الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع الوقف في العصر الأيوبي (569 - 648 هـ/1173 - 1250 م)
يمثل العصر الأيوبي صفحة مضيئة في تاريخنا الحضاري، ففي هذا العصر حُرِّر بيت المقدس من الاحتلال الصليبي عام 583 هـ / 1187 م، وتم إحياء فكرة وحدة الأمة، حيث تمكَّن صلاح الدين الأيوبي من توحيد مصر تحت سلطان الدولة الأيوبية، وتم إعادة تفعيل دور "الجامع الأزهر" في تأدية رسالته التي تخدم العلم والعلماء والمسلمين بمختلف شرائحهم.
إن الظروف التي وُلدت بها الدولة الأيوبية حتَّمت عليها العمل بكل طاقاتها لتحصين الجبهة الداخلية، عن طريق نشر المعرفة ومبادئ العقيدة الصحيحة، والأخذ بأيدي الشرائح الضعيفة؛ حتى لا تشعر بالتهميش والإقصاء، وحتى لا تكون فريسة سهلة للاختراق من قبل أعداء الأمة، وعلى رأسهم الصليبيون في سواحل الشام، كما تطلب الأمر العمل بكل جدٍّ واجتهاد على تقوية المؤسسة العسكرية، والمحافظة على جاهزيتها لمواجهة الخطر الصليبي، المتحفِّز في سواحل بلاد الشام لإعادة احتلال مدينة القدس من جديد، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف عمل الأيوبيون على استغلال لوقف ومتحصلاته لتعزيز الهوية العربية الإسلامية للأقاليم التي مسخ الاحتلال الصليبي هويتها في بلاد الشام، وعلى وجه الخصوص مدينة القدس، فكانت معظم واردات أوقافهم تنفَق على التعليم بمؤسساته المختلفة؛ من مدارس، ومساجد، ورُبط، وزوايا، وخانقاوات، وفكاك أسرى المسلمين من أيدي الفرنج، وكفالة الأيتام، ورعاية الأرامل، وتأمين الحياة الكريمة للفقراء والمساكين، وغيرها من المصارف التي تهدف إلى تأمين الحياة الكريمة لكل من يتفيأ ظلال الدولة الأيوبية، وتدل المصادر التاريخية والمخلفات الأثرية على كثرة الأوقاف التي وقفها صلاح الدين الأيوبي وبقية أفراد أسرته، وحاشيته، وكبار قادته؛ حيث أكثروا من أعمال البر والإحسان اقتداءً به
(1)
.
(1)
انظر: الأوقاف والتعليم في عصر الأيوبيين، د محمد محمد أمين، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، 1990 م، 3/ 807 - 808،
Rosen - Ayalon، Myriam
72 -
65:18 (1985). Art and Architecture in Ayyubid، Jerusalem
وقبل الحديث عن نماذج من الأوقاف في العصر الأيوبي يمكن تسجيل الملاحظات الآتية على حركة الوقف في تلك الحقبة الذهبية من تاريخنا الوقفية:
1.
إن الوقف كان يمثل ركيزة مهمة من ركائز ازدهار الدولة الأيوبية، وعاملًا مهمًّا من عوامل محبة الرعية لحكامها والتفافهم حول القيادة الأيوبية.
2.
إن الأوقاف كانت تمثل العمود الفقري للمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية.
3.
إن القادة الأيوبيين وأسرهم كانوا يمثلون القدوة الحسنة لرعاياهم في أعمال البر والإحسان.
4.
إن رعاية المذاهب الفقهية الأربعة كان يمثل أولوية بالنسبة للدولة الأيوبية؛ فكثفت الأوقاف لصالحها وخدمة أهدافها.
5.
تنوع الأوقاف وتعدد مصارفها؛ بحيث شملت كلَّ الشرائح التي تحتاج إلى مساعدة.
6.
ازدهار الوقف على الخانقاوات والزوايا والرُّبط.
7.
كان المدينة القدس النصيب الأوفر من الاهتمام الوقفي في هذا العصر إلى جانب الحرمين الشريفين.
8.
كان الجهاد وفكاك الأسرى يمثل مصرفًا مهمًا من مصارف الوقف في العصر الأيوبي.
9.
كانت للنساء بصمات واضحة في حركة الوقف في العصر الأيوبي.
10.
إن الأوقاف الأيوبية قامت بدور فاعل ونشط في كل المناطق التي خضعت لسيطرتهم في مصر والشام واليمن والحرمين الشريفين.
لقد كان صلاح الدين الأيوبي صاحب فكر مبدع في مختلف المجالات، وعلى رأسها الوقف، فكان أول من وقف الأوقاف للأمهات المرضعات؛ حيث وقف في دمشق وقفًا فريدًا في رسالته، أُطلق عليه وقف: نطفة الحليب، حيث جعل في أحد أبواب القلعة ميزابًا يسيل منه الحليب، وآخر بجواره يسيل منه الماء المذاب فيه السكر، وعيّن للأمهات المرضعات يومين في الأسبوع ليأخذن خلالهما من الوقف حاجتهن من الحليب والسكر
(1)
.
(1)
انظر: الطفولة في ظل الحضارة الإسلامية، د سلامة محمد البلوي، سلسلة اللمسات الإنسانية في الحضارة الإسلامية رقم 1، مكتبة الصحابة، الشارقة، 2003 م، 36.
وفي مصر اشتهرت عدة أوقاف لصلاح الدين الأيوبي؛ من أبرزها: وقف عديد من القرى لرعاية الأرامل وأيتامهن
(1)
، ووقف "خانقاه سعيد السعداء" في عام 569 هـ/ 1173 م على الفقراء الواردين إلى مصر من مختلف البلاد الإسلامية، ووقف عليها الأوقاف الغنية للصرف عليها وعلى المنقطعين
(2)
، أما وقف "صادر الفقهاء والفقراء" في مدينة الإسكندرية، والذي تم رصده على المدارس والكتاتيب في عام 572 هـ/ 1176 م؛ فقد استمرَّ حتى العصر العثماني، وعُرف بالوثائق العثمانية بـ "صادر الفقهاء والفقراء بالثغر السكندري"
(3)
، وكان يشرف على هذا الوقف في العصر العثماني ديوان يسمى "ديوان الخمس وصادر الفقهاء"
(4)
، ليصرف ما تم تحصيله سنويًّا على العلماء والخطباء بالمدارس والمساجد والكتاتيب، ومما يميز هذا الوقف أنه في حالة وفاة أحد العلماء المرصد لهم مرتب من هذا الوقف، ينتقل إلى زوجته وأولاده، وبالتالي يكفل هذا الوقف العلماء وأسرهم من بعدهم
(5)
.
وقد حرص صلاح الدين على وقف الأوقاف لخدمة الحرمين الشريفين؛ فعلى سبيل المثال: وقف ثلث ناحية سندبيس من أعمال القليوبية، وبلدة نقادة من أعمال قوص على أربعة وعشرين خادمًا؛ لخدمة المسجد النبوي الشريف في عام 569 هـ/ 1173 م
(6)
.
ومن مآثر صلاح الدين الوقفية الأخرى "المدرسة الصلاحية" في القدس التي وقفها على الشافعية عام 588 هـ/ 1198 م، وكانت عليها أوقاف عظيمة؛ منها:"سوق العطارين" في القدس، وقرى سلوان ووادي سلوان، وغيرها من المباني والعقارات
(7)
.
(1)
انظر: المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية الإسلامية (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية).
سعيد عبد الفتاح عاشور، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987 م، 3/ 365.
(2)
انظر: الخطط والآثار، المقريزي، 2/ 415 - 416.
(3)
انظر: الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر (648 - 923 هـ/ 1250 - 1517 م)، د محمد محمد أمين، القاهرة، دار النهضة، 1980 م، 64.
(4)
انظر: صادر الفقهاء والفقراء بالثغر السكندري، ناصر أحمد إبراهيم، مجلة الروزنامة، ع 4، 2006 م، دار الوثائق القومية، القاهرة، ع 4، 196 - 197.
(5)
انظر: سجلات محكمة الإسكندرية الشرعية، سجل 48، ص 78 تاريخ 30 محرم 1010 هـ.
(6)
انظر: أوقاف السلطان الأشرف شعبان على الحرمين، راشد القحطاني، 27.
(7)
انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، 2/ 103.
ووقف كذلك أوقافًا كثيرة على المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، فهناك عشرات القرى في ضواحي القدس وفي أنحاء مختلفة من فلسطين وخارج فلسطين جارية في وقف الحرم القدسي، وكانت تصرف لخطباء ومدرسين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة رواتب من الأوقاف، كما مكنت الأوقاف المسجد الأقصى من أن يتحول إلى جامعة من كبريات الجامعات
(1)
، كما أن الأوقاف ساهمت في ازدهار الحياة الثقافية في القدس حتى غدت الهمَّ العام لأهل بيت المقدس، وهذا ما يصوره العماد الأصفهاني أجمل تصوير حين قال بعد تحرير بيت المقدس من الصليبين: "فما ترى إلا قارئًا باللسان الفصيح، وراويًا للكتاب الصحيح، ومتكلمًا في مسألة
…
وذاكرًا لحكم مذهبي، وسائلًا عن لفظ لغوي ومعني نحوي"
(2)
، وكذلك أكَّد هذا المعنى الرحالة المشهور ابن بطوطة حين زار القدس عام 627 هـ/ 1325 م
(3)
، كما تؤكد المصادر المقدسية أن هناك تسع مدارس كبرى في القدس يعود تاريخها للعصر الأيوبي
(4)
.
ومن الأمور التي جعلها صلاح الدين في بؤرة اهتمامه تحرير الأسرى من أيدي الصليبين والعمل على فدائهم، فنجده يقف الأوقاف لصالح فكاك أسرى المسلمين، فجعل - على سبيل المثال - مدينة "بلبيس" وقفًا على فك أسرى المسلمين الذين أسرهم الصليبيون في حملتهم على مصر عام 564 هـ/ 1198 م
(5)
، وغيرها من الأوقاف وأعمال البر والإحسان التي انتشرت في أقاليم الدولة الأيوبية.
(1)
أحصى مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل"، 2/ 385 - 398 .. أكثر من ستين مدرسة وزاوية، فضلًا عن مكاتب الأطفال في القدس.
(2)
انظر: الفتح القسي في الفتح القدسي، العماد الأصفهاني، 151.
(3)
انظر: رحلة ابن بطوطة، ابن بطوطة، 50.
(4)
انظر: مؤسسة الأوقاف ومدارس بيت المقدس، كامل العسلي، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي الإسلامي، بغداد، 1983 م، 95. وانظر عن الوقف في العصر الأيوبي: الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف - دراسة تاريخية موثقة، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول، 2009 م، 1/ 19 - 141.
(5)
انظر: تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم، أحمد بن صالح عبد السلام، ندوة الوقف في الشريعة الإسلامية ومجالاته، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض، 1423 هـ، 1/ 596.
وتنافس أبناء البيت الأيوبي وحاشية صلاح الدين في وقف الأوقاف لخدمة المصالح العامة؛ الثقافية منها والاجتماعية، فوقف الملك العزيز "طغتكين بن أيوب"(579 - 593 هـ / 1183 - 1196 م) أحسن أراضية الزراعية في وادي زبيد في اليمن على بعض دور العلم والعبادة في اليمن ولصالح الحرم المكي، ووقف الملك "المعز إسماعيل بن طغتكين" بسخاء على مدرسته المعروفة بـ "السيفية"، التي أنشأها في تعز عام 593 هـ / 1196 م، والمنسوبة إلى والده سيف الدين طغتكين، ووقف أيضًا أفضل أراضيه في اليمن على "المدرسة المعزية" التي بناها في زبيد عام 594 هـ /1197 م
(1)
، كما يعد الأمير "عثمان الزنجيلي"(ت 583 هـ/ 1187 م) أشهر أمراء بني أيوب تقديمًا للأوقاف في اليمن
(2)
.
وتذكر المصادر اليمانية أن الأيوبيين هم أول من استحدث المباني المدرسية في اليمن في أواخر القرن السادس الهجري، ووقفوا عليها أراضٍ واسعة لضمان ديمومة نشاطها
(3)
.
وتعد "المدرسة الصالحية" التي أنشأها الملك الصالح "نجم الدين أيوب" عام 641 هـ/ 1244 م بمصر، ووقف عليها أوقافًا ضخمة، أول مدرسة درست المذاهب الأربعة بمصر في مكان واحد
(4)
، كما تعددت أوقاف الأمراء والقادة في مدينة القدس، فوقف الأمير "فارس الدين أبو سعيد" خازندار صلاح الدين الأيوبي عام 593 هـ/1199 م "المدرسة الميمونية"
(5)
، ووقف الملك "المعظم عيسى" عام 604 هـ/ 1207 م "المدرسة النحوية"
(1)
انظر: تاريخ المستبصر، ابن المجاور، 246 - 247، والفضل المزيد، ابن الديبع، 84 - 85.
(2)
انظر: تاريخ ثغر عدن، بامخرمة، 1/ 131.
(3)
انظر: السلوك في طبقات العلماء والملوك، بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي، تحقيق: محمد الأكوع، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1993 م، 2/ 539، والحياة العلمية في اليمن من بداية القرن التاسع الهجري حتى سيطرة العثمانيين عليها، عبد الغني على الأهجري، 193.
(4)
انظر لمزيد من التفصيل: الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي أبو شامة، تحقيق: محمد علي أحمد، القاهرة، 1992 م.
(5)
انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، 2/ 48، وخطط الشام، محمد كرد علي، 6/ 125.
في القدس، واشترط أن يشتغل في هذه المدرسة بالقراءات السبع، وأن يُصرف وقفها على الأحناف
(1)
، وكذلك وقف "بدر الدين محمد بن القاسم الهكاري" - أحد أمراء الملك المعظم عيسى - "المدرسة الهكارية" على فقهاء الشافعية في عام 610 هـ /1213 م
(2)
.
وحظيت مدينة دمشق بنصيب وافر من الأوقاف الأيوبية، ومن هذه الأوقاف "المدرسة الدخوارية الطبية"، التي أنشأها "مهذب الدين دخوار"(ت 621 هـ/ 1224 م)، وكان واقفها يعد من كبار أطباء عصره
(3)
، ويذكر الرحالة ابن جبير في رحلته حين زار دمشق في عام 580 هـ/ 1184 م أنه كان فيها نحو عشرين مدرسة موقوفة على طلبة العلم، وكانت لها أوقاف عظيمة، وهي مفخرة من مفاخر الإسلام
(4)
، وكفى برهانًا على كثرة الأوقاف على المدارس الموقوفة في دمشق أن الإمام يحيى بن شرف الدين النووي (ت 677 هـ/ 1278 م) الفقيه المحدث لم يأكل من فواكه دمشق طيلة حياته! لأن أكثر غوطاتها وبساتينها كانت أوقافًا على المدارس
(5)
.
وشملت الأوقاف الأيوبية أيضًا أبناء السبيل، والغرباء، والأسرى، ومن هذه الأوقاف التي شملت برعاياها أبناء السبيل، ما قام به "بهاء الدين قراقوش" من بناء خان للسبيل، وكان ملحقًا به طاحون وساقية
(6)
، كما خصَّص القاضي "الفاضل عبد الرحيم"(ت 596 هـ/ 1199 م) وقفًا عظيمًا لفكاك الأسرى
(7)
.
(1)
انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، 2/ 34، ومفرج الكروب في أخبار بني أيوب، جمال الدين محمد بن سالم بن واصل، تحقيق: جمال الدين شيال، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1957 م، 2/ 407.
(2)
انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، 2/ 47.
(3)
انظر: الدارس في تاريخ المدارس، عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، 2/ 127.
(4)
انظر: رحلة ابن جبير، ابن جبير، 255.
(5)
انظر: تذكرة الحفاظ، الذهبي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت، 4/ 1472.
(6)
انظر: الأوقاف ونظام التعليم في العصور الوسطى الإسلامية، د. محمد محمد أمين، ندوة مؤسسة الأوقاف، بغداد، 169.
(7)
انظر: فك الأسرى الأندلسيين من دار الحرب، خالد عبد الكريم البكر، مجلة الدرعية، الرياض، ع 29، 1426 هـ، 60، والأوقاف والمجتمع، د. عبد الله السدحان، 60 و 121.
ونافست النساء الأيوبيات الرجال في أعمال البر والإحسان؛ مما أثار إعجاب الرحالة الذين زاروا دمشق في العصر الأيوبي، يقول ابن جبير:"ومن النساء الخواتين ذوات الأقدار تأمر ببناء مسجد أو رباط أو مدرسة، وتنفق فيها الأموال الواسعة، وتعين لها من مالها الأوقاف"
(1)
.
ومن أبرز النساء اللواتي خلدن ذكرهن ببناء المدارس ودعم المسيرة العلمية في المرحلة الأيوبية؛ "الست حظ الخير خاتون"(ت 578 هـ/1182 م)؛ زوجة شاهنشاه بن أيوب أخي صلاح الدين، التي وقفت "المدرسة الفرخشاهية" على أصحاب المذهب الحنفي في دمشق
(2)
، أما "المدرسة العذراوية" في دمشق فقد وقفتها "الست العذراء" بنت نور الدولة شاهنشاه بن أيوب أخي صلاح الدين وقفتها على الشافعية
(3)
، واشترطت "السيدة خطبلسي خاتون" بنت الأمير كوكجا أن لا يدرِّس في "المدرسة القصاعية" التي وقفتها في دمشق عام 593 هـ/1197 م إلا أعلم الحنفية
(4)
، ووقفت "ربيعة خاتون" بنت نجم الدين أيوب "المدرسة الصاحبية" على المذهب الحنبلي
(5)
، ووقفت "زهرة خاتون" بنت السلطان العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب عام 609 هـ /1213 م "المدرسة العادلية الصغرى" في دمشق
(6)
، وبَنَت "زمرد خاتون"(ت 557 هـ/ 1192 م)"المسجد الكبير" في صنعاء
(7)
.
وهكذا شهد الوقف في العصر الأيوبي نهضة شاملة، بفضل دعم سلاطين وأمراء الدولة الأيوبية وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي، كما أسهمت الأوقاف مساهمة فاعلة في إعادة الهوية العربية الإسلامية للمدن الشامية، وعلى رأسها القدس، بعد ما مسخ هويتها الاستعمار الصليبي، وقد واصلت هذه النهضة الوقفية مسيرتها في العصر المملوكي كما سنرى في الصفحات الآتية.
(1)
انظر: رحلة ابن جبير، ابن جبير، 248.
(2)
انظر: الدارس في تاريخ المدارس، عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، 1/ 569.
(3)
انظر: المرجع السابق، 1/ 374، وأعلام النساء، عمر رضا كحالة، 2/ 41.
(4)
انظر: الدارس في تاريخ المدارس، عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، 1/ 565.
(5)
انظر: المرجع السابق، 2/ 80 - 81.
(6)
انظر: المرجع السابق، 1/ 321، وأعلام النساء، عمر رضا كحالة، 3/ 41.
(7)
انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 20/ 276، والدارس في تاريخ المدارس، عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، 1/ 114.