الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا كما قال ابن حجر وغيره - ظاهر في مشروعية الْوَقْف وفضله
(1)
.
ب) وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}
(2)
.
وجه الدلالة: أن من آثار الموتى التي تكتب لهم ويؤجرون عليها: الْوَقْف، فدل هذا على مشروعية الْوَقْف
(3)
.
ج) قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}
(4)
، يقول القرطبي:"معنى الآية: وما تفعلوا من خير فلن تجحدوا ثوابه، بل يشكر لكم وتجازون عليه"
(5)
، والوقف من عموم فعل الخيرات.
ثانيًا: السنة:
وأما السنة النبوية فقد جاءت مؤكدة ومبينة لمشروعية الْوَقْف؛ قولًا وفعلًا وتقريرًا:
1) فمن السنة القولية:
أ) حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"
(6)
.
(1)
انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، 5/ 398، نيل الأوطار ("منتقى الأخبار" بأعلى الصفحة، يليه مفصولًا بفاصل "شرح الشوكاني")، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، ط 1، 1413 هـ / 1993 م، 6/ 36.
(2)
سورة يس، آية 12.
(3)
انظر: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (المعروف بتفسير أبي السعود)، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 7/ 161، والتسهيل لعلوم التنزيل، أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن جزي الكلبي الغرناطي، تحقيق: د. عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، ط 1، 1416 هـ، 1/ 1654.
(4)
سورة آل عمران، آية 115.
(5)
الجامع لأحكام القرآن (المعروف بتفسير القرطبي)، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية القاهرة، ط 1386 هـ 1996 م، 4/ 177.
(6)
رواه مسلم في صحيحه، في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث رقم 1631.
وقد حمل العلماء الصدقة الجارية المستمرة الثواب بعد الموت المذكورة في الخبر على الْوَقْف
(1)
. وقال البغوي: "هذا الحديث يدل على جواز الْوَقْف على وجوه الخير واستحبابه، وهو المراد من الصدقة الجارية"
(2)
، وقال النووي: "قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خَلَّفَه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف
…
"
(3)
، وقال زكريا الأنصاري:"الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الْوَقْف"
(4)
، وذكر علي الملا القاري أن معني "جارية: يجري نفعها فيدوم أجرها؛ كالوقف في وجوه الخير
…
"
(5)
.
(1)
شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (المسمى إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم)، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، تحقيق: د يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط 1، 1419 هـ / 1998 م، 5/ 373، وكفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان، دار الخير - دمشق، ط 1، 1994 م، 1/ 304، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، 2/ 458، وسبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 4، 1379 هـ. 1990 م، 3/ 87، ونيل الأوطار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، 6/ 28، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية - المدينة المنورة، ط 2، 1388/ 1968 م، 8/ 86، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، 4/ 521.
(2)
شرح السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي دمشق / بيروت، ط 2، 1403 هـ. / 1983 م، 1/ 300.
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1392 هـ. 11/ 85.
(4)
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، 2/ 458.
(5)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن علي بن سلطان محمد نور الدين الملا الهروي القاري، دار الفكر، بيروت - لبنان، ط 1، 1422 هـ / 2002 م، 1/ 453.
ب) وأيضا ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصاب أرضًا بخَيْبَرَ
(1)
، فأتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ أرضا بخيبر لم أُصِبْ مالًا قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال:"إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدَّقتَ بها"، قال: فتصدّق بها عمر؛ أنه لا يباع أصلها ولا يُبتاع، ولا يورث، ولا يوهب، قال: فتصدّق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضعيف، لا جناح على متوليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يُطعم صديقًا غير متموّل فيه
(2)
"
(3)
.
قال ابن بطال: "هذا الحديث أصل في إجازة الحبس والوقف"
(4)
، وقال ابن عبد البر بعد إيراده لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"وبه يَحْتَجُّ كُلُّ من أجازَ الأحباس"
(5)
، وقال الفِنْدَلَاوي المالكي:"والحديث فيه أدلة؛ أحدها: أن قوله حبّس الأصل يقتضي منع بيعه وهبته، والثاني: أنّ عمر إنما قصد القرية، والثالث: ما كتبه بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يباع ولا يوهب"
(6)
، وقال النووي: "في هذا الحديث دليل
(1)
هذه الأرض يقال لها "ثمغ" بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة، وقد ورد التصريح باسمها في رواية البخاري كما في صحيحه، في الحديث رقم 2764.
(2)
غير متمول: غير متخذ منها مالًا؛ أي ملكًا، والمراد أنه لا يتملك شيئًا من رقابها، انظر: نيل
الأوطار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، 6/ 27.
(3)
صحيح البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الْوَقْف، حديث رقم 2737، وصحيح مسلم في كتاب الوصية، باب الْوَقْف، حديث رقم 1632، واللفظ له.
(4)
شرح صحيح البخاري لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد - الرياض، ط 2، 1423 هـ. / 2003 م، 8/ 194.
(5)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب، 1387 هـ، 1/ 213.
(6)
تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك على منهج العدل والإنصاف في شرح مسائل الخلاف، أبو الحجاج يوسف بن دواس بن عيسى الفتلاوي المغربي المالكي، تحقيق وتعليق: د. أحمد البوشيخي، دار الغرب الإسلامي - تونس، ط 1، 1430 هـ / 2009 م، 3/ 307.
على صحة أصل الْوَقْف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية"
(1)
، وقال ابن حجر:"حديث عمر هذا أصل في مشروعية الْوَقْف"
(2)
.
ج) حديث عثمان رضي الله عنه وفيه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة؛ فقال:"من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي"
(3)
، قال علي القاري: "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ السِّقَايَاتِ
…
"
(4)
.
د) حديث أبي هريرة رضي الله عنه رسالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا؛ فإنَّ شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات"
(5)
.
وذكر المُهَلب وغيره أن هذا الحديث دليل على جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين؛ ويستنبط منه وقف غير الخيل من المنقولات ومن غير المنقولات من باب أولى
(6)
.
(1)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، 11/ 86.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ، 5/ 402.
(3)
رواه الإمام أحمد في مسنده، 1/ 74، والترمذي في سننه، كتاب المناقب باب في مناقب عثمان رضي الله عنه، حديث رقم 3703، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه النسائي في سننه، كتاب الأحباس، باب وقف المساجد، حديث رقم 3608، وأخرجه البخاري تعليقا في كتاب الوصايا، باب إذا وقف بئرًا أو أرضًا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين.
(4)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن علي بن سلطان محمد نور الدين الملا الهروي القاري، 11/ 224، وانظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِي، فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي الزيلعي الحنفي، 3/ 331، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، 10/ 135.
(5)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ، حديث رقم 2698.
(6)
انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، 5/ 58 - 59، وفتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، 6/ 57.