الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب) وإذا وقف عقارا وأطلق دخل في الوقف ما كان داخلًا في البيع، وما لا فلا
(1)
، فإذا وقف دارًا تناول أرضها، وبناءها، وما يتصل بها لمصلحتها كالسلالم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة.
ج) أما إذا وقف أرضًا:
فعند الحنفية: يدخل ما فيها من البناء والشجر بجميع أنواعه، ولا يدخل ما بها من زرع، كما لا يدخل الثمر الموجود على الشجر وقت الوقف، مؤبرا كان أو غير مؤبر
(2)
.
وعند المالكية: يدخل ما فيها من البناء والشجر، ولا يدخل ما بها من زرع، كما لا يدخل الثمر بعد التأبير
(3)
.
وعند الشافعية والحنابلة: يدخل ما فيها من البناء والشجر في أحد القولين عند الشافعية وأحد الوجهين عند الحنابلة، ولا يدخل الزرع الذي لا يحصد إلا مرة واحدة، ولا الجزة الظاهرة من الزرع الذي يُجزَّ مرارًا، أما أصل الزرع فحكمه حكم الشجر، ولا يدخل الثمر بعد التأبير
(4)
.
سادسًا: مسألة وقف الملك المشاع:
يُراد بالشيوع هنا "ما تعلقت الملكية فيه بجزء نسبي غير محدد من شيء مملوك لأكثر من واحد"
(5)
.
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في الموقوف مسجدًا أو مقبرة أن يكون مفرزًا لا مشاعًا، وأنه لا يجوز وقفهما على جهة الشيوع، فإذا حدث فإنه لا يتم ولا يترتب عليه أثره إلا بعد الإفراز؛ لأن الشيوع يمنع خلوصهما لله تعالى، ويجعلهما عرضة
(1)
انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي، 3/ 327.
(2)
انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف، 222 - 223، وبدائع الصنائع، الكاساني، 5/ 164 - 165.
(3)
انظر: الفروق، القرافي، 3/ 283 - 284.
(4)
انظر: المهذب، الشيرازي، 1/ 369 و 371، والكافي، ابن قدامة، 3/ 101 و 108، والمبدع، ابن مفلح، 4/ 158 و 162.
(5)
أحكام الوقف في الفقه والقانون، محمد سراج، 69.
لتغيير جهة الانتفاع بهما؛ إذ لا يتأتى الانتفاع بهما إلا عن طريق المهايأة الزمانية، وهي تناوب الشركاء في الاستعمال، فيمكن أن يصير المسجد تارة مصلى وتارة مسكنًا أو حانوتًا، والمقبرة تكون تارة للدفن وتارة للزراعة، وهذا لا يسوغ شرعًا.
فإن كان يقبل القسمة لم يجز وقفه إلا بعد قسمته، وإن كان لا يقبل القسمة لم يصح الوقف
(1)
.
واختلف الفقهاء في حكم وقف أحد الشركاء نصيبه من المشاع على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة وقف المشاع مطلقًا، سواء كان مما يقبل القسمة أم لا.
وهذا قول أبي يوسف من الحنفية تبعه عليه مشايخ بلخ
(2)
، وهو قول المالكية
(3)
، والشافعية
(4)
والحنابلة
(5)
، والظاهرية
(6)
، والإباضية
(7)
، والإمامية
(8)
، وهو قول عند الزيدية
(9)
.
قال العيني من الحنفية: "ولا يتم الوقف حتى يقبض المتولي، وهو قول محمد، ولا يتم أيضًا حتى يفرز، وهو قول محمد أيضًا، احترز به المشاع، فإنه لا يجوز وقفه، وعند أبي يوسف يجوز"
(10)
.
(1)
انظر: المبسوط، السرخسي، 12/ 37، وفتح القدير، ابن الهمام، 6/ 211، والذخيرة، القرافي، 6/ 314، وتكملة المجموع، السبكي، 15/ 323، والمغني، ابن قدامة، 5/ 643.
(2)
انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف، 195، والمبسوط، السرخسي، 12/ 37، وبدائع الصنائع، الكاساني، 6/ 220.
(3)
انظر: الذخيرة، القرافي، 6/ 314.
(4)
انظر: المهذب، الشيرازي، 1/ 575.
(5)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 16/ 372.
(6)
انظر: المحلى بالآثار، 9/ 182.
(7)
انظر: التاج المنظوم، الثميني، 4/ 151، إلا أنهم يشترطون في وقف المسجد أن يكون مفرزًا عند إنشاء الوقف، وهو ما نص عليه أيضًا قانون الوقف العماني.
(8)
انظر: كتاب الخلاف، الطوسي، 3/ 542.
(9)
انظر: عيون الأزهار في فقه الأئمة الأطهار، المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، مكتبة دار الكتاب المصري، 359.
(10)
رمز الحقائق شرح كنز الدقائق، محمد محمود العيني، مكتبة عبد الله بن عبد العزيز الجامعية، 1/ 344.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: "ويصح وقف المشاع"
(1)
.
وقال البغوي الشافعي: "ولو وقف نصف عبده أو نصف داره مشاعًا جاز؛ سواء كان النصف الآخر له أو لم يكن"
(2)
.
وقال المرداوي الحنبلي: "قوله (ويصح وقف المشاع) هذا المذهب نص عليه، وعليه الأصحاب قاطبة"
(3)
.
وقال ابن حزم: "وهو جائز في المشاع وغير المشاع، فيما ينقسم وفيما لا ينقسم"
(4)
.
وقال الطوسي من الإمامية: "ويجوز وقف المشاع كما يجوز وقف المقسوم"
(5)
.
وجاء في شرح الأزهار من كتب الزيدية: "ولو كان مشاعًا وكان ينقسم أو لا؛ فإنه يصح وقفه عندنا"
(6)
.
وجاء في فتاوى الخليلي في المذهب الإباضي جوابًا عن حكم وقف المشاع، لا مانع من ذلك؛ لأن الوقف لا يشترط فيه أن يكون الموقوف متعينًا متبينًا واضحًا، إذ الوقف كالصدقة، بل هو صدقة تستمر بعد الموت، فكما أن للإنسان أن يتصدق بحصته من المشاع؛ فكذلك له أن يقف حصته من المشاع، وليس ذلك كالبيع؛ إذ العوض عن الوقف ليس في الدنيا، وإنما العوض عنه في الدار الآخرة"
(7)
.
(1)
الإشراف على نكت مسائل الخلاف، القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، تحقيق: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م، 2/ 672.
(2)
المهذب، الشيرازي، 8/ 213.
(3)
الإنصاف، المرداوي، 7/ 8.
(4)
المحلى بالآثار، ابن حزم، 9/ 182.
(5)
المبسوط، الطوسي، 3/ 288.
(6)
شرح الأزهار، عبد الله بن أبي القاسم بن مفتاح، مكتبة غمصان، صنعاء، 5/ 176 - 177.
(7)
الفتاوى، أحمد الخليلي، 4/ 95.
أدلة القول:
1 -
قول عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالًا قط أعجب إليَّ منها، وقد أردت أن أتصدق بها"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"احبس الأصل وسبِّل ثمرتها"
(1)
.
ووجه الدلالة: ذِكْر عمر بن الخطاب رضي الله عنه للسهام دليل على شيوع ملكه فيها، وأنها لما تفرز بعد، ويشهد لهذا أن قسمة أراضي خيبر وفرزها إنما كان على زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
2 -
قول كعب بن مالك رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"، قلتُ: أُمسك سهمي الذي بخيبر
(2)
.
3 -
واحتج الزيدية بفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فورد في شرح الأزهار أن: حجة أهل المذهب في صحة وقف المشاع فعل عثمان في بئر رومة
(3)
، ووجه ذلك أنه رضي الله عنه اشتري بعضها فوقفه، ثم اشترى بقيتها.
4 -
أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع حصوله في المفرز
(4)
.
5 -
أن ما صح بيعه من ذوات المنافع الباقية صح وقفه، والمشاع عرصة يجوز بيعها فجاز وقفها كالمفرزة
(5)
.
6 -
القياس على العنق؛ لاشتراكهما في أن كلا منهما إسقاط للملك، والشيوع لا يمنع الإعتاق فلا يمنع الوقف أيضًا
(6)
.
(1)
صحيح البخاري، 2620.
(2)
صحيح البخاري، 2757، وصحيح مسلم، 2769.
(3)
انظر: شرح الأزهار، ابن مفتاح، 5/ 177.
(4)
انظر: المغني، ابن قدامة، 8/ 233، والمهذب، الشيرازي، 1/ 575.
(5)
انظر: المغني، ابن قدامة، 8/ 231.
(6)
انظر: الذخيرة، القرافي، 6/ 314.
القول الثاني: صحة وقف المشاع إن كان مما لا يقبل القسمة، فإن كان يقبلها لم يصح وقفه على جهة الشيوع، وهو القول الآخر عند الحنفية، قاله منهم محمد بن الحسن الشيباني، وتبعه عليه مشايخ بخارى
(1)
، وهو قول عند الزيدية، فورد في شرح الأزهار:"وقال المؤيد بالله في الظاهر من قوليه: إنه يصح إن كان لا يحتمل القسمة، أو كان الشياع مقارنًا"
(2)
.
أدلة القول:
1 -
أن من شرط الوقف القبض والحرز، والشيوع ينافي القبض؛ لأن تمام القبض فيما يحتمل القسمة بالقسمة قياسا على الصدقة المنفذة
(3)
.
2 -
قالوا: ثم إن القسمة بيع، وبيع الوقف ممنوع، وبيان ذلك أن كل جزء من أجزاء المملوك مشاعا يرد عليه أنه موقوف، وعند القسمة والفرز يتحقق ذلك في الأجزاء الموقوفة أيضًا، والقسمة بيع، فمنعناه فيما يقبل القسمة لأجل ذلك
(4)
.
القول الثالث: عدم صحة وقف المشاع إن كان مما لا يقبل القسمة، وهو قول في مذهب المالكية، اختاره منهم أبو الحسن اللخمي
(5)
، وهو أيضًا قول للإباضية، كما جاء في التاج:"ولا يجوز في مشاع الإضرار بالشّريك، ولا يصحّ فيه قسم إلّا لِمُوقِفٍ مَا حَيِي؛ وإن حكم به جاز"
(6)
.
أدلة القول:
استدلوا بقاعدة دفع الضرر عن الشريك، قالوا: لأنه لا يقدر على البيع، وإن فسد شيء في الموقوف المشاع لم يجد من يصلحه
(7)
.
(1)
انظر: المبسوط، السرخسي، 12/ 37، وفتح القدير، ابن الهمام، 6/ 211.
(2)
شرح الأزهار، ابن مفتاح، 5/ 177.
(3)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 5/ 454.
(4)
انظر: فتح الباري، ابن حجر، 5/ 454.
(5)
انظر: حاشية الدسوقي، 4/ 76.
(6)
التاج، الثميني، 6/ 106.
(7)
انظر: الذخيرة، القرافي، 6/ 314.