الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الشخصية الاعتبارية للوقف
يقسم فقهاء القانون في العصر الحديث الأشخاص إلى قسمين:
1 -
شخص طبيعي: والأشخاص الطبيعيون هم أفراد الناس، فكل منهم ذو أهلية وذمة، له حقوق وعليه واجبات
(1)
، وتبدأ الشخصية الطبيعية للفرد تمام ولادته حيا، وتنتهي بالموت
(2)
.
2 -
شخص اعتباري أو حكمي: هو شخص يتكون من اجتماع أشخاص أو أموال، يقرر له التشريع كيانًا قانونيًا مستمدًا منها مستقلًا عنها
(3)
.
وبذلك فإنه يجب لنشوء الشخص الاعتباري توافر عنصرين؛ الأول: عنصر موضوعي؛ وهو وجود جماعة من الأشخاص، والثاني: عنصر شكلي؛ وهو اعتراف القانون لهذه المجموعة بالشخصية الاعتبارية
(4)
.
أولًا: اعتبار مفهوم الشخصية الاعتبارية عند الفقهاء:
مفهوم الشخصية الاعتبارية موجود ومعتبر لدى الفقهاء وإن لم يعبروا عنه بهذا الاسم، والنصوص الفقهية التي ذكروها الدالة على إثبات الحقوق والواجبات للمسجد والرباط والوقف خير دليل على هذا الاعتبار.
ونذكر فيما يأتي بعض هذه النصوص:
قال الخرشي المالكي: يشترط في الموقوف عليه أن يكون أهلًا للتملك الحكمي كالمسجد، أو حسًّا كالآدمية
(5)
، وجاء في حاشية الدسوقي: وصح الإيصاء لمسجد؛ الصحة تملكه للوصية، ولنحوه كرباط وقنطرة
(6)
.
(1)
انظر: المدخل الفقهي العام للدكتور الرزقا 3/ 240، والوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري 5/ 288.
(2)
انظر: المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي 18.
(3)
انظر: المدخل الفقهي العام 3/ 272 - 273.
(4)
انظر: المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي 21 - 22.
(5)
انظر: شرح مختصر خليل للخرشي وبهامشه حاشية العدوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المالكي، 7/ 80.
(6)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 379.
ذكر بعضُ الإمامية: إن دائرة الملكية في الإسلام تعدّت الأشخاص من بني آدم، وشملت أعيانًا خارجية، وعناوين عامة، وعناوين عامة بحتة اعتبارية (معنوية).
فالمسجد والكعبة ونحوهما من أماكن العبادة والمرافق العامة التي تملك أموالًا ومستغلات عن طريق الوقف وغيره؛ هي مثال للأعيان الخارجية المالكة.
والزكاة من العناوين العامة التي هي ملك للفقراء، وكذا الخراج الذي هو ملك للمسلمين، وهي من العناوين العامة المالكة.
والدولة أو منصب الإمامة المالك للأنفال وحقّ الإمام، وغيرها هي من العناوين المعنوية (الاعتبارية) المالكة.
وهذه الشخصية المعنوية والاعتبارية كما ثبت لها الحق والملك، فيمكن ثبوت الحق والدين عليها أيضًا، فهي تملك وتستدين، ولها ذمة كذمة الأشخاص الحقيقيين.
ويسهل تصور ملك الأعيان الخارجية كالمسجد، بالرغم من أنها لا تعقل ولا تقدر على التصرف، إذ غاية الأمر يكون التصرف في أموالها بيد ولي الأمر أو الناظر عليها، كما هو الحال في ممتلكات الصبي والمجنون، وكذا الأمر في ملكية العناوين العامة كالفقراء أو الشخصيات المعنوية كالدولة؛ لأن الملك هو أمر اعتباري لا يحتاج إلى محل خارجي.
وقد ثبت في الشرع جواز الوقف على المسجد والكعبة ونحوهما، وجواز الوقف على الفقراء والمسلمين، كما ثبت جواز الوقف على الإمام بما هو إمام (منصب الإمامة)، لا بما هو شخص حقيقي، فإن ذلك مفروغ عنه، فثبت أن هذه العناوين تملك ما وقُف عليها، وهذا الملك محجور عليه عن التمليك للغير والإرث والهبة ونحوها.
وقد ثبت أن المتولي للوقف أو الناظر يقوم بشراء ما يحتاج إليه الوقف، وبإيجاره وبيع غلّته واستبدالها، ويحفظ ويدافع عن الوقف اتجاه السلطة القضائية ويصونه من الخراب والفساد.