الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث شرط أن يكون الموقوف مملوكًا للواقف
لا خلاف بين الفقهاء في أن الوقف لا يلزم إلا إذا كان الموقوف ملكًا للواقف؛ لأن الوقف تصرف يخرج الموقوف من ملك صاحبه؛ حقيقة أو حكمًا، عاجلًا أو آجلًا، في مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، والإمامية
(5)
، والزيدية
(6)
.
وعليه فلا يصح الوقف ولا يلزم بوقف المباحات قبل تملكها؛ مثل: الأراضي الموات، وشجر البوادي والغابات، وحيوان الصيد في بيئته؛ لأن الوقف إما إسقاط كالإعتاق، وإما تبرع كالهبة، وكل منهما لا يكون إلا بعد الملك.
وقد ذكر الفقهاء جملة من المسائل تحت هذا الشرط؛ منها: الأولى: اشتراط الملك الباتِّ قبل الوقف، والثانية: وقف الفضولي، والثالثة: وقف الإرصاد، والرابعة: وقف أراضي الإقطاع، وهي مسائل مدرجة في مباحث أخرى في مدونة أحكام الوقف.
أولًا: مسألة وقف العين المرهونة في دين:
لا خلاف بين العلماء في صحة وقف الراهن ماله المرهون إذا كان بإذن من المرتهن
(7)
.
واختلفوا في حكم وقفه بغير إذن المرتهن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة الوقف إذا كان الراهن موسرًا، ويجبره القاضي على دفع ما عليه، فإن مات عن وفاء عاد المال إلى الجهة التي وُقف عليها، وإن كان معسرًا بطل الوقف وبيع فيما عليه، وهو مذهب الحنفية
(8)
، وهو قياس قول الزيدية، قال في
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 497.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي، 4/ 76.
(3)
انظر: مغني المحتاج، الشربيني، 2/ 378.
(4)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 16/ 368.
(5)
انظر: المبسوط، الطوسي، 3/ 286، وشرائع الإسلام، الحلي، 2/ 443.
(6)
انظر: البحر الزخار، المرتضي، 5/ 149.
(7)
انظر: بدائع الصنائع، الكاساني، 6/ 146، وحاشية الدسوقي، 3/ 241، والمهذب، الشيرازي، 1/ 414، وكشاف القناع، البهوتي، 3/ 334.
(8)
انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف، 34، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 397.
عيون الأزهار: "ويصح (أي الوقف) فرارًا من الدَّين ونحوه"
(1)
، قالوا: لأن الرهن مال الراهن وهو ملكه، فيجوز له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات المباحة، فإذا وقفه صح؛ لصدوره من أهله ومصادفته محله، وإنما فرقنا بين الموسر والمعسر لملاحظة حق المرتهن
(2)
.
القول الثاني: عدم صحة وقف الراهن للرهن، وهو قول المالكية
(3)
، والمذهب عند الشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
، والأقوى عند الإمامية
(6)
، وهو الذي يظهر من مذهب الإباضية
(7)
.
قال الدردير من المالكية: "وشرطه (أي الموقوف) ألا يتعلق به حق الغير، فلا يصح وقف مرهون، ومؤجر، وعبد جان حال تعلُّق حق الغير به"
(8)
.
وقال النووي من الشافعية: "فرع: وقف المرهون باطل على المذهب"
(9)
.
وقال شمس الدين بن قدامة الحنبلي: "إذا تصرف الراهن في الرهن بغير رضا المرتهن بغير العتق؛ كالبيع والهبة والوقف والرهن .. ونحوه؛ فتصرفه باطل"
(10)
.
(1)
انظر: السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 335.
(2)
انظر: المختارات الجلية من المسائل الفقهية، السعدي، 81.
(3)
انظر: جواهر الإكليل، عبد السميع الأبي، 2/ 80 - 81، وحاشية الدسوقي، 4/ 77.
(4)
انظر: التنبيه في الفقه الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، عالم الكتب، القاهرة، 1/ 404.
(5)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1414 هـ/ 1994 م، 3/ 574.
(6)
انظر: فقه الإمام جعفر، محمد جواد مغنية، دار الأندلس، بيروت، 1956، 5/ 62.
(7)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، سلطنة عمان، دار التراث القومي، 1401 هـ / 1988 م، 11/ 147 - 148.
(8)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، 4/ 77.
(9)
روضة الطالبين، النووي، 4/ 78.
(10)
الإنصاف، المرداوي، 12/ 411.
وورد في كتاب النيل من كتب الإباضية: "ولا يصح لراهن في رهنة بيع ولا هبة ولا إصداق أو إكراء أو قسمة إن شورك فيه"، قال شارحه:"فبطل كل عقد عقده الراهن فيه حتى يفكه من المرتهن"
(1)
.
وقال الطبطبائي من الإمامية: "الشرط السابع: ألا يكون متعلقًا لحق الغير المانع من التصرف، فلا يصح وقف العين المرهونة قبل فكها على الأقوى"
(2)
.
واستدلوا بما يأتي:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار"
(3)
، ووجه الاستدلال: أن في وقف الراهن للمال المرهون ضررًا بيِّنًا على المرتهن؛ لضياع حقه من التوثيق، فبطل لأجل ذلك
(4)
.
2 -
أن في القول بصحة وقف الراهن للمال المرهون إبطالا لحق المرتهن، والرهن في حقيقته إثبات لدين المرتهن، حتى يختص به فيقدم على الغرماء عند المزاحمة ويأمن فوات الدين، وفي القول بإبطال وقف المال المرهون حفظا لحق المرتهن.
3 -
أن من شرط الموقوف أن يكون متمحض الملك للواقف، منفكًا عن تعلق حق للغير به، والمال المرهون قد تعلق به حق المرتهن، فلا يجوز وقفه إلا بإذنه
(5)
.
القول الثالث: صحة وقف الراهن للرهن، وهو قول عند المالكية "وتعود العين بعد افتكاكها من الرهن إلى الموقوف عليهم"
(6)
، وهو وجه عند الشافعية
(7)
،
(1)
النيل وشفاء العليل وشرحه، محمد بن يوسف أطفيش، 11/ 147 - 148.
(2)
تكملة العروة الوثقى، محمد كاظم الطبطبائي، 1/ 207.
(3)
مستدرك الحاكم، 2/ 66، وسنن الدارقطني، 3/ 77، والسنن الكبرى، البيهقي، 6/ 69، وقال:"وللحديث شواهد عن ابن عباس وعائشة وجابر وأبي هريرة وغيرهم، وبمجموع طرقه وشواهده يصح".
(4)
انظر: أموال الوقف ومصرفه، عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان، وزارة الأوقاف السعودية، 236.
(5)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء، وزارة الأوقاف السعودية، 16/ 145.
(6)
شرح الزرقاني على مختصر خليل، 7/ 75.
(7)
انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي، الشيرازي، 1/ 413.