الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقفت هذه الدار على أولادي؛ فبعد انقراض الأولاد تصرف الغلة في الفقراء، واستدلوا لعدم اشتراط النص على التأبيد أن لفظ الوقف يتضمن التأبيد، فلا حاجة للتنصيص عليه
(1)
.
القول الثاني: ذهب محمد بن الحسن الحنفي إلى أنه يشترط النص على التأبيد في صيغة الوقف؛ وبخاصة إذا وقف على جهة تتقطع؛ كالوقف على الأولاد، ففي هذه الحالة لابدَّ من النص على التأبيد، وإلا كان الوقف غير مؤبد
(2)
.
سابعًا: الصيغة المؤقتة:
الصيغة المؤقتة في الوقف: هي التي تتضمن تأقيت الوقف بمدة معينة؛ كأن يقول الواقف: وقفت داري هذه على طلبة العلم الشرعي لمدة سنة، أو وقفت داري هذه على فلان وأولاده لمدة عشر سنين، فما حكم ذلك؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:
(1)
انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، 12/ 41، المحيط البرهاني، محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري برهان الدين مازه، 6/ 111، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، محمد أمين الدمشقي الحنفي المعروف بابن عابدين، 4/ 349، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، أبو محمد جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المالكي، 3/ 997، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (حاشية البجيرمي على الخطيب)، سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَميّ المصري الشافعي، 3/ 250، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 4/ 294، وشرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار، أبو الحسن عبد الله بن مفتاح، 3/ 461، والبحر الزخار الجامع المذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضي، 5/ 154، وشرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي، 2/ 246 - 248.
(2)
انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، 12/ 47، المحيط البرهاني، محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري برهان الدين مازه، 6/ 111، والهداية شرح بداية المبتدي، أبو الحسن برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، 3/ 15.
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والحنابلة، والشافعية في الأصح، والإمامية في القول الأقوى .. إلى أن الوقف المؤقت باطل؛ لأن الوقف إخراج مال على وجه القربة، فلم يجز إلى المدة، كالعنق والصدقة
(1)
.
وقيد الحنفية ذلك بما إذا اشترط الواقف مع التأقيت حقه في استرجاع العين الموقوفة بعد انتهاء الوقت الذي حدده الواقف؛ كأن يقول: داري هذه صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين لمدة سنة، على أن ترجع إلى ملكي بعد ذلك.
أما إذا لم يشترط الواقف مع التأقيت استرجاع العين الموقوفة بعد مضي المدة؛ فقد اختلف فقهاء الحنفية في ذلك على قولين:
أحدهما: ما ذهب إليه هلالُ الرأي من أن الوقف صحيح والتأقيت باطل، حيث قال: أرأيت إذا قال: أرضي هذه صدقة موقوفة لله أبدًا شهرًا، فإذا مضى ذلك الشهر فهي مطلقة؟ قال: الوقف باطل لا يجوز، وعلل ذلك بأن الواقف لما قال موقوفة شهرًا، فلم يشترط بعد السنة فيها شيئًا، فلما لم يشترط ذلك؛ كانت موقوفة أبدًا، وهذا بمنزلة: صدقة موقوفة على فلان، ولم يزد عن ذلك، وإذا مات فلان كان للمساكين، وهي موقوفة أبدًا.
(1)
انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، 12/ 41، والهداية شرح بداية المبتدي، أبو الحسن برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، 3/ 15، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري، أبو بكر بن علي بن محمد الحداد اليمني، 1/ 335، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، 8/ 67، والوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، 4/ 246، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، 5/ 325، والمغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، 6/ 26، والمبدع شرح المقنع، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، 5/ 165، وشرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلى، 2/ 246 - 248.
وثانيهما: ما ذهب إليه الخصاف من أن الوقف باطل؛ لأن من قال: صدقة موقوفة سنة، ولم يزد على هذا؛ فلم يجعله مؤيدًا
(1)
.
واستدلوا لعدم صحة الوقف المؤقت بما يأتي:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حبّس الأصل، وسبّل الثمرة"
(2)
، وفي رواية أخرى:"حبّس أصلها، وسبّل ثمرها"
(3)
، وفي رواية ثالثة:"حبيس ما دامت السموات والأرض"
(4)
، وفي رواية رابعة:"تصدق بثمره، واحبس أصله، لا يباع ولا يورث"
(5)
.
فهذه العبارات تؤكد على التأبيد وعدم صحة الوقف المؤقت؛ لأن حبس الأصل يدل على التأبيد، فلو جاز تأقيته؛ لأصبح عرضة للرجوع عنه، وهذا يتناقض مع معنى الحبس، ولأن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وهذا يؤكد أيضًا معنى التأبيد؛ لأنه لو جاز التأقيت لجاز بيعه وهبته وتوريثه.
2 -
ولأن الوقف إخراج مال على وجه القرية، فلم يجز إلى المدة؛ كالعتق والصدقة.
(1)
انظر: أحكام الوقف، هلال بن يحيى بن مسلم الرأي، 86، وأحكام الأوقاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بالخصاف، 127.
(2)
سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، رقم (4456)، 4/ 187، البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، 7/ 99.
(3)
سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، رقم (4479)، 4/ 193، وصحح إسناده ابن الملقن في: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، 7/ 99.
(4)
سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، رقم (4478)، 4/ 192، نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم، بيروت، طـ 1، 2000 م، 6/ 27.
(5)
سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، رقم (4456)، 4/ 187.
3 -
ولأنه لو جاز الوقف المؤقت لأدى ذلك إلى أن يكون المسجد موقوفًا إلى مدة، وبعدها يصير سكنًا أو غير ذلك، وهذا لا يجوز
(1)
.
القول الثاني: ذهب المالكية والشافعية في قول ابن سريج، والإمامية في قول، والإباضية في وقف غير المسجد؛ إلى أن الوقف المؤقت صحيح، وينتهي بانتهاء الوقت
(2)
.
واستدلوا لذلك بما يأتي:
1 -
أنه لما جاز للواقف أن يتقرب بكل ماله وببعضه؛ جاز له أن يتقرب به في كل الزمان، وفي بعضه، وقال ابن سريج: وإن قيل: فهذه عارية وليست وقفًا، قيل له: ليس كذلك، فإن العارية يرجع فيها، وهذه لا رجعة فيها
(3)
.
(1)
انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، 12/ 41، والهداية شرح بداية المبتدي، أبو الحسن برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، 3/ 15، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري، أبو بكر بن علي بن محمد الحداد اليمني، 1/ 335، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، 8/ 67، والوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، 4/ 246، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، 5/ 325، والمغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، 6/ 26، والمبدع شرح المقنع، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، دار عالم الكتب، الرياض، 1423 هـ/2003 م، 5/ 165، وشرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي، 2/ 246 - 248.
(2)
انظر: جامع الأمهات، أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب الكردي، 449، والفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني المالكي، أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي الأزهري المالكي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط 3، 1374 هـ/ 1955 م، 2/ 225، والحاوي في فقه الشافعي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهير بالماوردي، 7/ 521، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، 8/ 67، الوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، 4/ 246، والإيضاح، عامر بن علي الشماخي، 4/ 253 - 254.
(3)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهير بالماوردي، 7/ 521.
2 -
ولأن الواقف على نيته في ماله، ولكل امرئ ما نوى، كما جاء في الحديث:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"
(1)
.
القول الثالث: ذهب أبو يوسف من الحنفية في رواية عنه، وهلال الرأي، والزيدية إلى أن الوقف صحيح، والتأقيت باطل
(2)
، وهو مقتضى مذهب الظاهرية
(3)
.
القول الرابع: ذهب بعض الشافعية - ومنهم إمام الحرمين - إلى أنه يفرق بين ما إذا كان تأقيت الوقف يتعلق بما يحتاج إلى قبول، وبين ما لا يحتاج إلى قبول
(4)
، فإذا كان التأقيت يتعلق بما لا يحتاج إلى قبول؛ كالوقف على الفقراء والمساكين .. فإن الوقف صحيح والشرط باطل، أما إذا كان التأقيت يتعلق بما يحتاج إلى قبول؛ كالوقف على فلان وذريته لمدة معينة؛ فإن الوقف باطل.
قال النووي: لو قال: وقفت سنة؛ فالصحيح الذي قطع به الجمهور أن الوقف باطل، وقيل: الوقف الذي لا يشترط فيه القبول، لا يفسد بالتوقيت؛ كالعتق، وبه قال الإمام الجويني ومن تابعه
(5)
.
(1)
الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه المعروف بصحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، رقم (1).
(2)
انظر: المحيط البرهاني، محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري برهان الدين مازه، 6/ 125، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، محمد أمين الدمشقي الحنفي المعروف بابن عابدين، 4/ 349 و 351، والبحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضي، 5/ 152.
(3)
انظر: المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، 8/ 149 - 152.
(4)
انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب، أبو المعالي ركن الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني الملقب بإمام الحرمين، 8/ 354.
(5)
انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، 5/ 325.