الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحتّى إذا صار مشهور الإمامية معترفًا بالشخصية الحقوقية ووجد دليل عليها إلا أن الأشكال في صحة وقف السهم الذي هو كليّ في ذمة الشركة، فإنّ هذا السهم لا يمثّل ملكًا مشاعًا في عين خارجية، ولا يمثّل وقف ماليّة عين خارجية بحيث يمكن أن تبدّل إلى شيء آخر أو يمكن أن تقرض ويرجع بدلها ليقرض مرّة ثانية، بل هو عبارة عن وقف ما في الذمّة.
ووقف ما في الذمة أمر مرفوض عند الإمامية، وذلك لعدم صحة وقف ما هو في الذمّة الذي هو أمر كليّ وليس عينا خارجية، فالدليل قد دلّ على صحة وقف الأعيان الخارجية "سواء كانت مشاعة أو معيّنة في الخارج" لقول رسول الله:"حبّس العين وسبّل الثمرة".
القول الثاني: عدم جواز وقفها؛ لأنها لا تقبل القسمة
(1)
.
وسبق أن سبب منع هؤلاء لوقف المشاع الذي لا يقبل القسمة هو دفع الضرر عن الشريك فيما لو رغب في البيع أو المناقلة أو عمارة ملكه، وهذا غير وارد في الأسهم، إذ يمكنه التخلص منها متى رغب في ذلك، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فتكون المسألة متفقا على جوازها.
ب) الحالة الثانية: إذا كان الواقف ممن يمتهن التداول في الأسهم بيعا وشراءً طلبا للربح لا غير، ووقف أسهمه على هذا الأساس، فالأقرب أن تخرج على وقف النقود
(2)
، لسهولة تسييل الأسهم، ولأن غرض الواقف هو تثمير نقوده، والأسهم عنده عرض من العروض.
ولا يخفى أن النقود التي تكلم عنها الفقهاء قديمًا غير النقود المعروفة لدينا اليوم، فهي قديمًا من الذهب والفضة المصكوكة غالبا، وهي الدراهم والدنانير؛ ولذا خرّج الشافعية والحنابلة حكم وقفها على حكم كرائها وإجارتها، ولعل ذلك كان معمولا به عندهم.
أما اليوم فلا يتصور تأجير النقود المتداولة بين الناس، بل لا يتصوره الناس أصلًا.
(1)
انظر: حاشية الدسوقي: 4/ 76.
(2)
وقد سبق خلاف العلماء في وقف النقود، وأن لهم في ذلك قولين مشهورين؛ الأول: منع وقف النقود، وهو قول جمهور العلماء. الثاني: الجواز، وهو قول متأخري الحنفية، وهو مذهب المالكية ومن وافقهم من الشافعية والحنابلة.
ج) ثمرة الخلاف بين الحالتين:
إن في الحالة الأولى، وهي حالة اقتناء الأسهم بغرض التملك في أصول الشركة، لا يُجوّز بيع الأسهم الموقوفة ما دامت تدر ريعا والشركة قائمة وإن قلت أرباحها أو انخفضت قيمة أسهمها في السوق؛ لأن منافع العين لم تتعطل كلية، ولم يصبح الموقوف خربًا لا ينتفع به في شيء، وهذا مذهب جماهير العلماء قديمًا وحديثا في منع بيع الموقوف أو استبداله ما دامت منافعه قائمة.
ولكن متى بعد الوقف في هذه الحالة خربًا أو تعطلت منافعه حتى يجوز بيعه واستبداله؟
ذكر بعض الباحثين أن المعيار في ذلك هو انخفاض القيمة السوقية عن القيمة الاسمية إذا تعذر تعويض الخسائر، "وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ما دام هناك ارتفاع قيمة الأسهم الاسمية عن قيمتها السوقية فالوقف يعتبر عامرًا، لكن إذا كان هناك انخفاض القيمة السوقية عن القيمة الاسمية ولا يكون هناك إمكان تعويض الخسائر، فيمكننا أن نعتبر الوقف حينئذ خربًا؛ لكونه تعطلت منافعه ولا يدر أي ريع ليصرف إلى المستحقين"
(1)
.
ولا يخفى أن هذا الضابط ينتقض بما إذا كان شراء الأسهم بأكثر من قيمتها الاسمية.
والضابط في ذلك أنه ما دامت الشركة توزع أرباحًا فلا يعد الوقف خربًا ولا تعطلت منافعه، ولكن قد يقل الريع ولا يفي بحاجات الموقوف عليهم، فعلى الناظر هنا استشارة أهل الخبرة العدول في استبدال الوقف، ولعل مما يساعد على اتخاذ موقف سليم مراعاة المؤشرات الآتية:
1.
توقف الشركة عن توزيع الأرباح أو ما هو في حكمه.
2.
تراكم الديون والعجز المستمر في الميزانية.
3.
تراجع المركز المالي للشركة وتدني سمعتها.
(1)
النوازل الوقفية، الميمان، 65.
فإذا وجدت المؤشرات السابقة وأشار أهل الخبرة الموثوقون يبيع أسهم الشركة جاز استبدال أسهمها بأسهم أخرى.
أما في الحالة الثانية: إذا كان شراء الأسهم بغرض التجارة فيها وتداولها، فيجوز بيع الأسهم الموقوفة حسب الأصول المرعية في التداول، طلبا لزيادة الأرباح، أو حدًّا للخسائر، على أن يوزع الريع على المصارف ويشترى بأصل المال أسهم أخرى.
ولا يخرج هذا على حكم استبدال الأعيان الموقوفة؛ لأن الموقوف هنا حقيقة نقود يتجر فيها ناظر الوقف، فله البيع والشراء كلما أتيحت فرصة زيادة الأرباح وتكثير الغلة، أو للتقليل من الخسائر بسبب انخفاض قيمة السهم.
فالمسألة هنا أقرب إلى استثمار أموال الوقف في الأسهم من وقف الأسهم ذاتها.