ أبو القاسم في "تاريخ دمشق": ضمضم بن زرعة قيل: إنه ابن ثوب. قال: إن كان أبوه زرعة بن ثوب فهو دمشقي (4).

(عن شريح) بضم الشين المعجمة (ابن عبيد) بن عبيد (5) الحضرمي الحمصي، من شيوخ حمص الكبار، قال أحمد بن عبد اللَّه العجلي: هو شامي تابعي. ثقة (6).

(عن أبي راشد) يقال: اسمه أخضر بن خوط، [وقيل: النعمان بن بشير. قال ابن حبان في كتاب "التابعين": أبو راشد يقال: اسمه: الخضم بن خوط الحمصي] (7).

(الحبراني) قال ابن السمعاني: بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة والراء المهملة المفتوحة وبعد الألف نون، نسبة إلى حبران ابن عمرو بن قيس، قال: واسمه: أخضر، تابعي شامي (8).

(1)"التاريخ الكبير" 1/ 369.

(2)

"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 135)(443).

(3)

"الثقات" 6/ 485.

(4)

"تاريخ دمشق" 24/ 415.

(5)

كذا في النسخ الخطية والصواب: عبد كما في مصادر الترجمة.

(6)

"الثقات" 1/ 452 (724).

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(8)

"الأنساب" 4/ 43.

ص: 413

(عن عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة، وهو ابن عمرو الأنصاري الأوسي الصحابي رضي الله عنه (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب) استدل به أبو حنيفة والثوري كما تقدم، قال البيهقي: إسماعيل بن عياش تفرد به، وهو ليس بالقوي عندهم، ولا تعارض هذِه الرواية الروايات الصحيحة المذكورة (1).

* * *

(1)"مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 88 - 89.

ص: 414