الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛
فهذه المدونة الفقهية لأحكام الوقف الإسلامي تصدرها الأمانة العامة للوقف في الكويت، وسيتضمن المدخل جانبين:
الجانب الأول: أهمية المدونات الفقهية والتعريف بمدونة أحكام الوقف الفقهية
.
الجانب الثاني: تاريخ الوقف عبر العصور.
الجانب الأول أهمية المدونات الفقهية والتعريف بمدونة أحكام الوقف الفقهية
نشأت فكرة المدونات الفقهية، بادئ ذي بدء، في سياق التطور النوعي لعمليات صياغة الفقه الإسلامي وإحكام موضوعاته؛ بما يلبي احتياجات الأمة اليومية من هذه الأحكام.
وقد عرفت البيئات العلمية مدونات الفقه مع عصر التدوين؛ إذْ كانت مدونة الإمام مالك بن أنس باكورة الإنتاج الفقهي الإسلامي في هذا السياق، وقد كان من أهَمِّ دوافع وضعها: صيانة الجهود من التشتُّت، وتسهيل سُبُل الوصول إلى الحكم الفقهي في المسألة الواحدة؛ سواء على صعيد المذهب الفقهي الواحد، أم المذاهب مجتمعة.
وتتميز المدونات الفقهية بكونها تُكسِبُ الفقه النظريَّ القابلية العملية للتطبيق، وتُصَدِّقُ على صلته الوثيقة بالحياة، فضلًا عن كون هذه المدونات تجمع بين نصوص الشرع وفقه المقاصد والأولويات، وبين فقه مراتب الأعمال وفقه المآلات، وهذه مزايا بطبيعتها لا تتوفَّر إلا في أعمال المدونات؛ لأن حاجات الواقع هي التي تقرر طبيعة العمل في المدونات، بل وتفرض تجديدها بين الحين والحين كلما دعت الحاجة.
وتعكس المدونات الفقهية بطبيعتها روح التجرد في تمحيص الأحكام الفقهية قبل تدوينها، وتدقيق دراستها وإعادة النظر فيها، وضبط منهجية ترجيح بعضها على بعضٍ فيما لو وُجِدَتْ أحكامٌ أخرى تعارِضها، أو المفاضلة بين بعض الأحكام فيما لو
ترتَّبَتْ عليها أيَّةُ آثارٍ مفضيةٍ إلى أحكام أخرى، فيحصل الإحكام في صياغة الأحكام وتقويتها وتسديدها، وتخليصها مِمّا خالطها من تفصيلات لم يعد تداولها مستساغًا بحكم الواقع الأكثر حاجة إلى الاجتهاد والتجديد بما يغطِّي احتياجات الحياة، وهذا في حَدِّ ذاته مؤشِّرٌ على الثراء الفقهي وحيوية الاجتهاد.
وباختصارٍ شديد، فإنَّ مدونات الأحكام الفقهية هي التي تعيد للفقه اعتباره لدى العامة والخاصة، بل إنها تعيده مرة أخرى إلى حياة الناس وقضايا واقعهم المعيش، بعيدًا عن الإغراق في التنظير والتفصيل.
وبدورها، تأتي مدوَّنةُ أحكام الوقف تعبيرًا عن تراكمات التنوع في الإنتاج الفقهي وثراء الآراء من مختلف المذاهب، وهو ما يُسهم في تعزيز معطيات القدرة على استئناف شعيرة الوقف؛ لدورها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مسنودةً بظهيرٍ فقهي لم يدع شاردةً ولا واردة إلا راعاها، وتطرق إليها، وعالج ما يتعلق بها من قضايا ومشكلات.
ومدونة أحكام الوقف تتفرد بمجموعة من السمات والخصائص المميزة لهذا العمل الحضاري لأسباب؛ منها:
أولًا: لأنها العمل العلمي الأول من نوعه على مرِّ تاريخ الفقه الإسلامي الذي ينشأ عن رغبة في ترويج ثقافة التآلُفِ المذهبي حول قضايا الوقف التي تقوم بها مصالح كُلٍّ من المجتمع والدولة والأمة، وبناء جسور التواصل المذهبي من خلال التأكيد على المسائل التي توافق حولها فقهاء المذاهب أجمعون.
ثانيًا: تُعَدُّ مدونة أحكام الوقف الفقهية تتويجًا لجهود الفقهاء عبر مختلف العصور، وتعزيزًا لكل اتجاه من شأنه تشكيل مناخ تشريعي متجدِّد في مجال الوقف، استنادًا لتلك الخبرة المتجذرة في تاريخ الفقه الإسلامي واجتهاداته المتراكمة في مختلف النوازل.
ثالثًا: أنَّ مدونة أحكام الوقف الفقهية في حَدِّ ذاتها هي بمثابة مقارَبَة علمية وفنية
بين الفقه والقانون، ومن ثمَّ، فإنَّ مجرد وجود مدونة بهذا المواصفات إنما تأتي مُعزِّزةً لجهود تقنين أحكام الوقف في مختلف البلدان العربية والإسلامية.
وبحكم ارتباط الأوقاف بكافة تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية وحتى السياسية وغيرها، الأمر الذي جعل كثيرا من أحكامها يشتبك مع كثيرٍ من القضايا الفقهية ومسائل النوازل والمستجدات اليومية عبر تاريخ الأمة المسلمة .. فكان الاتِّجاه إلى تدوين مختلف الأحكام الفقهية الوقفية ومسائلها وقضاياها، وتجميعها في سِفْرٍ واحِدٍ تيسيرًا للقضاة والمفتين والمحامين والمحتسبين وكافة المشتغلين بالعلوم الشرعية والقانونية، فضلًا عن كون هذه المدونة أحد أهم الضمانات الكفيلة؛ ليس بسلامة تطبيق أحكام الشريعة وسلامة إجراءات التقاضي في منازعات الأوقاف فحسب، بل وتضمن سلاسة الأحكام القضائية، وسلامة الاستشكالات القانونية والتظلمات المثارة حول قضايا الأوقاف؛ بما يضمن كذلك العدالة الناجزة في هذه القضايا.
وتأتي مدونة أحكام الوقف متضمنةً مدخلا، وثلاثة عشر فصلًا، وفهرسًا للأعلام والأماكن؛ إذْ يستعرض المدخل التمهيدي جوانب من تاريخ الوقف عبر مختّلف العصور البشرية، مُرَكِّزًا على تطور الوقف عبر العصور الإسلامية، ثم تأتي موضوعات المدونة الوقفية مفصلةً في ثلاثة عشر فصلًا، تتناول كافة ما يتعلق بتعريف الوقف، ومشروعيته، وأركانه إجمالًا، وحكمه، وحكمته ومقاصده، وصيغة الوقف وشروطها، والواقف وشروطه، والموقوف عليه وشروطه، وشروط الواقف، وألفاظ الواقفين ودلالتها، وتوثيق الوقف، والنظارة على الوقف، وإجارة الوقف، والإبدال والاستبدال، والمنازعات والدعاوي في الوقف، وانتهاء الوقف.
وقد رُوِعيَ أن يكون توزيع هذه الفصول مقارِبًا الأعراف التبويب الموضوعي لمباحث الوقف في الفقه والقانون، فالمدونة في مجموعها عبارة عن مقاربات فقهية تشريعية معنية بتقديم صياغاتٍ علميةٍ مُحْكَمةٍ، صالحة للتناول الفقهي والتداول العلمي والاستعمال التشريعي والقانوني بصفة عامة.