الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ
3772 -
حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعامًا فَلا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ ولكن لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِها فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاها"(1).
3773 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ الحِمْصيُّ، حَدَّثَنا أَبَي، حَدَّثَنا محَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِرْقٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرِ قالَ: كانَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ يُقالُ لَها الغَرّاءُ يَحْمِلُها أَرْبَعَةُ رِجالٍ فَلَمّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ القَصْعَةِ -يَعْني وَقَدْ ثُرِدَ فِيها- فالتَفُّوا عَلَيْها فَلَمّا كَثُرُوا جَثَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ أَعْرابيٌّ ما هذِه الجِلْسَةُ؟ قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ جَعَلَني عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْني جَبّارًا عَنِيدًا". ثُمَّ قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُوا مِنْ حَوالَيْها وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبارَكْ فِيها"(2).
* * *
باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة
[3772]
(حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا شعبة، عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يأكل من أعلى الصحفة) أي:
(1) رواه الترمذي (1805)، والنسائي في "الكبرى"(6762)، وابن ماجه (3277)، وأحمد 1/ 270.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1980/ 1).
(2)
رواه ابن ماجه (3275).
وصححه الألباني في "الإرواء"(1981).
من أعلى ثريد الصحفة ونحوه كالكسكسو والفتيت وغير ذلك من الجوامد، وأما الأمراق فلا يأكل من وسطها، فإنه في معنى أعلى الثريد، وفي معنى الأعلى والوسط ما يلي الأكيل إن كان معه أحد.
والصحفة إناء كالقصعة المبسوطة جمعها صحاف ككلبة وكلاب، وقال الزمخشري: الصحفة مستطيلة (1). ولعله اعتبر اشتقاقها من الصحيفة؛ فإنها مستطيلة، وفيه دليل على ما قاله الرافعي والنووي وغيرهما أنه يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة، وأن يأكل مما يلي أكيله، ولا بأس بذلك في الفواكه (2). وتعقبه الإسنوي بأن الشافعي نص على التحريم في ذلك، فإن لفظه في "الأم": فإن أكل مما [لا](3) يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالمًا بنهي (4) النبي صلى الله عليه وسلم (5). وأشار بالنهي إلى هذا الحديث ونحوه، قال الغزالي: وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته، إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز (6).
(ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة) التي أودعها اللَّه في الطعام (تنزل من أعلاها) قبل أسفلها، فليبدأ بما نزلت فيه البركة أولًا، ويحتمل أن
(1) في "الفائق في غريب الحديث والأثر" 1/ 364: الصحفة: القصعة المسلنطحة.
(2)
انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 8/ 353، "روضة الطالبين" للنووي 7/ 340.
(3)
من "الأم".
(4)
في (ل)، (م): بتحريم.
(5)
"الأم" ط. دار الوفاء 9/ 55.
(6)
"الإحياء" 2/ 5.
تختص البركة في الأعلى دون الأسفل، ففي هذا بيان العلة في الأكل من الأعلى، وقيل: إن دسم الثرائد والكسكسو وغير ذلك ينزل إلى الأسفل، فيكون الأسفل أكثر دسمًا، وفيه علة أخرى ذكرها العلماء، وهي أن وجه الطعام أفضله وأكثره (. . . .)(1) ويحسن من غيره، وإذا قصده الآكل كان مستأثرًا به على أكيله، وفيه من ترك الأدب ما لا يخفى، فإن أكل وحده جاز أن يأكل من حيث شاء إذا قلنا أطايبه أعلاه.
[3773]
(حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد (الحمصي)[ذكره ابن حبان في "الثقات" (2)](3) صدوق حافظ (حدثنا أبي) عثمان بن سعيد ابن كثير الحمصي، مولى بني أمية، ثقة، من العابدين (حدثنا محمد ابن عبد الرحمن بن عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، الرحبي اليحصبي الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات"(4).
(حدثنا عبد اللَّه بن بسر) بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، المازني، أحد من صلى القبلتين رضي الله عنهما.
(قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة) بفتح القاف، ورفع آخره، جمعها قصع بكسر القاف مثل بدرة وبدر (يقال لها: الغراء) والغراء تأنيث الأغر، مشتق من الغرة، وهي بياض الوجه وإضاءته، ويجوز أن يراد بها من الغرة، وهي الشيء النفيس المرغوب فيه، فتكون سميت بذلك لرغبة
(1) مكان النقط في جميع النسخ كلمة غير مقروءة.
(2)
"الثقات" 8/ 488.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ح)، (ل).
(4)
"الثقات" 5/ 377.
الناس فيها؛ لنفاسة ما فيها أو لكثرة ما تسعه، وقال المنذري: سميت غراء لبياضها بالألية أو الشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن (يحملها أربعة رجال) بحلق أو غيرها؛ لأنها كان لها أربع حلق. وروى أحمد من طريق أبي يزيد العطار، عن محمد بن عبد الرحمن ابن عوف، عن عبد اللَّه بن بسر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع حلق (1).
(فلما أضحوا) بفتح الهمزة، وسكون الضاد المعجمة، وفتح الحاء، أي: دخلوا في وقت الضحى، وهو قدر ربع النهار (وسجدوا) أي: صلوا صلاة (الضحى) فيه دليل على المواظبة على صلاة الضحى، وأنها تفعل جماعة، ويحتمل أن كلًّا منهم صلى الضحى بمفرده.
(أتي بتلك القصعة) أي: أتى أربعة أنفس يحملون القصعة الغراء (يعني: وقد ثرد) بضم المثلثة، وتشديد الراء المكسورة وتخفيفها (فيها) أي: فت الخبز (2) فيها وبل بمرق، يقال: ثردت الخبز بتخفيف الراء كفتلت، ثردًا، والاسم الثردة، والمراد به المبل بمرق اللحم؛ لأن الثريد غالبًا لا يكون إلا من لحم.
(فالتفوا) بتشديد الفاء، أي: التف طائفة (عليها) حلقة واحدة (فلما
(1) رواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" 3/ 254 (622) من طريق يحيى القطان عن محمد بن عبد الرحمن الرحبي عن عبد اللَّه بن بسر، به. وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير"(8959) للطبراني.
وانظر: "السلسلة الصحيحة"(2105).
(2)
ساقطة من (ل، م).
كثروا) بفتح الكاف، وضم المثلثة، وضاقت بهم (1) الحلقة (جثا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي: قعد للأكل على ركبتيه جالسًا على ظهور قدميه، وفيه استحباب هذِه الجلسة عند ضيق المجلس.
(فقال أعرابي) من الجماعة (ما هذِه الجلسة؟ ) بكسر الجيم، أي: ما هذِه الهيئة التي جلست عليها؟ كما يقال نشد الضالة نشدة عظيمة، بكسر النون، وإنه لحسن الرِّكبة بكسر الراء.
(قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه) تعالى (جعلني عبدًا كريمًا) أي: شريفًا بالنبوة والعلم (ولم يجعلني جبارًا عنيدًا) قال في "النهاية": العنيد هو الجائر عن القصد، الباغي الذي يرد الحق مع العلم به (2).
(ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كلوا من حواليها) أي: من جوانبها، بدليل رواية ابن ماجه:"كلوا من جوانبها"(3)(ودعوا) أي: اتركوا (ذروتها) بكسر الذال المعجمة، ويقال بضمها، وذروة كل شيء أعلاه، وفيه ينبغي أن تكون الثردة وسطها مرتفعًا، ذا ذروة، كما تكون ذروة الجبل وذروة سنام البعير، وارتفاع وسط الثريد من مكارم الأخلاق ومحاسن الأجواد (يبارك) بالجزم، أي: يكون ذلك سببًا لبركة طعامكم مع التسمية، وفي رواية أخرى لابن ماجه عن واثلة بن الأسقع: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برأس الثريد، وقال:"كلوا باسم اللَّه من حواليها واعفوا رأسها؛ فإن البركة تأتيها من فوقها"(4).
(1) ساقطة من (ل، م).
(2)
"النهاية" 3/ 308.
(3)
"سنن ابن ماجه"(3275).
(4)
"سنن ابن ماجه"(3276).
(فيها) أي: في جميع ما فيها من الأعلى والأسفل، وفيه الاحتراص على إبقاء ما فيه البركة والخير، وعدم إزالته، فبحصولها يحصل الخير الكثير -وعلى هذا فيحترص الآدمي على عدم الإسراف في الماء، وألا يستعمله في الطهارات وغيرها إلا برفق؛ لأن اللَّه تعالى قد صرح بوجود البركة فيه بقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} (1) وأضافه إلى نفسه تشريفًا له بأنه الذي أنزله نفعًا لكم.
* * *
(1) ق: 9، وكذا في جميع النسخ، وفي مصحف حفص:{وَنَزَّلْنَا} . وانظر اختلاف القراء فيها "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 179.