الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو اختل أحد الأمرين فإنه لا يكون مرض موت، فلا يكفي توفر أمر دون الآخر.
والوقف في مرض الموت لا يخلو إما أن يكون على غير وارث، وإما أن يكون على وارث.
وفي كلتا الحالتين إما أن يكون الواقف غير مدين، أو يكون مدينًا، وإذا كان الواقف مدينًا، إما أن يكون قد حجر عليه أو لا يكون محجورًا عليه، وفيما يأتي بيان هذه الحالات:
أ) وقف المريض غير المدين على غير الورثة:
اختلف الفقهاء في وقف المريض غير المدين على غير الورثة على قولين:
القول الأول: إذا وقف شيئًا من ثلث ماله على أجنبي عنه، أو على جهة من جهات البركان وقفة جائزًا ولا يتوقف على إجازة أحد، أما إذا كان الموقوف زائدًا على الثلث فيتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوه جاز في الكل وإلا كان في الثلث، وبطل فيما زاد على الثلث، وإن أجاز بعضهم دون بعض جاز بقدر ما أجازوا، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية على أجود القولين
(1)
،
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، 5/ 211، والفتاوى الهندية لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، 2/ 451، والإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ الطرابلسي الحنفي، 35 - 36، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 81، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، دار المعرفة، 1/ 107، وأحكام الأوقاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بالخصاف 245 - 246، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني، 2/ 377، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 3/ 37، والمغني، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 8/ 215 - 216، وشرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، 1/ 456، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، لمحمد بن جمال الدين المكي العاملي، وزين الدين الجبعي العاملي، 3/ 196، والتاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، 4/ 359، وشرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1399 هـ، 4/ 97.
وهو قولٌ للإباضية
(1)
، وعلّلوا ذلك بأن الشارع أجاز للمريض مرض الموت التبرع بما لا يزيد على ثلث التركة، والوقف من باب التبرعات فيصح، وينفذ دون توقف على إجازة أحد
(2)
.
ووضّح الشماخي رأي بعض الإباضية وهو جواز وقف المريض إذا كان من ثلث ماله فأقل، فقال: "كل ما أخرجه المريض من مال بغير عوض؛ مثل: هبته، وإباحته، وتبرئته من التباعات التي تكون له على الناس، وما تصدق به إذا مات في مرضه الذي مات فيه، فذلك كله من الثلث بمنزلة الوصية وقياسًا عليها، ويعضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(جعل الله لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم)؛ فجائز تصرفه فيما جعله الله له، وهذا لغير الوارث
(3)
، وقال:"إن برئ من مرضه فيجوز جميع أفعاله في مرضه، لوارث كان أو لغيره؛ لأن ما كان عندهم ضعيفًا بالمرض كان قويًّا بالصحة"
(4)
، وفي التاج:"وهو في المرض من الثلث"
(5)
، وجاء في شرح النيل:"فَلَا دليل في كَلام ابنِ عَبَّاسٍ لِلقَولِ بِإبطَالِ الحَبسِ مطلقًا في المرَضِ أو بَعدَ المَوتِ ولَو كان قَولَ أصحَابِنَا، ولَعلَّ وجهَ كَلام أصحَابِنَا أنَّه إذا حَبَسَ شيئًا جَاوَزَ مَنفَعَتُهُ الثُّلثَ إن طَالَ الانتفاع بِهِ فَلَم يَجُز، لَكِنَّ هَذَا يَقتَضِي أن يَمنَعُوهُ وَلَو بَيَّنَ وَجهَ الأَجر"
(6)
.
(1)
انظر: الضياء، سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، 19/ 107.
(2)
انظر: المغني، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، 8/ 210 - 216، قال الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلبِي، فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي الزيلعي الحنفي، 3/ 325": الوقف لا يجوز عند أبي حنيفة أصلًا، وهو المذكور في الأصل، وقيل: يجوز عنده، إلا أنه لا يلزم، بمنزلة العارية، حتى يرجع فيه أي وقت شاء ويورث عنه إذا مات، وهو الأصح، وعندهما (الصاحبين): يجوز، ويزول ملك الواقف عنه، غير أنه عند أبي يوسف يزول بمجرد القول، وعند محمد لا يزول حتى يجعل للوقف وليًا ويسلم إليه.
(3)
كتاب الإيضاح، عامر بن علي الشماخي، 4/ 464 - 465.
(4)
المرجع السابق، 4/ 466.
(5)
التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، 6/ 106.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1/ 455.