الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: وقف الإقطاعات:
يطلق الإقطاع في اللغة على معانٍ منها: التمليك والإباحة، يُقال: أقطع الإمام الجند البلد إقطاعًا: جعل لهم غلتها رزقًا، والإقطاع اصطلاحًا: ما يقطعة الإمام؛ أي يعطيه من الأراضي رقبة أو منفعة لمن له حق في بيت المال
(1)
، وفي الإقطاع عند الإمامية: قال الشيخ الطوسي والعلامة الحلّي: هو منح الإمام لشخص من الأشخاص حقّ العمل في مصدر من مصادر الثروة الطبيعية، التي يعتبر العمل فيها سببًا لتملّكها أو اكتساب حقّ خاص فيها
(2)
.
ووقف الإقطاع يدور صحة وعدمًا على ثبوت الملكية وعدمه للواقف؛ فمن أثبتها له بوجه من الوجوه حكم بصحة وقف الإقطاع، ومن لم يثبتها لم يحكم بصحته، وعلى ذلك يكون في المسألة قولان:
القول الأول: ثبوت ملكية المقطع لما يقطع له، وبالتالي صحة وقفه. وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، حيث رأوا إنه إذا أقطع الإمام أرضًا لأحد كانت ملكًا له بمجرد الإقطاع، ومن ثم يجوز أن يتصرف في الأرض المقطعة له تصرّف الملاك ومنه الوقف، فذكر القرافي أنه: إذا أقطع الإمام أرضًا لأحد كانت ملكًا له، وإن لم يعمرها ولا عمل فيها شيئًا، يبيع ويهب ويورث عنه؛ لأنه تمليك مجرد
(3)
، ويرى الحنابلة أن من أقطعه الإمام شيئًا من الموات لم يملكه بذلك، لكن يصير أحق به؛ كالمتحجر للشارع في الأحياء، فلا يملكه بمجرد الإقطاع، فإن أحياه ملكه، وجاز له أن يقفه
(4)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 4/ 393، وشرح مختصر خليل للخرشي وبهامشه حاشية العدوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المالكي، 7/ 69.
(2)
انظر: المبسوط في فقه الإمامية، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، 3/ 273.
(3)
انظر: الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، 6/ 153.
(4)
انظر: المغني، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 8/ 162 - 164، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 4/ 194 - 195، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 195.
القول الثاني: وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت الأرض مواتًا أو ملكًا للإمام فأقطعها رجلًا، وهذا قول الحنفية، حيث ورد لديهم أن أغلب أوقاف الأمراء بمصر إنما هي إقطاعات، يجعلونها مشتراة صورة من وكيل بيت المال
(1)
، وسُئل الخصاف عن أرض أقطعها رجل فوقفها، فأجاب: إن كانت الأرض مواتًا فأقطعه إياها الإمام فالوقف جائز، وكذلك إن كانت أرضًا يملكها الإمام فأقطعها إنسانًا، وملكها إياه فوقفها فالوقف في ذلك جائز"
(2)
.
كما ورد لدى الإمامية أنه لا يجوز للإمام إقطاع الفرد ما يزيد على طاقته ويعجز عن استثماره، وهذا ما نصّ عليه العلّامة الحلّي في التحرير والتذكرة
(3)
.
فبالنسبة إلى معدن خام كالذهب، قد يرى الإمام من الأفضل أن تمارس الدولة استخراجه وإعداد الكميّات المستخرجة في خدمة الناس، ولكن قد يرى الإمام أن ذلك غير ممكن للدولة عمليًّا؛ لعدم توفر إمكانات الإنتاج الماديّة لاستخراج الكميّات الضخمة من قبل الدولة ابتداء، وحينئذٍ يرجّح أسلوبًا ثانيًا؛ وهو أن يسمح للأفراد أو للجماعات بإحياء منجم الذهب واستخراجه لتفاهة الكميات التي يمكن استخراجها، فيقرر الإمام هذا الأسلوب من الاستثمار للذهب من المصدر الطبيعي.
وقد ذكر صاحب الجواهر: لا خلاف في جواز الإقطاع في الإسلام ولا إشكال، "ضرورة كون الموات من ماله (أي من مال السلطان الذي هو المعصوم)، والذي هو مسلط عليه، مع أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم"
(4)
، وقال:"فقد قطع النبي عبد الله بن مسعود الدور، وأقطع وابل بن حجر أرضًا بحضرموت، وأقطع الزبير حضر غرسه (أي عدوه)، وأقطع بلال بن الحارث العقيق"
(5)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 4/ 393 - 394.
(2)
أحكام الأوقاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بالخصاف، 34.
(3)
انظر: تذكرة الفقهاء، كتاب إحياء الموات، الشرط الخامس من شروط الإحياء، 2.
(4)
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، 38/ 54.
(5)
المرجع السابق، 38/ 55.
وذكر صاحب الجواهر أيضًا أنّ الإقطاع إنما يصح في المعادن أو الأرض التي تحتاج إلى إحياء، فيعمل لأجل الحصول على معدن لم يكن حاصلًا، أو يعمل لإحياء أرض ميّتة، أمّا إذا كان المعدن ظاهرًا أو الأرض محياة فلا يصح فيها الإقطاع.
وكونها من الأنفال في خبر إسحاق بن عمّار المروي عن تفسير علي بن إبراهيم
(1)
: سألت أبا عبد الله عن الأنفال فقال: هي التي خربت
…
إلى أن قال: والمعادن منها، وفي المرسل عن الصادق
(2)
: أنه سئل عن الأنفال فقال: منها المعادن والآجام، والناس مسلطون على أموالهم خصوصًا بعد ما في بعض نصوص
(3)
الأنفال: "إن ما كان لله فهو لرسوله؛ يضعه حيث شاء، وكذلك الإمام"، ومن أن مورد الإقطاع الموات باعتبار كونه كالتحجير، وقد عرفت أنه لا تندرج فيه المعادن، ولو لما ستسمع من أن المشهور كون الناس فيها شرعًا؛ فلا وجه لإقطاعها حينئذٍ"
(4)
.
ثم قال صاحب الجواهر: "إن الإمام الذي هو معصوم حسب اعتقادنا يصح له أن يقطع الموات، وكذا المحيي، وذلك لاطلاعه على المصالح الواقعيّة فهو ليس مجتهدًا، فالإقطاع للميت يسمى إحياء، والإقطاع للحيّ يصح وإن لم يسم إقطاعًا"
(5)
.
نعم؛ المجتهد الذي هو وليّ الإمام ونائبه قد يتمكن من إقطاع الموات دون المحيي. فالإقطاع: هو أسلوب من أساليب استثمار المواد الخام الميّتة (الباطنة)، ولا يشمل الثروة الطبيعية الظاهرة، والإقطاع لا يكون سببًا لتملّك الفرد المقطَع له المصدر الطبيعي الذي أقطعه الإمام إيّاه، بل إن المقطع له له حقّ استثمار المورد الطبيعي، والحق هو أن يكون له العمل في ذلك المورد الطبيعي من دون أن يزاحمه أحد في انتزاعه منه والعمل فيه بدلا منه، قال العلامة الحلّي: وإن الإقطاع يفيد
(1)
وسائل الشيعة باب 1 من الأنفال، ج 20، من كتاب الخمس.
(2)
المرجع السابق، باب 1 من الأنفال، ح 28 من كتاب الخمس، وهو خبر أبي بصير عن الباقر.
(3)
المرجع السابق، باب 1، من الأنفال، ح 1 و 10 و 12.
(4)
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، 38/ 101 - 102.
(5)
المرجع السابق، 38/ 103.
الاختصاص"
(1)
، وقال الشيخ الطوسي في المبسوط:"إذا أقطع السلطان رجلًا من الرعية قطعة من الموات؛ صار أحقّ بها من غيره بإقطاع السلطان بلا خلاف"
(2)
.
فالفرد من حين إقطاع الإمام له أرضًا أو شيئًا من المعدن وحتى يمارس العمل، وهي الفترة التي يحتاجها للاستعداد وتهيئة الشروط اللازمة التي تتخلل بين الإقطاع والبدء في العمل، ليس له أي حق سوى العمل في تلك المساحة المحددة من الأرض أو ذلك الجزء من المنجم الذي فيه المعدن، فلا يجوز له بيعها أو نقلها بثمن.
وهذه الفترة يجب ألا تطول، فإن سومح وكانت الفترة طويلة أدى ذلك إلى إعاقة الاستثمار للمصادر الطبيعية، ولكن إذا أخّر المقطَع له العمل لمدة طويلة فيقول الشيخ الطوسي في المبسوط:"إن أخَّر الإحياء قال له السلطان: إما أن تحييها، أو تخلّي بينها وبين غيرك حتى يحييها، فإن ذكر عذرًا في التأخير واستأجل في ذلك؛ أجّله السلطان، وإن لم يكن له عذر في ذلك وخيّره السلطان بين الأمرين فلم يفعل؛ أخرجها من يده"
(3)
.
وبعد ممارسة الفرد للعمل في الأرض أو المعدن، فقد حلّ العمل محل الإقطاع، وزال الإقطاع، فأصبح للفرد حقًّا في الأرض أو المعدن، وهو العمل الذي وقع عليها أو فيها.
وذكر السيّد الشهيد الصدر أن الوقف مع الإقطاع يشترك في أمور:
1.
عدم الملكية للعين.
2.
لا يباع ولا يورث.
(1)
قواعد الحكام، للحلِّي، طبعة حجرية، 221.
(2)
المبسوط في فقه الإمامية، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، 3/ 273، وجواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، 38/ 112.
(3)
المبسوط في فقه الإمامية، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، 3/ 273، وجواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، 38/ 112.