الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حكم وقفهم، فقد صرَّح الحنفية بصحته، فذكر ابن عابدين أن: جميع أهل الأهواء بعد كونهم من أهل القبلة، حكم وقفهم ووصاياهم حكم الإسلام، فإن قبول شهاداتهم على المسلمين حكم بإسلامهم
(1)
.
الفرع السابع: نفاذ التصرف:
يشترط الفقهاء في الواقف أن يكون مطلق التصرف بمعنى أن لا يكون هناك ما يمنع نفاذ تصرفه، وهذا المانع إما أن يكون بسبب السفه، وإما أن يكون بسبب الفلس، أو يكون بسبب مرض الموت، وفي جميع الأحوال إما أن يكون الوقف قبل الحجر عليه، أو بعده، وسيتم تناول هذه المسائل، على النحو الآتي:
أولًا: وقف السفيه قبل الحجر عليه:
السفيه عند العلماء هو الذي ينفق أمواله في وجوه لا تتفق مع العقل والشرع، فيكون بذلك مبذرا متلافا
(2)
، ولا أثر للعدالة والفسق فيه، وهو رأي جمهور الفقهاء.
وقال الشافعية، وهو قول لأحمد: إن السفيه هو المبذر في ماله والفاسد في دينه
(3)
.
والحجر في اللغة: المنع، قال ابن منظور: وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه؛ أي: منعته من أن يوصل إليه، وكل ما منعت منه فقد حجرت عليه، وكذلك حجر الحكام على الأيتام: منعهم، والحجر: مصدر، حجر عليه القاضي يحجر حجرًا إذا منعه من التصرف في ماله
(4)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 6/ 201.
(2)
انظر: أحكام الوصايا والأوقاف، محمد مصطفى شلبي، 346.
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي)، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، 13/ 378.
(4)
انظر: لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، مادة (حجر) 4/ 165.
والحجر في الاصطلاح: هو المنع من التصرفات المالية، وهو قول جمهور الفقهاء
(1)
، وعند الحنفية: هو منع من نفاذ تصرف قولي لا فعلي؛ إذ الفعل بعد وقوعه لا يتصور حجره
(2)
.
واختلف الفقهاء في وقف السفيه قبل الحجر عليه على قولين:
القول الأول: وقف السفيه قبل الحجر عليه صحيح نافذ كالرشيد، وهو قول المالكية في المعتمد، والشافعية، وأبي يوسف من الحنفية
(3)
.
قال القرطبي من المالكية: "اختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه: فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم إن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الإمام على يده، وهو قول الشافعي وأبي يوسف، وقال ابن القاسم من المالكية: أفعاله غير جائزة وإن لم يضرب عليه الإمام، واحتج سحنون لقول مالك بأنه لو كانت أفعال السفيه مردودة قبل الحجر ما احتاج السلطان أن يحجر على أحد"
(4)
.
(1)
انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 2/ 205، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 3/ 416، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني، 2/ 165، والمغني، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 6/ 593.
(2)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 5/ 89، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي الحاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس بن إسماعيل بن يونس الشِّلبِيُّ)، فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي الزيلعي الزيلعي الحنفي، 5/ 190.
(3)
انظر: المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، 24/ 175، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 3/ 397، وبلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 3/ 388، وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، 2/ 377، وحواشي تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، عبد الحميد الشرواني، أحمد بن قاسم العبادي، 5/ 169.
(4)
الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط 2، 1384 هـ/ 1964 م، 5/ 30.
ونصت المادة (991) من مجلة الأحكام العدلية على أن: "تصرفات السفيه القولية بعد الحجر في المعاملات غير صحيحة، ولكن تصرفاته قبل الحجر نافذة كتصرفات سائر الناس".
وهذا ما يؤخذ من عبارات الحنابلة
(1)
، والإمامية في وجه
(2)
، فقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة:" (لا ينظر في أموالهما) أي مال من سفه أو جن بعد بلوغه رشده وحجر عليه (إلا الحاكم)؛ لأن الحجر عليهما يفتقر إلى الحاكم، وفكه كذلك، فكذا النظر في مالهما".
(3)
القول الثاني: وقف السفيه باطل وإن لم يحجر عليه القاضي، وهو مذهب محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية، وابن القاسم من المالكية، والإمامية، والزيدية
(4)
.
قالت الزيدية: لا ينفذ وقف المحجور ماله، بل يبقي موقوفًا على رفع الحجر، إما بسقوط الدين، أو من الحاكم لمصلحة أو بإجازة الغرماء؛ لأن من شروط الواقف: إطلاق التصرف
(5)
.
وقال الإتقاني من الحنفية في إشارات الأسرار: "ثم عند محمد (يعني ابن الحسن) يصير (السفيه) محجورا بدون القضاء؛ لأن علة الحجر السفه وهي متحققة"
(6)
.
(1)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 3/ 452.
(2)
انظر: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، محمد بن جمال الدين المكي العاملي، وزين الدين الجبعي العاملي، 4/ 106 - 107.
(3)
كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 3/ 452.
(4)
انظر: المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، 24/ 175، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 3/ 397، وبلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 3/ 388 - 389، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، محمد بن جمال الدين المكي العاملي، وزين الدين الجبعي العاملي، 4/ 106 - 107، والتاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، 3/ 283.
(5)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، 3/ 283.
(6)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلبِيِّ، فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي الزيلعي الحنفي، 5/ 195.