الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما اختلفوا فيما يعدُّ مالًا يجوز وقفه.
ونبّه السالمي من الإباضية إلى تحقق النفع المراد من الوقف، فمنع وقف الحَب على طيور الحرم؛ لأنها تؤذي الناس في الحرم، وقال إن:"هذا الوقف غير صحيح؛ لما بلغني وصحَّ عندي بالشهرة أن طيور مكة تؤذي المسجد؛ لشدة قاذوراتها، فلا ينبغي أن يتعرض لتأهيلها هنالك، بل ينبغي أن تُترك وشأنها؛ حتى تخرج في كسب معيشتها؛ فيقل بذلك ضررها"
(1)
.
ثانيًا: وقف المنافع:
سبق بحث مالية المنافع، وعرفنا هناك رأي الجمهور القاضي بأن المنافع أموال، وخالفهم في ذلك الحنفية
(2)
.
وسنبحث هنا وقف المنافع كأهم مسألة تحدث عنها المعاصرون في أحكام الموقوف في السنوات الأخيرة.
لم يختلف العلماء في جواز وقف المنافع التابعة للأعيان، وإنما اختلفوا في وقف المنافع استقلالًا، ولهم في ذلك قولان:
القول الأول: عدم صحة وقف المنافع استقلالًا، وهذا مذهب الحنفية
(3)
، وهو قول عند المالكية
(4)
، وهو مذهب الشافعية
(5)
، والحنابلة
(6)
، والظاهرية
(7)
،
(1)
جوابات السالمي، عبد الله بن حميد السالمي، مكتبة نور الدين السالمي، مسقط، عمان، 3/ 455.
(2)
انظر: "ثالثًا: مالية المنافع" في المبحث الأول من هذا الفصل.
(3)
انظر: مجمع الأنهر، داماد أفندي، 1/ 738.
(4)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، السعدي المالكي.
(5)
انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبو بكر (المشهور بالبكري) عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط 1، 1418 هـ / 1997 م، 3/ 158.
(6)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 16/ 369.
(7)
انظر: المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت، 9/ 175.
والزيدية
(1)
، والإمامية
(2)
، وهو قول عند الإباضية
(3)
.
قال المرغيناني الحنفي في تعريف الوقف حكاية عن أئمة المذهب: "قال أبو حنيفة: وهو في الشرع: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة بمنزلة العارية، وقال الصاحبان: حبس العين على حكم ملك الله تعالى"
(4)
.
وقال ابن شاس من المالكية: "لا يجوز وقف الدار المستأجرة"
(5)
، وقال ابن الحاجب من المالكية:"يصح في العقار المملوك لا المستأجر"
(6)
؛ أي لا يجوز وقف منفعة العين وحدها.
وقال العمراني من الشافعية: "ويصح الوقف في كل عين يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ كالدور والأرضين والثياب والأثاث والسلاح والكراع"
(7)
، وقال الهيتمي في التحفة:"ولا يصح وقف المنفعة وإن ملكها مؤبدًا بالوصية"
(8)
.
وقال ابن قدامة من الحنابلة: "وجملة ذلك أن الذي يجوز وقفه ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلًا يبقى بقاء متصلًا"
(9)
.
(1)
انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، دار ابن حزم، ط 1، 3/ 314.
(2)
انظر: المبسوط، الطوسي 3/ 287.
(3)
أخذًا من قولهم بعدم جواز الوصية بالمنافع؛ لأنها معدومة، ولا تصح الوصية في شيء معدوم غير متملك. انظر: كتاب الإيضاح، الشماخي، 4/ 470.
(4)
الهداية في شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني أبو الحسن برهان الدين، تحقيق: طلال يوسف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 6/ 205.
(5)
عقد الجواهر الثمينة، السعدي المالكي، 3/ 32.
(6)
جامع الأمهات، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس أبو عمرو جمال الدين بن الحاجب الكردي المالكي، تحقيق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخضري، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1421 هـ/ 2000 م، 448.
(7)
البيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، تحقيق: قاسم محمد النوري، دار المنهاج، جدة، ط 1، 1421 هـ/ 2000 م، 8/ 60.
(8)
تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج على ترتيب المنهاج للنووي، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، تحقيق: عبد الله بن سعاف اللحياني، دار حراء، مكة المكرمة، ط 1، 1406 هـ، 6/ 237.
(9)
المغني، ابن قدامة، 8/ 231.
وقال ابن حزم الظاهري في تعداد ما يجوز وقفه: "الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها، وفي المصاحف والدفاتر، ويجوز أيضًا في العبيد والسلاح والخيل في سبيل الله عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك، ولا يجوز في شيء غير ما سبق"
(1)
.
وفي البحر من كتب الزيدية: "يُشترط في العين الموقوفة صحة الانتفاع بها مع بقاء عينها"
(2)
.
وقال الحلي من الإمامية: "لا يصح وقف المنفعة من دون العين، ولا يجوز وقف المنافع، فمن ملك منافع الأعيان دون رقابها كالمستأجر والموقوف عليه، فوقف تلك المنافع لم يصح"
(3)
.
وقال الثميني من الإباضية في التاج: "وجاز وقف الأصول، وفي غيرها خلاف، كفاس ومسحة ورحي وقدر وكتاب ومصحف وما تجري به المعاملة
(4)
، وجاز حبس السلاح والكراع للجهاد؛ لا بيع الموقوف ولا تمليكه"
(5)
.
أدلة القول: استدل القائلون بعدم جواز وقف المنافع بما يأتي:
1 -
أن وقف المنفعة تصرف في الرقبة على الجملة؛ إما بالحبس أو إزالة الملك، ولا ملك له
(6)
.
2 -
أن الرقبة أصل، والمنفعة فرع، والفرع يتبع الأصل
(7)
.
(1)
المحلى بالآثار، ابن حزم، 9/ 175.
(2)
البحر الزخار، المرتضى، 4/ 150.
(3)
شرائع الإسلام، الحلي، 2/ 212.
(4)
انظر: التاج، الثميني، 6/ 106.
(5)
التاج، الثميني، 6/ 106.
(6)
الوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، ط 1، 1417 هـ، 4/ 240.
(7)
انظر: مغني المحتاج، الشربيني، 2/ 512.
3 -
أن بقاء الموقوف واستمرار الانتفاع به شرط لصحة وقفه؛ لأن الوقف إنما يراد للدوام؛ ليكون صدقة جارية، والمنافع لا بقاء لها؛ إذ لا ينتفع بها إلا بإتلافها باستيفائها شيئًا فشيئًا، فهي كالشيء الذي يتسارع إليه الفساد والفناء
(1)
.
القول الثاني: صحة وقف المنافع المملوكة وحدها، وهو المذهب عند المالكية
(2)
، وهو قول عند الإمامية
(3)
، والإباضية
(4)
، وعليه رأي أكثر المجامع الفقهية وفتاوى المجامع الفقهية
(5)
.
قال خليل المالكي في مختصره: "صحَّ وقف مملوك وإن بأجرة"
(6)
، والمملوك بأجرة هي المنفعة، وقال بهرام في الشامل:"ويصح وقف المملوك ولو منفعة"
(7)
.
وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي: "هـ - يجوز وقف المنافع والخدمات والنقود نحو خدمات المستشفيات والجامعات والمعاهد العلمية، وخدمات الهاتف والكهرباء ومنافع الدور والجسور والطرق"
(8)
.
(1)
انظر: فتح العزيز بشرح الوجيز (وهو الشرح الكبير: شرح لكتاب الوجيز في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي)، عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني، دار الفكر، بيروت، 2/ 252.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي، 4/ 76.
(3)
انظر: شرائع الإسلام، الحلي، 2/ 444، وإن كان الإمامية يجعلون وقف المنفعة دون العين حبسًا أو تحبيسًا، وليس وقفًا، فهم يفرقون بين الوقف والحبس؛ فالوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، أما التحبيس فهو حبس المالك منفعة العين على شخص أو أشخاص محصورين، أو جهة معينة يصح الوقف عليها؛ كالفقراء والحجاج والزوار والعلماء أو سبيل الله، من دون إخراج العين عن ملك المحبس، فانحبس عندهم يختلف عن الوقف في بعض أحكامه؛ منها: عدم انتقال ملكية العين، وعدم اشتراط التأبيد في الحبس، بخلاف الوقف.
(4)
أخذًا من قولهم بجواز الوصية بالمنافع؛ لأنها أموال. انظر: الإيضاح، عامر بن علي الشماخي، وزارة التراث القومي والثقافي، سلطنة عمان، 4/ 470.
(5)
انظر: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومنتدى قضايا الوقف الفقهية.
(6)
مختصر خليل، 220.
(7)
الشامل في فقه الإمام مالك، 2/ 853.
(8)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة عشرة، 1429 هـ/ 2009 م.