الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورجّح الصنعاني قبول وقف الذمي مستدلًا بأنه: "لا تلازم بين الصحة والقربة، ويؤيد ذلك صحة وقف المرائي وعنقه ولا قرية له، بل هو فاعل الإثم، وإن قيل: علة عدم الصحة أنه لا بدَّ من نية التقرب إلى الله تعالى بالوقف بمعزل عن ذلك، والعتق مثله، وقد ثبت أن الكفار كانوا يطعمون الطعام ويهبون الهبات ويعطون العطايا، ولم يرد نهي عن قبول ما يخرج من أيديهم إلى الغير
…
إلا أن يُقال: الوقف من الأوضاع الشرعية والقرب التي لم تشرع إلا للمسلم، بخلاف العتق؛ فإنه شرع قديم، فيُنظر، فعدم نفوذ وقف الكافر محل وقف"
(1)
.
(ب) وقف المرتد:
المرتد: الراجع عن دين الإسلام
(2)
.
واختلف الفقهاء في وقف المرتد على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تصرف المرتد بالوقف في ماله موقوف، فإن عاد إلى الإسلام نفذ وقفه، وإلا بطل، وهذا قول الشافعية والحنابلة، وصرّح الشافعية بأن محل جعل وقف المرتد موقوفًا قبل حجر الحاكم عليه، فإن كان بعد الحجر لم ينفذ مطلقًا
(3)
.
القول الثاني: وقف المرتد باطل، وهو مذهب المالكية، والزيدية، وأضاف المالكية أن ما وقفه المرتد قبل ردته، وحيز الموقوف قبل الرد فإن وقفه نافذ؛ سواء عاد
(1)
منحة الغفار حاشية ضوء النهار، محمد بن إسماعيل الأمير، مطبوعة بهامش ضوء النهار، 6/ 90 - 91.
(2)
انظر: فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، 6/ 86.
(3)
انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 5/ 79، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 301، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 6/ 181 - 182، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 10/ 339.
للإسلام أو مات على ردته، ومن أنشأ الوقف، وتأخر الحوز إلى أن ارتد الواقف ومات على ردته؛ بطل الوقف
(1)
.
ويؤخذ من عبارات فقهاء الإمامية أن المرتد سواء كان مرتدًا عن فطرة أم مرتدًا عن ملة؛ لا يصح وقفه
(2)
.
القول الثالث: الردة المقارنة للوقف لا تبطله بل يتوقف، بخلاف الردة الطارئة؛ فإنها تبطل الوقف بتًا، وهو مذهب الحنفية.
والردة المقارنة: كما لو وقف المرتد فقتل أو مات بطل وقفه ويصير ميراثًا، فإن أسلم صح وقفه عند الإمام، وعند محمد يجوز من المرتد ما يجوز من القوم الذين انتقل إلى دينهم.
والردة الطارئة: كما إذا ارتد المسلم وقد وقف قبل الردة؛ فإنه يبطل وقفه ويصير ميراثًا؛ سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام، إلا إن أعاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام.
وفرّق الحنفية بين ردة الرجل والمرأة؛ فذكروا أن: المرتدة يصح وقفها؛ لأنها لا تُقتل، بخلاف المرتد، إلا أنهم أبطلوا وقف المرتدة إذا كان على حج أو عمرة أو نحو ذلك
(3)
.
قال الطرابلسي: "لو وقف مسلم أرضه على المساكين أو في الحج عنه في كل سنة أو الغزو عنه أو في أكفان الموتى أو حفر القبور، وما أشبه ذلك مما يتقرب به إلى الله تعالى، ثم ارتد وقتل، أو مات على ردته .. بطل وقفه وصار ميراثًا عنه؛ لحبوط
(1)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 98، وبلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، 4/ 442، وشرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار، أبو الحسن عبد الله بن مفتاح، 3/ 459، والبحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، دار الكتاب الإسلامي، 5/ 150، والتاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، 4/ 465.
(2)
انظر: تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف بن علي المطّهر المعروف بالحلي، 5/ 389 - 391.
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، 4/ 342، 400.