الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: عدم جواز وقف البذور، وهو مذهب الجمهور، وهو قول متقدمي الحنفية
(1)
، وقول عند المالكية
(2)
، وهو مذهب الشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
دليله: أن من شرط الوقف الدوام؛ بتحبيس أصله وتسبيل منفعته، وهذه لا يُنتفع بها إلا بإتلاف عينها، وذلك ينافي التأبيد.
ثانيًا: حكم وقف الطعام الذي ليس له بدل:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم جواز وقف الطعام، وهو مذهب جماهير العلماء، فهو مذهب الحنفية
(5)
، وقول عند المالكية
(6)
، ومذهب الشافعية
(7)
، والحنابلة
(8)
، والإمامية
(9)
، والزيدية
(10)
، ومقتضى مذهب الظاهرية؛ إذ سبق نقل قول أبي محمد بن حزم فيما يجوز وقفه، والطعام ليس منها
(11)
.
قال ابن الهمام الحنفي: "وأما وقف ما لا ينتفع به إلا بالإتلاف - كالذهب والفضة والمأكول والمشروب - فغير جائز في قول عامة الفقهاء"
(12)
.
وقال القرافي المالكي: "ويمتنع وقف الطعام؛ لأن منفعته في استهلاكه، وشأن الوقف بقاء العين"
(13)
.
(1)
انظر: بدائع الصنائع، الكاساني، 6/ 220.
(2)
انظر: الذخيرة، القرافي، 6/ 315.
(3)
انظر: المهذب، الشيرازي، 1/ 575.
(4)
انظر: الكافي، ابن قدامة، 3/ 573.
(5)
انظر: بدائع الصنائع، الكاساني، 6/ 220.
(6)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، ابن شاس، 3/ 32.
(7)
انظر: المهذب، الشيرازي، 1/ 575.
(8)
انظر: الهداية، أبو الخطاب 1/ 207.
(9)
انظر: المبسوط، السرخسي، 3/ 288.
(10)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضي، 5/ 151 - 152.
(11)
انظر: المحلى بالآثار، ابن حزم، 9/ 176.
(12)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 216.
(13)
الذخيرة، القرافي، 6/ 315.
وقال الماوردي الشافعي في بيان ما يجوز وقفه: "وقولنا: (مع بقائها المتصل) احتراز من الطعام، فإنه يُنتفع به، ولكنه سلف بالانتفاع"
(1)
؛ أي أن رده يكون من باب رد السلف وليس الوقف، وورد في المنهاج للنووي الشافعي في بيان شروط الموقوف:"والموقوف دوام الانتفاع به، لا مطعوم وريحان"
(2)
.
وقال الخرقي الحنبلي: "وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف - مثل الذهب والورق والمأكول والمشروب - فوقفه غير جائز"
(3)
.
وقال الكركي من الإمامية: "ولا وقف الطعام واللحم والشمع؛ لأن منفعة هذه المطلوبة منها عرفا إنما تكون بإتلافها
…
وكذا كل ما لا يُنتفع به إلا بإتلافه لا يصح وقفه"
(4)
.
وقال أحمد بن يحيى من الزيدية: "ولا يوقف ما يتعذر الانتفاع به مع بقائه؛ لتعذر معنى الوقف فيه"
(5)
.
وجاء في فتاوى الخليلي لدى الإباضية: عن ضابط ما يجوز وقفه: "هو كل مال متملك فيه منفعة، بحيث تبقى عينه وينتفع بمنفعته، فما كان له ريع فإنه يوقف لأجل أن يكون ريعه ملكًا للجهة الموقوف لها، بينما العين تبقي غير متملكة لأحد بعد أن خرجت عن ملكية صاحبها الواقف وصارت وقفًا، فلا تباع ولا تشترى ولا توهب ولا ترهن ولا يتصرف فيها أي تصرف"
(6)
.
(1)
الحاوي الكبير، الماوردي، 7/ 517 - 518.
(2)
المنهاج مع تحفة المحتاج، ابن حجر، 5/ 356 - 358.
(3)
مختصر الخرقي مع المغني، ابن قدامة، 8/ 229.
(4)
جامع المقاصد، الكركي، 9/ 58.
(5)
ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار الحسن بن أحمد الجلال، 6/ 91.
(6)
الفتاوي، الخليلي، 4/ 97.
القول الثاني: جواز الوقف وصحته، وهو قول عند الحنفية
(1)
، وهو مذهب المالكية
(2)
، وبه قال الأوزاعي من فقهاء السلف
(3)
، واختاره ابن تيمية من الحنابلة
(4)
.
قال ابن الهمام الحنفي: "وعن الأنصاري - وكان من أصحاب زفر - فيمن وقف الدراهم أو الطعام أو ما يُكال أو ما يوزن أيجوز ذلك؟ قال: نعم، قيل: وكيف؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة، ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه، وما يكال وما يوزن يباع ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة"
(5)
.
قال خليل من المالكية؛ تعقيبًا على قول ابن الحاجب المالكي: "ولا يصح وقف الطعام": "نحوه في الجواهر، وعلله بأن منفعته لا تكون إلا باستهلاك عينه، وإنما يكون الوقف مع بقاء الذوات لينتفع بها مع بقاء عينها، وفيه نظر"
…
إلى أن قال: وفي المدونة في كتاب الزكاة جواز وقف الدراهم والدنانير لتسلف، وقد ذكره المصنف، فالطعام ينبغي أن يكون كذلك"
(6)
.
دليله: القياس على صحة وقف الماء، وهو مما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه، ويشهد له وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة، وقد جرى عمل المسلمين على وقف العيون والآبار للشرب، فكذلك الطعام.
ووقف الطعام ليس المقصود منه وقف عينه؛ إذ لو كان كذلك لتعين منعه؛ لأنه تحجير من غير منفعة تعود على أحد، وذلك مما يؤدي إلى فساد الطعام، المؤدي إلى إضاعة المال.
(1)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 216.
(2)
انظر: مواهب الجليل، الحطاب، 6/ 22.
(3)
ذكره عنه ابن قدامة في المغني، 8/ 229.
(4)
انظر: الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، 5/ 424.
(5)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 216.
(6)
توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي، دار الفكر العربي، ط 1، 1428 هـ/ 2008 م، 7/ 280 - 281.