الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأصل أنه لا يجوز لناظر الوقف أن يستدين على الوقف، إلا أن الفقهاء استثنوا حالة الضرورة الملحة لمصلحة الوقف عن هذا الأصل، فأجازوا للناظر أن يستدين على الوقف إذا كانت هناك ضرورة تقتضي ذلك وما لا يكون منه بد، على أن يرجع به في غلة الوقف عند حصولها، فقال هلال:"إذا احتاجت الصدقة إلى العمارة وليس في يد القيم ما يعمرها، فليس له أن يستدين عليها؛ لأن الدين لا يجب ابتداء إلا في الذمة، وليس للوقف ذمة، والفقراء وإن كانت لهم ذمة إلا أنهم لكثرتهم لا تتصور مطالبهم، فلا يثبت الدين باستدانة القيم إلا عليه، ودين يجب عليه لا يملك قضاءه من غلة هي على الفقراء"
(1)
، وعن الفقيه أبي جعفر: أن القياس هذا، لكن يترك القياس فيما فيه ضرورة
(2)
، وقال الحصكفي:"لا تجوز الاستدانة على الوقف إلا إذا احتيج إليها المصلحة الوقف"
(3)
.
ب) شروط الاستدانة لمصلحة الوقف:
اختلف الفقهاء القائلون بجواز الاستدانة لمصلحة الوقف في شروط جوازها:
فذهب الحنفية في المختار والشافعية إلى أنه يجوز للقيم أن يستدين على الوقف للمصلحة بإذن القاضي ويرجع في غلة الوقف
(4)
، فقال ابن نجيم:"الاستدانة على الوقف لا تجوز إلا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف؛ كتعمير وشراء بذر، فتجوز بشرطين: الأول: إذن القاضي، والثاني: ألا يتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها، كما حرره ابن وهبان، وليس من الضرورة الصرف على المستحقين"
(5)
.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، 5/ 226 - 227.
(2)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، 5/ 226 - 227.
(3)
رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 4/ 439.
(4)
انظر: فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، 6/ 240، وغمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، 2/ 223 - 224، وحواشي تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، عبد الحميد الشرواني، أحمد بن قاسم العبادي، 6/ 289.
(5)
غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، 2/ 223 - 224.
وقال ابن حجر الهيتمي: "ووظيفته (أي الناظر) عند الإطلاق: الإجارة والعمارة، وكذا الاقتراض على الوقف عند الحاجة، لكن إن شرط له الواقف أو أذن له القاضي"
(1)
.
وذهب المالكية والحنابلة
(2)
إلى أنه يجوز للناظر الاستدانة على الوقف من غير إذن الحاكم للمصلحة؛ كشرائه للوقف نسيئة أو بنقد لم يعينه؛ لأن الناظر مؤتمن مطلق التصرف، فالإذن والائتمان ثابتان، فقال الدسوقي من فقهاء المالكية:"وله (أي الناظر) أن يقترض لمصلحة الوقف من غير إذن الحاكم، ويصدق في ذلك"
(3)
.
ويظهر من خلال تتبع نصوص فقهاء الحنفية أن حقوق الدائنين لا تتعلق بريع الوقف مباشرة، باعتبار أن الدين لا يثبت إلا في الذمة والوقف ليس له ذمة، فقد جاء في تنقيح الفتاوى الحامدية من كتب الحنفية:"المصرح به أن الوقف لا ذمة له، وأن الاستدانة من القيم لا تثبت الدين في الوقف؛ إذ لا ذمة له، ولا يثبت الدين إلا على القيم، ويرجع به على الوقف، وورثته تقوم مقامه في الرجوع عليهم في تركة الميت، ثم يرجعون في غلة الوقف بالدين على المتولي الجديد"
(4)
.
"فكأنما تصور القائلون بذلك أن الذمة لا تكون إلا لشخص طبيعي من أفراد الناس، وهم في الوقت نفسه يرون أن الوقف تثبت الحقوق شرعًا له، وعليه فالتجأوا إلى هذا التخريج واتخذوا من ذمة المتولي الشخصية جسرًا، لكنهم وقعوا فيما تهربوا منه فقد أثبتوا في النهاية للمتولي ولورثته من بعده حق الرجوع في مال الوقف، وليس معنى هذا إلا أن الوقف يستحق عليه فيكون مدينًا للمتولي، فيجب أن تكون له ذمة، فلماذا لا يكون مدينًا لصاحب الحق الأصلي مباشرة، على أن للفقهاء
(1)
حواشي تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، عبد الحميد الشرواني، أحمد بن قاسم العبادي، 6/ 289.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 89، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 4/ 333، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 4/ 267.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 89.
(4)
العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 222.