الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يجوز أن يعمّرها (الأوقاف) من مال نفسه بقصد الاستيفاء من المذكورات"
(1)
؛ أي منافع الوقف أو منذوراته.
سادسًا: كما يجوز الاقتراض لتعمير الأوقاف في عهدتها (لا في ذمّة نفسه)، فذكر صاحب العروة أنه: يجوز الاقتراض لتعمير الأوقاف في عهدتها (لا في ذمة نفسه)، لكن لابدّ من إعلام المقرض أنّ القرض على المسجد أو على المدرسة مثلًا (لا في ذمة المقترض)، وكون العهدة على مثل المسجد اعتبار عقلائي صحيح، فكما يصح اعتبار المسجد أو المدرسة مالكًا للموقوفات عليه أو المنذورات له في نظر العقلاء كذلك يصح اعتبار كون شيء في عهدته
(2)
، كما ذكر أنه:"يجوز أن يقترض في عهدة الزكاة ووجوه البرِّ، ثم يصرف في التعمير أو البنّاء، ثم يأخذ من أحدهما (أي من الزكاة أو وجوه البرّ) بعد ذلك"
(3)
.
دليل هذا القول: استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1 -
عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره"
(4)
.
2 -
قالوا: إنه لما لم يجز لهم البيع قبل الاختلال، فكذلك بعد الاختلال كالعبد المعتق لا يجوز له بيعه بكل حال
(5)
.
رابعًا: تقديم عمارة الوقف على غيرها:
بعد أن عرفنا أن جهة الإنفاق على عمارة الوقف هي الغلة إذا كان للوقف غلة، بقي أن نبين أن عمارته مقدمة على غيرها من مستحقي الغلة، وذلك أن ترك عمارة الوقف وصيانته يؤدي إلى هلاك العين الموقوفة وفسادها، فلا يتحقق مقصد الواقف
(1)
ملحقات العروة الوثقي، الطبطبائي، 2/ 268.
(2)
انظر: المرجع السابق، 2/ 268.
(3)
المرجع السابق، 2/ 268 - 269.
(4)
صحيح البخاري، 2764.
(5)
انظر: شرح مختصر المزني، أبو الطيب الطبري، 6/ 110.
وهو صرف الغلة على الدوام حتى تكون صدقة جارية على التأبيد، فقد اتفق الفقهاء على أن عمارة الوقف مقدمة على غيرها سواء شرط الواقف تقديمها أم لا؟
(1)
.
فذكر صاحب الهداية أن: الواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط، لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا، ولا تبقى دائمة بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء
(2)
.
وقال ابن عابدين: "يبدأ بالتعمير الضروري حتى لو استغرق جميع الغلة صرفت كلها إليه، ولا يعطي أحد، ولو إمامًا أو مؤذنًا"
(3)
. قال: "وعبارة الفتح: وتقطع الجهات الموقوف عليها للعمارة إن لم يخف ضرر بيّن، فإن خيف قدم ا. هـ. أي: أن يخاف بقطعه ضرر بيّن كإمام ونحوه يقدم. أي على بقية المستحقين ممن ليس في قطعهم ضرر بين لا على العمارة فافهم"
(4)
.
وقال الخرشي: "لا يتبع شرط الواقف عدم البداء بإصلاح ما انثلم من الوقف، فلا يجوز اتباعه، لأنه يؤدي إلى بطلان الوقف من أصله، بل يبدأ بمرمة الوقف وإصلاحه، لأن في ذلك البقاء لعينه والدوام لمنفعته"
(5)
.
وقال الشربيني: "تقدم عمارة الموقوف على حق الموقوف عليهم؛ لما في ذلك من حفظ الوقف"
(6)
.
وقال ابن مفلح: "وتقدم عمارته على أرباب الوظائف"
(7)
.
(1)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 221، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4/ 90، وروضة الطالبين، النووي، 5/ 359، ومغني المحتاج، الشربيني، 2/ 393، والمبدع، ابن مفلح، 5/ 338.
(2)
انظر: الهداية، المرغيناني، 3/ 17.
(3)
رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 370.
(4)
المرجع السابق، 4/ 368.
(5)
شرح الخريشي، 7/ 93.
(6)
مغني المحتاج، الشربيني، 2/ 393.
(7)
الفروع، ابن مفلح، 4/ 600.
ولم يقل أحد من العلماء بتقديم أي جهة على عمارة الوقف إذا كان الوقف محتاجًا إلى العمارة حتى ولو اشترط الواقف في وقفه أن تقدم الجهة على العمارة خاصة إذا كان في ترك العمارة ضرر أو تعطيل؛ ولذلك قال المالكية: "لو شرط الواقف أنه يبدأ من غلته بمنافع أهله ويترك إصلاح ما تهدم منه أو يترك الإنفاق عليه إذا كان حيوانًا بطل شرطه، وتجب البداءة بمرمته والنفقة عليه من غلته لبقاء عينه"
(1)
.
وقال المناوي الشافعي في بيان أحوال عمارة الوقف: "الثالث: أن يشترط تقديم الجهة عليها فيجب العمل به ما لم يؤد إلى تعطيل أو لحوق ضرر وإلا قدمت العمارة فيكون عقد الوقف مخصصًا للشرط"
(2)
.
وكذلك قال الحارثي الحنبلي في بيان أحوال عمارة الوقف: "الثاني: اشتراط تقديم الجهة عليها فيجب العمل بموجبه ما لم يؤد إلى التعطيل، فإن أدي إليه قدمت العمارة، فيكون عقد الوقف مخصصًا للشرط"
(3)
.
لكن العلماء ذكروا بأنه متى ما أمكن الجمع بين المصلحتين وجب الجمع بينهما حسب الإمكان، فقال ابن تيمية:"إذا أمكن الجمع بين المصلحتين بأن يصرف ما لا بد من صرفه الضرورة أهله وقيام العمل الواجب بهم وأن يعمر بالباقي كان هذا هو المشروع. وإن تأخر بعض العمارة قدرا لا يضر تأخره، فإن العمارة واجبة، والأعمال التي لا تقوم إلا بالرزق واجبة، وسد الفاقات واجبة، فإذا أقيمت الواجبات كان أولى من ترك بعضها"
(4)
.
وقال الرحيباني الحنبلي: ويتجه هذا الجمع بين العمارة وأرباب الوظائف بما إذا احتيج إلى عمارة شرعية، كحائط مسجد ومدرسة وسقفهما فيعاد ذلك بلا تزويق بنفس وصبغ وكتابة وغيره
(5)
.
(1)
حاشية الدسوقي، 4/ 90.
(2)
تيسير الوقوف، المناوي، 2/ 216.
(3)
الإنصاف، المرداوي، 7/ 72.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 31/ 210.
(5)
مطالب أولى النهى، السيوطي الرحيباني، 4/ 343.