الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد اختلف الفقهاء في إنشاء الوقف بهذه الصيغة؛ تبعًا لاختلافهم في شرط التنجيز في صيغة الوقف على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية والحنابلة في المذهب، والزيدية، والإمامية إلى أن الوقف بصيغة مضافة إلى زمن مستقبل لا يصح، ولو حلت السنة، أو جاء الشهر، واستدلوا لذلك بأن الوقف نقل للملك بدون عوض، فلا يبنى على خطر الحصول كما في الهبة
(1)
.
القول الثاني: ذهب المالكية، والحنابلة في قول، والإباضية إلى أن الوقف بصيغة مضافة إلى زمن مستقبل صحيح، واستدلوا لذلك بقياس الوقف على العتق، بجامع أنه معروف بغير عوض، فإذا صح التعليق في العتق صح في الوقف
(2)
.
رابعًا: الصيغة المضافة إلى ما بعد الموت (الوصية بالوقف):
صورة الصيغة المضافة إلى ما بعد الموت هي أن يقول الشخص: إذا مت فأرضي هذه صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين؛ فهل يصح الوقف بهذه الصيغة؟
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، محمد أمين الدمشقي الحنفي المعروف بابن عابدين، 4/ 340 - 342، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، 5/ 327، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، 7/ 23، والمقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، دار هجر، القاهرة، ط 1، 1415 هـ/1995 م، 16/ 397، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 250، ومغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام، يوسف بن عبد الهادي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1971 م، 149، والبحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضي، 5/ 152، والحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني، 22/ 130 - 131، وشرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، 12/ 454.
(2)
انظر: الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، 6/ 326، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، 7/ 23، وشرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، 12/ 454.
إذا صدرت صيغة الوقف مضافة إلى ما بعد الموت؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء في الجملة إلى صحة الوقف بهذه الصيغة:
فأما الذين ذهبوا إلى اشتراط التنجيز من الحنفية، والشافعية والحنابلة في المذهب، والزيدية، والإمامية .. فقد استثنوا هذه الصورة من عدم صحة الوقف بالصيغة المعلقة على شرط في الحياة، ويكون الوقف حينئذ في حكم الوصية، وينفذ من ثلث التركة
(1)
.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه من استثناء هذه الصورة من عدم صحة الوقف بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصى، فكان في وصيته: "هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين، إن حدث به حدث أن ثُمْغًا
(2)
صدقة"
(3)
، كما أنهم ألحقوه بالصدقة المطلقة
(4)
.
قال الحنفية: "المضاف إلى ما بعد الموت وصية محضة، فإن مات من غير رجوع عنه ينفذ من الثلث"
(5)
، وقال ابن نجيم الحنفي: إذا علقه بموته؛ كما إذا قال: إذا
(1)
انظر: الإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر الطرابلسي، 35، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري، 5/ 208، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، 2/ 385، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 250 - 251، وشرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار، أبو الحسن عبد الله بن مفتاح، 3/ 148، والحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني، 22/ 130 - 131.
(2)
ثَمْغٌ: بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة، أرض لعمر رضي الله عنه بخيبر، كما ورد التصريح بذلك في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه المعروف بصحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، (2737).
(3)
من وصية عمر بن الخطاب في: سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، رقم (2879)، 3/ 117.
(4)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 250 - 251، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي، 4/ 286.
(5)
الإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر الطرابلسي، 35.
مت وقفتُ داري على كذا .. فالصحيح أنه وصية لازمة، لكن لا تخرج عن ملكه، فلا يتصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته؛ لما يلزم من إبطال الوصية، وله أن يرجع قبل موته: كسائر الوصايا، وإنما يلزم بعد موته"
(1)
.
وقال البهوتي الحنبلي: "وإن قال: هو وقف بعد موتي؛ صح"؛ لأنه تبرع مشروط بالموت فصح
(2)
.
لكن الإمامية اشترطوا لذلك صيغة معينة، وهي أن يقول الواقف: إذا مت فاجعلوا هذا وقفًا، يكون وصية بالوقف، وعلى الوصي أن ينفذ، وينشئ الوقف، أما إذا قال الواقف: إذا مت فهذا وقف، لم يصر وقفًا بعد الموت
(3)
.
وأما الذين لم يشترطوا التنجيز في الصيغة من المالكية، والإباضية، والحنابلة في قول .. فيصح الوقف عندهم بهذه الصيغة من باب أولى
(4)
.
لكن الإباضية اشترطوا لصحة ذلك أن يذكر في وصيته وجهًا من وجوه الخير أو الأجر، قال أطفيش: فإذا قال: أوصيت بهذا في سبيل الله، أو لسبيل الله
…
؛ بطل، وكان ميراثًا .. وإن ذكر وجهًا من وجوه الأجر جاز، ذكر سبيل الله، أو لم يذكر، مثل أن يقول: أوصيت بهذا الشيء للجهاد، أو صدقة على طلب العلم في سبيل الله
(5)
.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري، 5/ 208.
(2)
كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 250.
(3)
انظر: الفقه على المذاهب الخمسة (الجعفري، الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي)، محمد جواد مغنية، دار العلم للملايين، بيروت، طـ 6، 1979 م، 592.
(4)
انظر: الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، 6/ 326، وبلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 4/ 105، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، 7/ 23، وشرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، 12/ 454.
(5)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، 12/ 454.