الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - باب ما يَقُولُ إِذا شَرِبَ اللَّبَنَ
3730 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ عَليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كُنْتُ في بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَخَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَجاؤُوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ عَلَى ثُمامَتَيْنِ فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ خالِدٌ: إِخالُكَ تَقْذُرُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: "أَجَلْ". ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بلَبَنٍ فَشَرِبَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَأَطْعِمْنا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا مِنْهُ. فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيء يُجْزِئُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ إِلَّا اللَّبَنُ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا لَفْظُ مُسَدَّدٍ (1).
* * *
باب ما يقول إذا شرب اللبن
[3730]
(حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد) بن جدعان أبو الحسن البصري الضرير، أخرج له مسلم (عن عمر بن حرملة) ويقال: ابن أبي حرملة. ذكره ابن حبان في "الثقات"(2).
(عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت في بيت ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، خالة خالد، وخالة ابن عباس، وخالة عبد اللَّه بن شداد، وخالة يزيد بن الأصم.
(فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد) وكان (خالد)(3) ابن
(1) رواه الترمذي (3455)، وابن ماجه (3322)، وأحمد 1/ 225، 284.
صححه الألباني في "صحيح الجامع"(381).
(2)
"الثقات" 5/ 149.
(3)
في (ح): خال.
أخت ميمونة كما تقدم.
(فجاؤوا بضبين) الضب دابة شبه الجرذون، وهي أنواع، منها ما هو قدر الجرذون، ومنها ما هو أكبر، والجمع ضباب مثل سهم وسهام. وفي حديث أنس: إن الضب ليموت هزلًا في جحره من ذنوب ابن آدم (1). أي: يحبس المطر عنهم بشؤم ذنوبهم، وإنما خص الضب لأنه أطول الحيوان نفسًا وأصبرها على الجوع.
(مشويين على ثُمَامَتين) الثمامة بضم المثلثة وتخفيف الميمين، جمعها ثمام: نبت عوده دقيق ضعيف قصير لا يطول، قال الشاعر:
ولو أن ما أبقيت مني معلق
…
بعود ثمام ما [تأود عودها](2)
وفي حديث عمر: اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يصير ثمامًا ثم رُمامًا ثم حُطامًا (3). والثمام تقدم، والرمام البالي الرميم، والحطام المتكسر المتفتت، والمعنى: اغزوا وأنتم تنصرون وتوفرون غنائمكم قبل أن يهن ويضعف ويصير كالثمام.
فيحتمل أن يراد بالحديث: مشويين على طبقين من ثمامة أو على حزمتين من ثمام. والثمام: الجليل المذكور في حديث بلال:
وحولي إذخر وجليل (4)
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "العقوبات الإلهية"(ص 268) عن أنس بنحوه.
(2)
زيادة ليست في جميع الأصول، ذكرتها ليتم البيت.
(3)
أخرجه عبد الرزاق 5/ 282 (9621) بنحوه.
(4)
رواه البخاري (1889، 3926).
(فتبزق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) من البزاق، أي: فعل فعل المستقذر من الضب. فإن قيل: لم عدل عن بزق إلى تبزق؟ قلت: يحتمل أن يكون لأن تَفعَّل هو بناء ما يفعل مرة بعد أخرى، فكأنه تكرر منه الفعل مرات، فهو كتعلم وتفقه. ويحتمل أن يكون معناه فعل فعل المتشبه بالبازق، لا أنه بزق بحضرة خالد وابن عباس؛ ليظهر لهم استقذاره له؛ لأنه يشبه الجرذون. فهو كتحزن وتخشع إذا أظهر الحزن والخشوع وتشبه بهم، وإن لم يكن حزينًا ولا ذا خشوع.
(فقال خالد) بن الوليد (إخالك) بكسر الهمزة في أوله، فصيح استعمالًا، وفتحها لغة أسد، وهو قياس الأفعال المضارعة التي ماضيها ثلاثي، ومعنى إخال: أظن، وهي كـ (أظن) في نصب مفعولين، وقد يحذفا كما إذا قيل: أزيد قائم؟ فتقول: خلت. وفي المثل: من تسمع يخل. أي: من تسمع خبرًا يحدث [له ظن](1) عقب السماع.
(تقذره) بفتح التاء والذال المعجمة، أي: تكرهه تنزهًا، وتعاف أكله (قال: أجل) مثل نعم وزنًا ومعنى، ويدل على ذلك ما في "صحيح مسلم": عن أبي سعيد: قال رجل: يا رسول اللَّه، إنا بأرض مضبة، فما تأمرنا، أو فما تفتينا؟ قال:"ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت" فلم يأمر ولم ينه.
قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك قام عمر فقال: إن اللَّه لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة الرعاء، ولو كان عندي لطعمته، إنما عافه رسول
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
اللَّه صلى الله عليه وسلم (1). ولأن العرب تستطيبه وتمدحه. قال أبو سعيد: كنا معشر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة (2). وقال عمر: ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة (3).
وبإباحته قال مالك (4) والشافعي (5) وأحمد (6)؛ لأنه أكل على مائدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولو كان حرامًا ما أكل على مائدته. وقال عمر: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب، ولكن كرهه (7).
وقال أبو حنيفة: هو حرام (8)؛ لما روى إسماعيل بن عياش عن ضمضم، عن شريح، عن أبي راشد، عن أبي عبد الرحمن بن شبل أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب (9).
قال البيهقي: إسماعيل بن عياش ليس بالقوي عندهم، ولا تعارض
(1)"صحيح مسلم"(1951).
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 511 (8678).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 124 (24346) بنحوه.
(4)
"المدونة" 1/ 335.
(5)
"الأم" 2/ 222.
(6)
انظر: "المغني" 13/ 340.
(7)
رواه الإمام أحمد 1/ 29.
وضعف إسناده الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند"(194).
(8)
انظر: "المبسوط" 11/ 231، "البناية شرح الهداية" 11/ 587.
(9)
يأتي برقم (3796).
ورواه أيضًا الطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 191 (311)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 431 (1636)، وتمام في "الفوائد" 1/ 277 (689)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 326.
هذِه الرواية الروايات الصحيحة (1).
(ثم أتي) بضم الهمزة (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلبن) الآتي له باللبن ميمونة زوجته بحضرة محارمه. ولفظ الترمذي: دخلت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن (فشرب) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله، فقال لي:"الشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالدًا" فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحدًا. ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أطعمه اللَّه. . "(2).
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعامًا) يعني: غير اللبن (فليقل: اللهم بارك لنا فيه) والبركة: زيادة الخير أو دوامه على صاحبه
(1) قاله البيهقي في "الخلافيات" كما في "مختصر الخلافيات" لابن فرح الإشبيلي 5/ 88 - 89.
وقال في "السنن الكبرى" 9/ 326: هذا مما ينفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة، وما مضى في إباحته أصح منه، واللَّه أعلم.
وقال في "معرفة السنن والآثار" 14/ 91: لم يثبت إسناده؛ إنما تفرد به إسماعيل ابن عياش، وليس بحجة.
وضعفه غيره، فقال الطبري: هذا خبر لا يثبت بمثله في الدين حجة.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 4/ 228: ليس إسناده بذلك. وأطلق ابن حزم القول بعدم صحته في "المحلى" 7/ 431.
وقال المنذري في "المختصر" 5/ 311: في إسناده إسماعيل بن عياش وضمضم ابن زرعة، وفيهما مقال.
لكن حسن إسناده الحافظ في "الفتح" 9/ 665 رادًّا على من ضعفه.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(2390).
(2)
"سنن الترمذي"(3455).
(وأطعمنا) بفتح الهمزة (خيرًا منه) وهو طعام الجنة الباقي، ويحتمل أن يراد العموم فيشمل خيري الدنيا والآخرة، والظاهر أن النكرة إذا كانت في معرض الدنيا تكون للعموم وإن كانت للإثبات، كما إذا كانت في معرض الامتنان والإثبات.
(وإذا سُقِيَ) بضم السين مبني للمجهول. ولفظ الترمذي: "ومن سقاه اللَّه تعالى"(1)(لبنًا) بجميع أنواعه، كلبن الإبل والبقر والغنم، وجميع صفاته (فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ولم يقل: خيرًا منه. فدل على أنه ليس في الأطعمة خير من اللبن، وظاهره أنه خير من العسل الذي هو شفاء، لكن قد يقال: إن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه، والعسل باعتبار التداوي من كل داءٍ وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن، ففي كل منهما خصوصية يترجح بها.
ويحتمل أن المراد: وزدنا لبنًا من جنسه، وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى:{قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} (2) أي: من جنسه وشبهه.
(فإنه ليس شيء يُجزئ) بضم أوله (من) تحتمل أن تكون بمعنى بدل (الطعام) كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} (3) أي: بدلها، وقول الشاعر:
جارية لم تأكل المرفقا
…
ولم تذق من البقول الفستقا
(1)"سنن الترمذي"(3455).
(2)
البقرة: 25.
(3)
التوبة: 38.
أي: بدلها.
(والشراب إلا اللبن)[بالرفع على الإتباع على ما قبله؛ فيخرج بهذا الجبن والأقط وما في معناهما، فإنه يجزئ عن الطعام دون الشراب](1).
(وهذا لفظ مسدد) دون موسى بن إسماعيل الراوي الثاني من شيخي المصنف، قال الخطابي: قوله: (ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن). هذا لفظ مسدد شيخ أبي داود، وظاهر اللفظ يوهم أنه من تتمة الحديث، وليس كذلك.
* * *
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل).