الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية، والإباضية، والحنفية في المعتمد .. إلى أن وقف الأخرس الذي يُحسن الكتابة ينعقد بإشارته المفهومة؛ لأنه عند العجز عن النطق (الكلام) ينتقل إلى ما يقوم مقام النطق من الإشارة والكتابة، وهما في ذلك سواء، لا فرق بينهما في محل النطق
(1)
.
القول الثاني: ذهب بعض الحنفية إلى أن وقف الأخرس الذي يحسن الكتابة لا ينعقد بإشارته؛ لأنه عند العجز عن النطق يصار إلى الكتابة؛ لأنه يعرفها كل من قرأ؛ بخلاف الإشارة، فإنه لا يعرفها كل الناس، ولو كانوا يقرؤون؛ لأن في دلالتها اشتباه، فكانت أقوى منها في الدلالة، وتُقدَّم عليها
(2)
.
مسألة: الإيجاب بإشارة معتَقَل اللسان:
قال الحنفية: معتقل اللسان الذي احتبس لسانه بحيث لا يقدر على النطق
(3)
، وقال علي حيدر: "الخرس على نوعين: خرس أصلي، وخرس عارض .. والخرس العارض يسمى اعتقال اللسان، وهو يحدث للإنسان بمرض أو خوف أو سقوط من
(1)
انظر: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، 3/ 454، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، 4/ 299، والأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 312، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، 6/ 452، والبحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، 4/ 296، اللمعة الدمشقية، السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي، 3/ 222، ومسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن علي العاملي، 3/ 152، والإيضاح، عامر بن علي الشماخي، 5/ 201.
(2)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري، 2/ 267، والأشباه والنظائر، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم، 343 - 344.
(3)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده يعرف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، 2/ 733، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، محمد أمين الدمشقي الحنفي المعروف بابن عابدين، 6/ 737.
شاهق .. أو غير ذلك، وربما زال فانطلق اللسان"
(1)
، وقال السيوطي من الشافعية:"المعتقل لسانه واسطة بين الناطق والأخرس"
(2)
، وذهب الحنفية فيما عليه الفتوي، والحنابلة في وجه خرّجه ابن عقيل .. إلي أن معتقل اللسان يجوز وقفه بالإشارة إن دامت العُقْلة إلي وقت الموت، وإلا بطل
(3)
.
قال الطوري، في معرض الاستدلال علي عدم الاعتداد بإشارة معتقل اللسان في تصرفاته: لنا أن الإشارة إنما تقوم مقام العبارة إذا صارت معهودة، وذلك في الأخرس دون معتقل اللسان، حتى لو امتد ذلك وصارت إشارته معهودة صار بمنزلة الأخرس، وقَدّر مدة الامتداد في المحيط بشهر، وفي جامع الفصولين بستة أشهر، وقدّر التمرتاشي الامتداد بسنة، وذكر الحاكم أبو محمد روايةً عن أبي حنيفة فقال: إذا دامت العُقلة إلى وقت الموت؛ يجوز إقراره بالإشارة، ويجوز الإشهاد عليه؛ لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله، فكان كالأخرس، قال: وعليه الفتوى
(4)
، وقال السرخسي:"وإن اعتقل لسانه، لا ينفذ تصرفه بإشارته؛ لأنه لم يقع اليأس عن نطقه، وإقامة الإشارة مقام العبارة عند وقوع اليأس عن النطق لأجل الضرورة"
(5)
.
وذهب الحنابلة في المذهب، والثوري، والأوزاعي .. إلى أن معتقل اللسان لا يصح وقفه بالإشارة؛ لأنه غير مأيوس من نطقه، فلم يصح وقفه بإشارته، كالقادر على الكلام
(6)
.
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، المادة (70)، 1/ 71.
(2)
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 314.
(3)
انظر: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، 3/ 455، 268، والمغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، 8/ 511.
(4)
تكملة البحر الرائق، 8/ 544.
(5)
المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، 6/ 114.
(6)
انظر: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، 8/ 511، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 657.
وروى ابن أبي شيبة عن قتادة، عن خِلاس، أن امرأة قيل لها في مرضها: أوصي بكذا؛ فأومأت برأسها، فلم يُجزه علي بن أبي طالب
(1)
.
ويرى المالكية، والشافعية، وابن المنذر، والزيدية .. أن وقف معتقل اللسان بإشارته صحيح
(2)
.
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام: "وَأَمَّا إشَارةُ الْأَخْرَس الْمُفْهَمَة فَهيَ كَصَرِيح المِقِالِ إنْ فَهمَهَا جميع النَّاس، كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: كَمْ طَلَّقْت امْرَأَتَك؟ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِه الثَّلَاثِ، وَكَمْ أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِم؟ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الخَمْسِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَفْهَمُهُ النَّاسُ مَنْزِلَةَ الظَّوَاهِر، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَرَدَّدُ فِيهِ نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْكِنَايَاتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقِيلَ: لِفُلَان عَلَيْك أَلْفٌ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ؛ أَيْ نَعَم، أَوْ أَشَارَ بِرَأْسِهِ إلَى فَوْقٍ؛ أَيْ لا شَيْء لَه، وَكَذَا لَوْ قِيلَ له: قَتَلْتَ زَيْدًا؟ وكَذَلِكَ كِتَابَتُهُ تَقُوم مَقَامَ إِشَارَتِهِ"
(3)
.
وذكر الحطّاب في تعليقه على عبارة الباجي أن: "كل إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم منها البيع": وغير الأخرس كالأخرس، وأضاف:"كلام الباجي الذي ذكره ابن عرفة دالٌّ على ذلك، ونصه في المنتقى: وكل لفظ أو إشارة فهم منها الإيجاب والقبول؛ لزم بها البيع وسائر العقود"
(4)
.
(1)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 4/ 444.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 314، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، 4/ 229، والمغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، 8/ 115.
(3)
القواعد الكبرى الموسوم بـ (قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، 2/ 237.
(4)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، 4/ 229.