الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن الحنفية صرَّحوا بأن كسب المكاتب لا يحتمل التبرع
(1)
.
ويقول المالكية: شرط الْوَقْف أن يكون الواقف من أهل التبرع
(2)
.
وصرح الإمامية بعدم جواز التبرع من المكاتب، فقد ذكر الحلي أن: المكاتب كالحر في التصرفات، إلا فيما فيه تبرع أو خطر؛ فلا ينفذ عتقه ولا هبته
(3)
.
والوقف تبرع عند هؤلاء الفقهاء جميعًا
(4)
.
القول الثاني: جواز وقف المكاتب بقيود وشروط، وهو مذهب الزيدية والظاهرية.
فقد صرّح الزيدية أن للمكاتب قبل الوفاء حكم الحر في تصرفاته وعقوده، فإذا وقف كان ذلك موقوفًا على عتقه، فإن عنق نفذ وقفه، وإن رق بطل
(5)
.
وتقتضي عبارات الظاهرية أن وقف المكاتب صحيح نافذ ما لم يعجزه سيده وينتزع ماله، فذكر ابن حزم أن: العبد في جواز صدقته وهبته وبيعه وشرائه كالحر، والأمة كالحرة ما لم ينتزع سيدهما مالهما
(6)
.
الفرع الرابع: الاختيار:
قال ابن عابدين: الاختيار: هو القصد إلى الشيء وإرادته، والرضا: هو إيثاره واستحسانه
(7)
.
(1)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 4/ 145.
(2)
انظر: بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 4/ 101.
(3)
انظر: تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف بن علي المطّهر المعروف بالحلي، 4/ 236.
(4)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، 5/ 203، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 75.
(5)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر، صنعاء، 1414 هـ / 1993 م، 3/ 401.
(6)
انظر: المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، المسألة رقم (1398)، 7/ 195.
(7)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 4/ 507 وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي، علاء الدين عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري الحنفي، 4/ 383.
واختلف الفقهاء في اشتراط الاختيار على قولين:
القول الأول: يشترط لصحة الْوَقْف أن يكون الواقف مختارًا، فلا يصح الْوَقْف من مكره بغير حق. وهو قول المالكية، والشافعية والحنابلة، والزيدية، والإمامية واستدلوا بقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
(1)
؛ ولأنه في حالة الإكراه ليس صحيح العبارة، ولا أهلًا للتبرع ولا لغيره، إذ ما يقوله لأجل الإكراه لغو منه
(2)
.
وهو ما يؤخذ من عبارات الحنابلة في باب الطلاق، قال ابن قدامة:"لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع"
(3)
، وقال ابن القيم:"والله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرهًا؛ لما لم يقصد معناها ولا نواها، فكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مكرهًا؛ لا يلزمه شيء من ذلك؛ لعدم نيته وقصده"
(4)
.
(1)
سنن ابن ماجة، ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، دار إحياء الكتب العربية (باب: طلاق المكره والناسي) حديث رقم (2013).
(2)
انظر: بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 4/ 101، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 77، وتحفة الحبيب على شرح الخطيب (حاشية البجيرمي على الخطيب)، سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِي المصري الشافعي، دار الفكر، 1415 هـ / 1995 م، 3/ 243، وحواشي تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، عبد الحميد الشرواني، أحمد بن قاسم العبادي، 6/ 236، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، دار الكتاب الإسلامي، 1/ 575، والبحر الزخار الجامع المذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، دار الكتاب الإسلامي، 5/ 150، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، لمحمد بن جمال الدين المكي العاملي، وزين الدين الجبعي العاملي، 3/ 177 ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة السيد محمد جواد الحسيني العاملي، 21/ 550، وتحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف بن علي المطهر المعروف بالحلي، 3/ 295 - 296.
(3)
المغني، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 10/ 350، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 8/ 439.
(4)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم الجوزية، دار الجيل، بيروت، 1973 م، 3/ 51.
وقال الإمامية: "ولا يصح وقف المكره، وإجازته بعد زوال عذره كإجازة المالك وقف الفضولي على إشكال، والراجح عندهم عدم صحة وقف المكره مطلقًا؛ أي لا يصح حتَّى بعد زوال الإكراه؛ فقد نصوا على أن وقف الفضولي لا يصح، وإن أجاز المالك"
(1)
، وقال الحكيم:"ولو وقف المالك مكرهًا لم ينفذ وقفه برضاه بعد ذلك"
(2)
.
القول الثاني: أن تصرفات المكره قولًا منعقدة، إلا ما يحتمل الفسخ منه؛ كالبيع والإجارة، أما ما لا يحتمل الفسخ منه كالطلاق والنكاح والعتاق فهو لازم
(3)
، وهذا مذهب الحنفية، قال الزيلعي: فلو أُكره على بيع أو شراء أو إقرار أو إجارة بقتل أو ضرب شديد أو حبس مديد؛ خُيِّر بين أن يمضي البيع أو يفسخ؛ لأن الإكراه الملجئ وغير الملجئ يعدمان الرضا، والرضا شرط لصحة هذه العقود؛ قال الله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}
(4)
، فتفسد عند فوات الرضا
(5)
.
وألحق علي حيدر الْوَقْف بالتصرفات القولية التي تحتمل الفسخ؛ حيث ذكر أنه لا يعتبر البيع الذي وقع بإكراهٍ معتبر، ولا الشراء ولا الإيجار ولا الاستئجار ولا الهبة ولا الصدقة ولا الفراغ (أي فراغ الأراضي الأميرية والأراضي التي يتصرف بها بالإجارتين من المستغلات)، ولا الصلح ولا الإقرار بالمال والإقرار بالعقد والإقرار بالطلاق والإقرار بالرضاع، والإبراء عن مال (أي الإبراء عن الحقوق)، ولا تأجيل الدين ولا إسقاط الشفعة، ولا قبول الكفالة والوقف والرهن، ولا يكون لازمًا؛ أي يكون منعقدًا ونافذًا وقابلًا للفسخ، فجاء في مجلة الأحكام العدلية: "والمكره إذا
(1)
تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف بن علي المطّهر المعروف بالحلي، 3/ 295 - 296.
(2)
منهاج الصالحين، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، وبهامشه التعليق عليه للسيد محمد باقر الصدر، 2/ 305.
(3)
انظر: المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، 24/ 56.
(4)
سورة النساء، آية 29.
(5)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ، فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي الزيلعي الحنفي، الحاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس بن إسماعيل بن يونس الشِّلْبيُّ، 5/ 182.