المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌46 - باب في دواب البحر - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٥

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌23 - باب اليَمِينِ علَى المُدَّعَى عَلَيْهِ

- ‌24 - باب كَيفَ اليمينُ

- ‌25 - باب إذا كانَ المُدَّعَى عَلَيْه ذِمِّيّا أيَحْلف

- ‌26 - باب الرّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى علْمِه فِيما غاب عَنْهُ

- ‌27 - باب كَيْف يَخلِفُ الذِّميُّ

- ‌28 - باب الرَّجُلِ يحْلِف عَلى حَقِّهِ

- ‌29 - باب في الحبسِ في الدَّيْنِ وَغيْرِهِ

- ‌30 - باب في الوَكالةِ

- ‌31 - باب في القَضاءِ

- ‌كتاب العلم

- ‌1 - باب الحَثِّ عَلَى طَلبِ العِلْمِ

- ‌2 - باب رِوايَةِ حَدِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ

- ‌3 - باب في كِتَابةِ العِلْمِ

- ‌4 - باب في التَّشْدِيدِ في الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللِّه صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب الكَلامِ في كِتَابِ الله بغَيْرِ عِلْمٍ

- ‌6 - باب تَكْريرِ الحَدِيثِ

- ‌7 - باب في سَرْدِ الحَدِيث

- ‌8 - باب التَّوَقِّي في الفُتْيا

- ‌9 - باب كَراهِيَةِ مَنْعِ العِلْمِ

- ‌10 - باب فَضْلِ نَشْرِ العِلْمِ

- ‌11 - باب الحَدِيثِ عَنْ بَني إِسْرائِيلَ

- ‌12 - باب في طَلَبِ العِلْمِ لِغَيْرِ اللهِ تَعالى

- ‌13 - باب في القَصَصِ

- ‌كِتَابُ الأَشْرِبَةِ

- ‌1 - باب في تَحْرِيمِ الخَمْرِ

- ‌2 - باب العِنَبِ يُعْصَرُ لِلْخَمْرِ

- ‌3 - باب ما جاءَ في الخَمْرِ تُخَلَّلُ

- ‌4 - باب الخَمْرِ مِمّا هُوَ

- ‌5 - باب النَّهْي عَنِ المُسْكِرِ

- ‌6 - باب في الدّاذيِّ

- ‌7 - باب في الأَوْعِيَةِ

- ‌8 - باب وفد عبد القيس

- ‌9 - باب في الخَلِيطَيْنِ

- ‌10 - باب في نَبِيذِ البُسْرِ

- ‌11 - باب في صِفَةِ النَّبِيذِ

- ‌12 - باب في شَرابِ العَسَلِ

- ‌13 - باب في النَّبِيذِ إِذا غَلَى

- ‌14 - باب في الشُّرْبِ قائِمًا

- ‌15 - باب الشَّرابِ مِنْ فِيِّ السِّقاءِ

- ‌16 - باب في اخْتِناثِ الأَسْقِيَةِ

- ‌17 - باب في الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ القَدَحِ

- ‌18 - باب في الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ

- ‌19 - باب في الكَرْعِ

- ‌20 - باب في السّاقي مَتَى يَشْرَبُ

- ‌21 - باب في النَّفْخِ في الشَّرابِ والتَّنَفُّس فِيهِ

- ‌22 - باب ما يَقُولُ إِذا شَرِبَ اللَّبَنَ

- ‌23 - باب في إِيكاءِ الآنِيَةِ

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌1 - باب ما جاءَ في إجابَةِ الدَّعْوَةِ

- ‌2 - باب في اسْتِحْبابِ الوَلِيمَةِ عِنْدَ النِّكاحِ

- ‌3 - باب في كَمْ تُسْتحَبُّ الوَلِيمَةُ

- ‌4 - باب الإِطْعامِ عِنْدَ القُدُومِ مِنَ السَّفَرِ

- ‌5 - باب ما جاءَ في الضِّيافَةِ

- ‌6 - باب نَسْخِ الضَّيْفِ يَأْكُلُ مِنْ مالِ غَيْرِهِ

- ‌7 - باب في طَعامِ المُتَبارِيَيْنِ

- ‌8 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى فَيَرى مَكْرُوهًا

- ‌9 - باب إِذا اجْتَمَعَ داعِيانِ أَيُّهُما أَحَقُّ

- ‌10 - باب إِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ والعَشاءُ

- ‌11 - باب في غَسْلِ اليَدَيْنِ عِنْدَ الطَّعامِ

- ‌12 - باب في طَعامِ الفُجاءَةِ

- ‌13 - باب في كَراهِيَةِ ذَمِّ الطَّعامِ

- ‌14 - باب في الاجْتِماعِ عَلَى الطَّعامِ

- ‌15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعامِ

- ‌16 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مُتَّكِئًا

- ‌17 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ

- ‌18 - باب ما جاءَ في الجُلُوسِ عَلَى مائِدَةٍ عَليْها بَعْضُ ما يُكْرَهُ

- ‌19 - باب الأَكْلِ بِاليَمِينِ

- ‌20 - باب في أَكْلِ اللَّحْمِ

- ‌21 - باب في أَكْلِ الدُّبّاءِ

- ‌22 - باب في أَكْلِ الثَّرِيدِ

- ‌23 - باب في كَراهِيَة التَّقَذُّر لِلطَّعامِ

- ‌24 - باب النَّهْي عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبانِها

- ‌25 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ

- ‌26 - باب في أَكْلِ الأَرْنَبِ

- ‌27 - باب في أَكْلِ الضَّبِّ

- ‌28 - باب في أَكْل لَحْمِ الحُبَارى

- ‌29 - باب فِي أَكْلِ حَشَراتِ الأَرْضِ

- ‌30 - باب ما لَمْ يُذْكَرْ تَحْرِيمُهُ

- ‌31 - باب في أَكْلِ الضَّبُعِ

- ‌32 - باب النَّهْي عنْ أَكْلِ السِّبَاعِ

- ‌33 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ

- ‌34 - باب في أَكْلِ الجَرَادِ

- ‌35 - باب في أَكْلِ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ

- ‌36 - باب فِي المُضْطَرِّ إِلَى المَيْتَةِ

- ‌37 - باب في الجَمْعِ بَيْنَ لَوْنَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ

- ‌38 - باب في أَكْل الجُبْنِ

- ‌39 - باب في الخَلِّ

- ‌40 - باب في أَكْلِ الثُّومِ

- ‌41 - باب في التَّمْرِ

- ‌42 - باب فِي تَفْتِيشِ التَّمْرِ المُسَوَّسِ عِنْدَ الأَكْلِ

- ‌43 - باب الإِقْرَانِ فِي التَّمْرِ عِنْدَ الأَكْلِ

- ‌44 - باب في الجَمْعِ بَيْن لَوْنَيْنِ في الأَكْلِ

- ‌45 - باب الأَكْلِ في آنِيَةِ أَهْلِ الكِتَابِ

- ‌46 - باب في دَوابِّ البَحْرِ

- ‌47 - باب فِي الفَأْرَة تَقَعُ فِي السَّمْنِ

- ‌48 - باب في الذُّبابِ يَقَعُ في الطَّعامِ

- ‌49 - باب في اللُّقْمَةِ تَسْقُطُ

- ‌50 - باب في الخادِمِ يَأْكُلُ مع المَوْلَى

- ‌51 - باب في المِنْدِيلِ

- ‌52 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا طَعِمَ

- ‌53 - باب في غَسْلِ اليَدِ من الطَّعامِ

- ‌54 - باب ما جاءَ في الدُّعاءِ لِرَبِّ الطَّعامِ إذا أُكِلَ عِنْدَهُ

- ‌كتاب الطب

- ‌1 - باب في الرَّجُلِ يَتَداوى

- ‌2 - باب في الحِمْيَةِ

- ‌3 - باب في الحِجامَةِ

- ‌4 - باب في مَوْضِعِ الحِجامَةِ

- ‌5 - باب مَتَى تُسْتَحَبُّ الحِجامَةُ

- ‌6 - باب في قَطْعِ العِرْقِ وَمَوْضِعِ الحَجْمِ

- ‌7 - باب في الكَي

- ‌8 - باب في السَّعُوطِ

- ‌9 - باب في النُّشْرَةِ

- ‌10 - باب في التِّرْياقِ

- ‌11 - باب في الأَدْوِيَةِ المَكْرُوهَةِ

- ‌12 - باب في تَمْرَةِ العَجْوَةِ

- ‌13 - باب في العِلاقِ

- ‌14 - باب في الأَمْر بِالكُحْلِ

- ‌15 - باب ما جاءَ في العَيْنِ

- ‌16 - باب في الغَيْلِ

- ‌17 - باب في تَعْلِيقِ التَّمائِمِ

- ‌18 - باب ما جاءَ في الرُّقَى

- ‌19 - باب كَيْفَ الرُّقَى

- ‌20 - باب في السُّمْنَةِ

- ‌21 - باب في الكاهِنِ

- ‌22 - باب في النُّجُومِ

- ‌23 - باب في الخَطِّ وَزَجْرِ الطَّيْرِ

- ‌24 - باب في الطِّيَرَةِ

الفصل: ‌46 - باب في دواب البحر

‌46 - باب في دَوابِّ البَحْرِ

3840 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: بَعَثَنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنا جِرابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ نَجِدْ لَهُ غَيْرَهُ فَكانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينا تَمْرَةً تَمْرَةً كُنَّا نَمُصُّها كَمَا يَمُصُّ الصَّبيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْها مِنَ الماءِ فَتَكْفِينا يَوْمَنا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنا الخَبَطَ ثمَّ نَبُلُّهُ بِالماءِ فَنَأَكُلُهُ، وانْطَلَقْنَا عَلَى ساحِلِ البَحْرِ فَرُفِعَ لَنا كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْناهُ فَإِذَا هُوَ دابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَرَ فَقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ وَلا تَحِلُّ، لَنَا ثُمَّ قالَ: لا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ فَكُلُوا فَأَقَمْنا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاثُمائَةٍ حَتَّى سَمِنّا، فَلَمّا قَدِمْنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْنا ذَلِكَ لَهُ فَقالَ:"هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيء فَتُطْعِمُونَا مِنْهُ؟ ". فَأَرْسَلْنا مِنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ (1).

* * *

باب في دواب البحر

[3840]

(حدثنا عبد اللَّه بن محمد) بن علي (النفيلي) قال المصنف: ما رأينا له كتابًا قط، وكل ما حدثنا فمن حفظه (2). (حدثنا زهير، أخبرنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي الله عنهما (قال: بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم: إلى أرض جهينة (3).

(وأمر علينا) فيه أن الجيوش لابد لها من أمير يضبطها وينقادون

(1) رواه البخاري (2483)، ومسلم (1935).

(2)

انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 90.

(3)

مسلم (1935).

ص: 499

لأمره، ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له (أبا عبيدة) أمين الأمة عامر بن عبد اللَّه (بن الجراح) أحد العشرة.

(نتلقى عيرًا لقريش) والعير: الإبل التي تحمل الطعام وغيره، وفيه دليل على أن الأمير يكون أفضلهم أو من أفضلهم، وفيه جواز رصد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ مالهم واغتنامه.

(وزودنا) كلنا (جِرابًا) بكسر الجيم (من تمر لم نجد له) ولفظ مسلم: لم يجد لنا (1). (غيره) فيه ما كانت الصحابة عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها، والصبر على الجوع وخشونة العيش وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال، وفيه أن الإمام يزود الأمير من بيت المال أو من ماله إذا تبرع (فكان أبو عبيدة يعطينا) فيه أن الأمير يتولى إعطاء عسكره بنفسه لا يكل ذلك إلى أستادار (2) ولا خازندار (3) ولا غيره، كما هو موجود الآن.

(1) مسلم (1935/ 17).

(2)

الأستادار: هو من إليه أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والحاشية والغلمان، وله تصرف تام في استدعاء ما يحتاجه كل من في بيت السلطان من النفقات. انظر:"مسالك الأبصار" 3/ 455.

(3)

الخازندار: صوابه الخِزَنْدار وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو (خزانة)، والثاني فارسي وهو (دار) ومعناه ممسك، فحذفت الألف والهاء من (خزانة) استثقالًا، ويكون المعنى: ممسك الخزانة، أي: المتولي لأمرها.

قال القلقشندي: ومتشدقو الكُتَّاب يسقطون الألف والهاء من خزانة، ويلحقون بعد الخاء ألفًا، فينقلون (خزانة) إلى (خازن) ويضيفونه إلى (دار) ظنًّا منهم أن الدار على معناها العربي، وهو خطأ. انظر:"صبح الأعشى" 5/ 462 - 463.

ص: 500

(تمرة) أي: يعطي كل واحد منا (تمرة) واحدة، وفي رواية: كنا نحمل أزوادنا في رقابنا (1). وفي أخرى: ففني زادهم (2). وفي "الموطأ": فكان يعطينا قبضة قبضة، ثم أعطانا تمرة تمرة (3). ويلتئم شتات هذِه الروايات بأن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم زودهم ذلك المزود أو المزودين إلى ما كان عندهم من زاد أنفسهم الذي كانوا يحملونه على رقابهم. وزاد مسلم: فقلت: فكيف كنتم تصنعون بها (4)؟

(قال: كنا نمصها) بفتح الميم وضمها والفتح أشهر وأكثر (كما يمص الصبي) ثدي أمه في الرضاع (ثم نشرب عليها من الماء) جرعة (فتكفينا) تلك الشربة (يومنا) ذلك كله (إلى الليل) والظاهر أن المص والشرب كان في أول النهار، وبهما لا يضعف بدن الآدمي ولا تسقط قوته، وهذا نظير الحديث:"ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"(5). فاللقيمات مصغر، وهو جمع قلة، فالتقدير: لقيمات صغار دون العشرة يقمن صلبه ويحفظن القوة، فإن تجاوزها فليأكل في

(1) رواها مسلم (1935)، وابن ماجه (4159) وفيهما:(على رقابنا).

(2)

رواها مسلم (1935).

(3)

هذِه رواية مسلم (1935) وغيره، والذي في "الموطأ" 2/ 930:(حتى فني، ولم تصبنا إلا تمرة تمرة).

(4)

مسلم (1935).

(5)

رواه الترمذي (2380)، وابن ماجه (3349)، وأحمد 4/ 132، والنسائي في "الكبرى" 4/ 177 - 178، والطبراني 2/ 272 - 273 (644، 645) من حديث المقدام بن معدي كرب، وعند بعضهم:(أكلات) بدل: (لقيمات). والحديث صححه ابن حبان 2/ 449 (674)، 12/ 41 (5236)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 121، 4/ 331، والألباني في "الصحيحة"(2265).

ص: 501

ثلث بطنه ويدع الآخر للماء والثالث للبدن، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب.

(وكنا نضرب بعصينا) بكسر العين والصاد جمع عصًا، والأصل عصوا على فعول مثل أسد وأسود، والقياس أعصاء مثل سبب وأسباب، لكن لم ينقل.

(الخَبَط) بفتح الخاء والباء، فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل، فإنه الورق المتناثر من ورق الشجر (1) بالخبط، يعني الضرب بالعصا ليتناثر الورق، وفي حديث تحريم مكة: نهى أن يخبط شجرها (2). ولما أكل هذا الجيش الخبط سموا جيش الخبط (ثم نبُله) بضم الموحدة، أي: نبل الورق المتناثر من الشجر (بالماء فنأكله) ولعل هذا لما فقدوا التمر من الأكل والمص.

(وانطلقنا) بعد ذلك (على ساحل البحر) نمشي (فرُفِع) بضم الراء وكسر الفاء (لنا) أي: ألقي إلينا (3)، من قولهم: رفعت فلانًا إلى الحاكم. ولمسلم: فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر (4).

(1) ساقطة من (ل)، (م).

(2)

رواه البخاري (1349، 1833، 2090) من حديث ابن عباس و (122، 6880) من حديث أبي هريرة بلفظ: (ولا يعضد شجرها). ورواه البخاري (1867، 7306) من حديث أنس بلفظ: (لا يقطع شجرها). ورواه مسلم (1355، 448) من حديث أبي هريرة: (لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها). وأما اللفظ الذي ذكره المصنف فذكره ابن الأثير في "النهاية" 2/ 7.

(3)

ساقطة من (ل)، (م).

(4)

مسلم (1935/ 18)، وهو عند البخاري أيضًا (4361).

ص: 502

(كهيئة الكثيب) بالثاء المثلثة (الضخم) وهو الرمل المستطيل المحدودب، جمعه كثب من الكثب وهو الصب، والبئر تسمى كثيبًا؛ لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه.

(فأتيناه فإذا هو دابة تُدعَى) بضم التاء وسكون الدال، أي: تسمى (العَنْبَرُ) ورواية المصنف: العنبرة. بزيادة هاء آخره ولمسلم بحذفها (1)، سميت بذلك؛ لأنها الدابة التي تلقي العنبر، وتوجد كثيرًا على ساحل البحر، ويحتمل أن تكون: ترعى، بالراء بدل الدال من الرعي، فليراجع هل وقع في رواية، فإن بعضهم قالوا: إن العنبر نبت في قعر البحر، قال القزويني: زعموا أن بقرًا في البحر ترعى الزرع من قعر البحر، وتَروثُ العنبر. وسمك هذا العنبر يتخذ من جلدها الأتراس تأكل هذا الزرع لدسومته، فتقذفه رجيعًا، فيؤخذ (2) كالحجارة الكبار تطفو على الماء. ولا زكاة في العنبر؛ لقول ابن عباس: إنما هو شيء دسره البحر (3). وليس بمعدن، قال القرطبي: يوجد كثيرًا على سواحل البحر، وقد وجد عندنا منه على ساحل البحر بقادس من الأندلس قطعة كبيرة حصل لواجديه منه أموال كثيرة (4).

(فقال أبو عبيدة) عامر بن الجراح (ميتة) بالرفع، أي هو ميتة (فلا

(1) السابق.

(2)

ساقطة من (ل)، (م).

(3)

رواه الشافعي في "المسند" 1/ 229، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 65 (6977)، وابن أبي شيبة 2/ 374 (10058 - 10059)، وابن زنجويه في "الأموال" 2/ 752 (1288)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 146.

(4)

"المفهم" 5/ 220.

ص: 503

تحل) بالمثناة فوق (لنا) أي: قال: لا يحل لنا أكلها؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (1) فأخذ بعموم الآية (ثم قال: لا) يحرم (بل نحن رسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فيه أن الرسول لا يختص بمن يبلغ الرسالة، بل يعم كل من جهز في أمر لقتال أو غيره، يسمى رسولًا، وأن الرسول في الطاعة والمباح يترخص برخص السفر.

قال المنذري: ذكر غير واحد من الحفاظ الذين خرج حديثهم العلماء في الصحيحين متفقين ومنفردين، ولم يذكروا فيهم أبا عبيدة بن الجراح، لكونه عندهم لم يقع شيء من حديثه في الصحيحين، وذكر أبو مسعود الدمشقي في "تعليقه" وأبو عبد اللَّه الحميدي أن قول أبي عبيدة:(رسل رسول اللَّه). هو من مسند أبي عبيدة، وباقيه من مسند جابر بن عبد اللَّه، ويقال: انفرد بقوله: (نحن رسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم). أبو الزبير، وسائر الرواة عن جابر لا يذكرونها، وليس لأبي عبيدة في الصحيح غير هذا (2).

(وفي) الجهاد وهو في (سبيل اللَّه تعالى، وقد اضطررتم إليه) أي إلى أكله (فكلوا) منه. معنى الحديث أن أبا عبيدة قال أولًا باجتهاده: أن هذِه ميتة، والميتة حرام. ثم تغير اجتهاده وقال: بل هو حلال لكم، وإن كان ميتة؛ لأنه في سبيل اللَّه وقد اضطررتم، وقد أباح اللَّه الميتة لمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ، وهذا يدل على جواز العمل بأصل العموم على ظاهره، والعمل به من غير حجر المخصصات، فإن أبا عبيدة حكم

(1) المائدة: 3.

(2)

"الجمع بين الصحيحين" 1/ 205.

ص: 504

بتحريم ميتة البحر تمسكًا بعموم التحريم، أنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله عليه السلام:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"(1). ولم يكن عنده خبر من هذا المخصص، ولا عند أحد من أصحابه، إذ لو كان لعمل به ولما عدل عنه.

(فأقمنا عليه) أي: على الأكل منه سفرًا وحضرًا (شهرًا) بما قد تزودوه منه، كما قال في مسلم: وتزودنا منه وشائق (2). أي: قددوه قدائد كما يفعل باللحم (ونحن ثلاثة مائة) رجل، ولمسلم: ونحن في ثلاث مائة راكب (حتى سمِنّا) أي تقوينا وزال ضعفنا، كما قال في الرواية الأخرى: حتى ثابت إلينا أجسامنا (3). أي: رجعت إلينا قوتنا، وإلا فما كانوا سمانًا قط. وقد ورد ذم السمن في أحاديث (4).

(فلما قدمنا) المدينة أتينا (إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) و (ذكرنا له ذلك) وكان ذلك في سنة ثمانٍ من الهجرة (فقال) دابة العنبر (رزق أخرجه اللَّه تعالى لكم) هو تذكير لهم بنعمة اللَّه تعالى ليشكروه عليها.

(فهل معكم) باقٍ (من لحمه) من (شيء فتطعمونا منه؟ ) وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه إدلالًا

(1) سلف برقم (83) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا الترمذي (69)، والنسائي 1/ 50، 176، وابن ماجه (386، 3246)، وأحمد 2/ 361، 378، 392 وغيرهم. وصححه ابن حبان 4914 (1243)، 12/ 62 - 63 (5258)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 140 - 141، 142 - 143 وغيرهما.

(2)

مسلم (1935).

(3)

رواها البخاري (4361).

(4)

من ذلك ما رواه البخاري (4729)، ومسلم (2785).

ص: 505

عليه، وليس هو من السؤال المنهي عنه، إنما ذلك في حق الأجانب، وأما هذا فللمؤانسة والملاطفة والإدلال. وفيه (1) جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما يجوز بعده.

[(فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم](2) فأكل) منه، كما لمسلم (3). وأكله صلى الله عليه وسلم منه ليبين لهم بالفعل جواز أكل ميتة البحر في غير وقت الضرورة، وأنها لم تدخل في عموم الميتة المحرمة في القرآن، كما بين ذلك عليه السلام:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وفي هذا الحديث رد للجمهور على من قال بمنع أكل ما طفا من ميتات البحر، وهو طاوس وابن سيرين (4) وحماد ابن زيد وأبو حنيفة (5).

* * *

(1) في جميع النسخ: وفي. والمثبت أليق بالسياق.

(2)

ساقطة من (م).

(3)

مسلم (1935).

(4)

رواه عنهما ابن أبي شيبة 4/ 253، 254 (19741، 19745).

(5)

انظر ما سبق في باب الطافي من السمك، حديث رقم (3815)، وقال فيه:(جابر ابن زيد) بدلًا من (حماد بن زيد).

ص: 506